الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والراجح ـ واللَّه أعلم ـ أنه لا يمكن لأحدٍ ـ الآن ـ أن يَعرِف قبراً معيناً من قبور آل البيت والصحابة والتابعين، لأنه لم يكن السلف الصالح يعتنون بها ويشيدون المعالم عليها
(1)
، ثم إنَّ القبور تتغير معالمها، وتندثر تماماً مع تعاقب القرون، فكيف بتعاقب قرون طويلة تصل إلى خمسة عشر قرناً، وفي التاريخ ما يدل على تعاقب الدفن في البقيع في مَوضع واحد دون معرفة بالسابق.
(2)
= تراب تلك المقبرة رُفَاتَهم، ويخصُّ بالذكر منهم أولئك الثلاثة، وينحَى باللائمة على مَن أزال تلك القباب الخرافية! !
وليتَ الأمر يقف عند هذا الحدِّ، بل إنَّ الباحثين الذي جاؤوا بعد ذلك العالِم اتَّخَذوا كتابَه مَصدراً يُعتَمَدُ عليه في آثار مكة وأخبَارِها ....
وقال الجاسر ـ أيضاً ـ: وقلَّ أن كتبَ عن هذه البلدة الكريمة أحدٌ ـ من غير العارفين من أهلها ــ فلَمْ ينظر إلى هذه الآثار ونحوِها نظرةَ الواثِقِ بصحةِ ما يُقَال عنها؛ لملامستِها للعواطف.
أما مثقَّفُو هذه البلاد، وأُولو الرأي فيها، فهُم يدركون أنها لا سَندَ لها من التاريخ، وأن ما يُروى عنها غيرُ صحيح). انتهى المراد نقله من كلام العلامة المحقِّق الجاسر رحمه الله.
(1)
وسيأتي تعليق جميل للأستاذ: رفيق العظم (ت 1343 هـ) رحمه الله عن سَبب خفاء العلم ـ تحديداً ـ بقبور كثير من الصحابة والتابعين، والاختلاف الكثير من لدن المؤرِّخين في تحديد قبورهم. وانظر:«من نفحات الحرم» للطنطاوي (ص 204)
(2)
فانظر مثلاً: «الدرة الثمينة» (ص 456) رقم (357)، و (ص 459) رقم (364)،
…
و «إتحاف الزائر» لأبي اليمن ابن عساكر (ص 101).
وقد قال الحسين بن عمر العثماني المراغي الشافعي
…
(ت 816 هـ) رحمه الله: (إنه يجب على ولاة الأمور ــ بل وعلى كل مسلم ـ مواراة ما يوجد من عظام أموات المسلمين، لاسيما في البقيع، فقد شاهدتُ فيه من ذلك ماهالني رؤيته).
(1)
وبعد كتابة ـ ما سبق ـ طُبع كتاب قيِّم بعنوان: «الإصابة فيمن دُفن بالبقيع من الصحابة رضي الله عنهم ـ توثيق علمي مؤصَّل لمسائل الدفن في البقيع، وقبور آل البيت والصحابة فيه ـ»
(2)
للشيخ: منصور بن صالح السلامة التميمي
(3)
ذكر أنه استفاد كثيراً من رسالة: «المسائل العقدية المتعلقة بالمدينة النبوية» د. ألطاف الرحمن بن ثناء اللَّه الهندي.
(4)
وعَرَضَ لمسألةِ: هل قبور الصحابة في البقيع معلومة؟
(5)
(1)
«تحقيق النصرة بتلخيص معالم دار الهجرة» (ص 210).
(2)
بلغ عددهم (140)، والكتاب يقع في مجلد (158 صفحة)، ط. دار الإمام مسلم في المدينة النبوية، ومركز سطور للبحث العلمي، ط. الأولى 1438 هـ.
فائدة: ذكر الآقشهري (ت 739 هـ) في «الروضة الفردوسية» في المجلد الثاني من مات بالمدينة من الصحابة، ولمؤلف مجهول من القرن 8 هـ كتاب «الروضة المستطابة فيمن دفن بالبقيع من الصحابة» تحقيق: عادل عبدالمنعم، فيه (93) رجلاً وامرأة. عرض الكتاب ونقده الشيخ: حمد الجاسر كما في «بحوث ومقالات في تاريخ المدينة» (ص 684).
(3)
كبير المرشدين بمركز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ببقيع الغرقد.
(4)
(ص 13)، وهي رسالة دكتوراه في الجامعة الإسلامية في المدينة النبوية ـ لم تُنشر ـ.
(5)
(ص 28 ـ 40)، وقد استفاد مِن رسالة «المسائل العقدية المتعلقة بالمدينة النبوية» د. ألطاف الرحمن (ص 869 وما بعدها).
وإليك خلاصة ما ذكره الشيخ: منصور السلامة ـ بعد التصرف والزيادة والتعليق عليه ـ
إنَّ مقبرة البقيع هي مقبرة المدينة منذ زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، ولايمكن الجزم بصحة نسبة القبور إلى أصحابها المشار إليهم: كقبر فاطمة، وابنيها، والعباس، وأمهات المؤمنين و ..... ؛ لأنَّ الإسلامَ نهى عن: رفع القبر، وتجصيصه، والبناء عليه، والكتابة عليه؛ وقد امتثَلَ السلفُ الصالح في القرون الثلاثة الأولى هذا الأمر النبوي العظيم، قولاً وعملاً، ولم يكونوا يبالغون في تعظيمها، ويقيمون عندها الاحتفالات، وقراءة القرآن، ويعكفون عندها، إلى غير ذلك من البدع المنتشرة عند القبور في الأزمان المتأخرة عن الصحابة رضي الله عنهم، وكان السلفُ في غاية الحرص على سد الذرائع الموصلة إلى الشرك، والقبورُ بابٌ عظيمٌ من أبواب الشيطان لِصَدِّ الناس عن دينهم.
والنبيُّ صلى الله عليه وسلم لم يُعلِم الصحابةَ بقبور الأنبياء، فليس في الشريعة اهتمام وتعظيم لقبور الأنبياء والصالحين.
وفي «عمدة الأخبار في مدينة المختار» لأحمد بن عبدالحميد العباسي
…
(ص 127) بعد أن ذكر مجموعة من قبور الصحابة وآل البيت والتابعين في البقيع قال: (غير أن غالبَهم لا يُعرف عينُ قبره، ولا جِهته؛ لاجتنابِ السلفِ البناء والكتابة على القبور مع طول الزمن).
وموضع بقيع الغرقد ــ خاصة قبل التوسعة السعودية ــ أصغر بكثير من احتمال مَوتى أهل المدينة والمجاورين فيها مدة تزيد على 1400 سنة! !
(1)
فيقيناً أنَّ المقبرةَ امتلأتْ، وأُعيدَ الدفن فيها مراراً وتكراراً،
(2)
لذلك
(1)
سبق ذكر قول اللواء: إبراهيم رفعت باشا المصري (ت 1353 هـ) أنَّ بقيع الغرقد طوله 150 متراً في عرض 100 متر.
(2)
مما يدل عليه: ما ذكره السمهودي (ت 911 هـ) رحمه الله في «وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى» (3/ 917): (وينبغي أن يسلم زائرهما على مَن قدمنا ذكر دفنه عندهما في قبر فاطمة والحسن رضي الله عنهما، وهناك قبور كثيرة لأمراء المدينة وأقاربهم من الأشراف يدفنون بهذا المشهد.
وفي غربيِّه قبر ابن أبي الهيجاء وزير العبيديين، عليه بناء، وقبر آخر يُعرف بابن أبي النصر عليه بناءٌ أيضاً.
وفي شرقي المشهد بعيداً منه حظيرتان، في إحداهما: الأمير جوبان صاحب المدرسة الجوبانية، وفي الآخرى: بعض الأعيان ممن نقل إلى المدينة، وإنما نبَّهتُ على ذلك خوفاً من الالتباس على طول الزمان).
وقد نقله مختصراً ابنُ حجر الهيتمي (ت 974 هـ) في «حاشيته على شرح الإيضاح في المناسك للنووي» (ص 503). وانظر: «من نفحات الحرم» للطنطاوي (ص 204)
قلت: فكيف يخلو المكان في بقيع الغرقد مجاوراً لقبور آل البيت والصحابة، ليُدفن فيه مَن ذُكر بعدهم بقرون عديدة؟ ! ويتتابع دفن أمراء المدينة وأقاربهم بجوار قبور آل البيت؟ ! هذا مما يؤكد تكرار الدفن في البقيع، وأنها طِباق متتالية، فالظاهر لكَ من القبور الآن ليست هي القبور في القرون الأولى ـ واللَّهُ أعلم ـ.
ورد عن هشام بن عروة، عن أبيه (ت 94 هـ) أنه قال:(ما أحبُّ أنْ أُدفَن بالبقيع؛ لَأَنْ أُدفنَ في غيرِه أحبُّ إليَّ مِن أنْ أُدفنَ فيه؛ إنما هو أحدُ رجلين: إما ظالمٌ، فلا أحبُّ أنْ أدفنَ معه، وإمَّا صالحٌ فلا أحبُّ أن تُنْبَش لي عظامُه).
(1)
(1)
رواه مالك في «الموطأ» ـ رواية يحيى ـ رقم (984)، ورواية أبي مصعب (1001) عن هشام، به.
وعن مالك رواه: الشافعي في «الأم» (2/ 630) رقم (708) ومن طريق الشافعي: البيهقي في «السنن الكبرى» (4/ 58)، وفي «معرفة السنن والآثار» (5/ 334) رقم
…
(7751).
ومن طريق أبي مصعب عن مالك: رواه ابن عساكر في «تاريخ دمشق» (40/ 283).
ورواه عبدالرزاق في «مصنفه» (3/ 579) رقم (6735) عن ابن جريج، عن هشام، به.
قال ابن عبدالبر في «الاستذكار» (8/ 295): (وقد بين عروة رحمه الله وجه كراهته الدفن بالبقيع، وظاهر خبره هذا أنه لم يكره نبش عظام الظالم، وليس المعنى كذلك؛ لأن عظم المؤمن يكره من كسره ميتاً ما يكره منه وهو حيٌّ، وفي خبر عروة هذا دليل على أن الناس بظلمهم يعذبون في قبورهم، واللَّه أعلم. ولذلك استحبوا الجار الصالح في المحيا والممات.
وعروة رحمه الله ابتنى قصره بالعقيق، وخرج من المدينة لما رأى من تغير أحوال أهلها، ومات هناك رحمه الله وخبرُه هذا عجيب، قد ذكرناه من طرق في آخر كتاب «جامع بيان العلم وفضله» ).
قال الباجي (ت 474 هـ) في «المنتقى شرح الموطأ» (2/ 23): (كَرِهَ عروة الدفن بالبقيع لا لكراهية البقعة، وإنما ذلك؛ لأنه لم يكن بقي فيه مَوضع إلا قد دفن فيه فكره الدفن به لهذا المعنى؛ لأنه لا بد أن تنبش له عظام من دفن في ذلك الموضع قبله، فإن كان ظالماً، كَرِهَ مجاورته، وإن كان صالحاً، كَرِهَ أن يُنبَشْ له؛ لأنه يعظم نبش عظام الصالح من أجله لحرمته وصلاحه، وأن يكون للظالم حرمة أيضاً، إلا أن كراهيته لمجاورته أعظم، فلذلك علَّق الكراهية لمجاورته، ولا تكره مجاورة الرجل الصالح، فلذلك لم يكره إلا نبش عظامه له).
يُضاف إلى ذلك ما جَرى على المدينة في التاريخ البعيد والقريب من السيول الجارفة، مع طول العهد وتباعد القرون، عُلِمَ مِن ذلك يقيناً أنَّ معالم القبور اندرست وامَّحت، ولايمكن تحديد شئ منها ومعرفة صاحبه.
ويُلحظ أنَّ البقيع الآن مرتفعٌ عن مستوى المسجد النبوي وما حوله ارتفاعاً ظاهراً، مع أنَّ أصل البقيع أرضٌ منخفضة، وسببه ـ واللَّه أعلم ـ توالي الدفن بعضه على بعض منذ فترات متباعدة، مع مايتضمنه الدفن من اللَّبِن وغيره، لذا ارتفعت المقبرة ـ والعلم عند اللَّهِ تعالى ـ.
ويُلحظ أيضاً عند من حدَّد القبور: أن قبور أمهات المؤمنين متجاورة، وكذا عمات النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا قبور بنات الرسول صلى الله عليه وسلم عدا فاطمة، ثم قبر فاطمة وبعض بنيها، هذا التجمع أمر مستبعد لتفاوت سنوات وفاتهم، ولم يعرف عنهم حجز مكان قبورهم، فكيف اتفقت القبور متجاورة؟ !
والدليل على افتعال كثير من التعيينات أنَّ بعضَهم نسب بعض قبور
شهداء أحد في البقيع!
وذكر العياشي (ت 1090 هـ) أنَّ في البقيع قبر حليمة السعدية، مع أنه ليس لها ذكر بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، كذلك نسب بعض المتأخرين
…
(ت 1303 هـ) قبراً في البقيع لعمة النبي صلى الله عليه وسلم عاتكة بنت عبدالمطلب، وعاتكة مختلف في إسلامها والجمهور على عدم إسلامها، كما ذكره أبو نعيم وابن الأثير وغيرهم، وقد ذكر الذهبي في «السير» (2/ 270): أنَّ الصحيحَ أنه لم يُسْلِمْ مِن عماتِه صلى الله عليه وسلم إلا صفية رضي الله عنها.
وكذلك ذكر بعضهم قبرَ عَقِيل بن أبي طالب في البقيع، ولم يذكره العلماء، بل المعروف أنه توفي في الشام.
فهذا وأمثاله دالٌّ على دخول كثير من الأخبار والمعلومات في تعيين القبور، والاهتمام بها من لدن الصوفية وأهل البدع المغلَّظة كالرافضة وغيرهم.
ثم شرع الشيخ: منصور السلامة (ص 74 ـ 137) في ذكر مَن نُصَّ على أنه دُفن بالبقيع من الصحابة، وآل البيت. وقد بلغ عددهم مئة وأربعين (140) رجلاً وامرأة.
(1)
…
وأوافقه على دراسته هذه كلِّها.
(1)
انتهى المراد نقله ــ باختصار وتصرف وتعليق ــ من كتاب «الإصابة فيمن دُفن بالبقيع من الصحابة رضي الله عنهم ـ توثيق علمي مؤصَّل لمسائل الدفن في البقيع، وقبور آل البيت والصحابة فيه ـ» للشيخ: منصور السلامة.