الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل هناك فرق بين السماع والاستماع؟
نعم، فالاستماع يكون بحضور القلب مع سكون الجوارح بحيث يحصل التدبر؛ لذا يؤجر عليه صاحبه. وأما السماع فيكون بدون قصد ولا إرادة، لذا لا يترتب عليه أجر ولا إثم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فالرجل لوسمع الكفر والكذب والغيبة والغناء والشبابة، من غير قصد منه، كأن كان مجتازاً بطريق فسمع ذلك، لم يأثم، ذلك باتفاق المسلمين، ولو كان الرجل ماراً، فسمع القرآن، من غير أن يستمع إليه، لم يؤجر على ذلك، وإنما يؤجر على الاستماع الذي يقصد)(1).
ثانياً: فضائل استماع القرآن
إن فضائل استماع القرآن الكريم كثيرة، كما أن لتلاوة القرآن الأجر العظيم، فكن - أخي الحبيب - من المحافظين على تلاوته واستماعه، حتى تفوز بالأجر العظيم في الدنيا والآخرة، وتكون من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته.
ومن هذه الفضائل:
1 -
استماع القرآن سبب لرحمة الله سبحانه وتعالى:
قال الله عز وجل: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (204) سورة الأعراف.
قال صلى الله عليه وسلم: " وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده "(2).
(1) مجموع الفتاوى (3/ 212).
(2)
رواه مسلم (6726) وأبوداود والترمذي مختصراً عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً.
قال الليث: يُقَال: ما الرحمة إلى أحد بأسرع منها إلى مستمع القرآن، لقول الله جل ذكره:{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (204) سورة الأعراف و (لعل) من الله واجبة. (1)
قال الحسن البصري: إذا جلست إلى القرآن فأنصت له. (2)
وقد اختلف العلماء في سبب نزول هذه الآية، وأن الأمر بالاستماع والإنصات في حق مَنْ؟ فمنهم مَنْ قال: في الصلاة المكتوبة إذا جهر الإمام بالقراءة، وآخرون قالوا: في الصلاة والخطبة يوم الجمعة، وغيرهم قال: الإنصات يوم الأضحى ويوم الفطر ويوم الجمعة وفيما يجهر به الإمام من الصلاة وهذا اختيار ابن جرير الطبري (3).
والذي يظهر والله أعلم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وإن كان في الصلاة أشد مطلوباً لمكان القرب والتأثر.
(1) فضائل القرآن وآداب التلاوة للإمام القرطبي ص (12) تحقيق د / أحمد حجازي السقا، نشر المكتب الثقافي.
(تنبيه) لنا بعض الملاحظات على تحقيق الدكتور المذكور آنفاً للكتاب منها:
1 -
لم يخرج الأحاديث النبوية، بل تركها كما هي، والكتاب به الكثير من الأحاديث الضعيفة والموضوعة.
2 -
ملأ الكتاب بالتعليقات التي تدل على منهجه الاعتزالي من تقديم العقل على النقل، وتأويل الصفات وتعطيلها.
مثال: نفى الشفاعة يوم القيامة ص (11)، فسر (استوى) بمعنى (استولى) ص (25)، ويد الله بمعنى قدرة الله ص (26)، ونفى صفة الكلام لله ص (34) وغيرها.
3 -
ينفي النسخ في القرآن ص (29) كما يشكك في الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة والأحكام إن لم يكن يرده مطلقاً ص (51، 52، 96).
(2)
تفسير ابن كثير (2/ 268 - 287) طبعة المكتبة القيمة.
(3)
المرجع السابق.
2 -
استماع القرآن سبب لتحصيل الأجر العظيم
وكما عرفنا أن مَنْ قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، والله يضاعف لمن يشاء، فإن الأجر لا يتوقف على التلاوة فحسب، بل إن استماع القرآن الكريم - إذا أخلص الإنسان نيته لله - من الأسباب المعينة على تكثير الحسنات، ومضاعفة الطاعات، ومن أفضل القربات.
قال أبوهريرة رضي الله عنه: (مَنْ استمع إلى آية من كتاب الله تعالى كُتب له حسنة مضاعفة، ومَنْ تلاها كانت له نوراً يوم القيامة)(1).
3 -
استماع القرآن سبب لهداية الإنسان
لقد أوضح الله سبحانه وتعالى أن القرآن مصدر الهداية في الدنيا والاخرة، ومن تمسك به تلاوة واستماعاً وعملاً وتدبراً فلن يضل أو يشقى، قال تعالى:{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا} (9) سورة الإسراء.
وإن استماع القرآن من الأعمال الصالحة التي بشر القرآن أصحابها بالهداية، ووصفهم بأنهم أصحاب العقول السليمة الراشدة فقال عز وجل:{فَبَشِّرْ عِبَادِ * الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} (17 - 18) سورة الزمر.
(1)(ضعيف مرفوعاً، صحيح موقوفاً) رواه أحمد مرفوعاً (3/ 341) وضعفه المنذري في الترغيب (2/ 345)، وقال الحافظ العراقي في تخريج الاحياء (1/ 320):(وفيه ضعف وانقطاع) وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5408)، وقال محقق التبيان ص (73): وفيه الحسن البصري مدلس ولم يصرح بالسماع وقد اختلف في سماعه من أبي هريرة، وعباد بن ميسرة ضعيف، فالحديث ضعيف مرفوعاً، صحيح موقوفاً) طبعة مكتبة ابن عباس المنصورة.
4 -
استماع القرآن سبب لتحصيل النور
عن ابن عباس رضي الله عنهما: (من استمع إلى آية من كتاب الله تعالى كانت له نوراً)(1).
إن الاستماع إلى القرآن الكريم يكسب صاحبه نوراً في الدنيا: ينير له الطريق، ويبدد به الظلمات، ويكسب به الشبهات، ويقمع به الشهوات، ويقضي به على الضلالات، وكذلك يكسب صاحبه نوراً في الآخرة: يمشي به على الصراط، وينجو به من المهلكات حتى يفوز بجنة الله خالق الأرض والسموات، فمن دعاء المؤمنين:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (8) سورة التحريم.
فوائد الاستماع:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
(فهذا السماع حادٍ يحدو القلوب، إلى جوار علام الغيوب، وسائق يسوق الأرواح إلى ديار الأفراح، وحرك يثير ساكن العزمات، إلى أعلى المقامات وأرفع الدرجات، ومنادٍ ينادي للإيمان، ودليل يسير بالركب في طريق الجنان، وداع يدعو القلوب بالمساء والصباح من قبل فالق الإصباح (حي على الفلاح، حي على الفلاح) .. فلم يعدم من اختار هذا السماع إرشاداً لحجة، وتبصرة لعبرة، وتذكرة لمعرفة، وفكرة في آية، ودلالة على رشد، ورداً على ضلالة، وإرشاداً من غيّ، وبصيرة من عمى، وأمراً بمصلحة، ونهياً عن
(1)(صحيح الإسناد) رواه الدارمي في سننه برقم (3367)(وفيه رزين بن عبد الله بن حميد لم أقف على من ترجم له، وأما عنعنة ابن جريج فلا تضر عن عطاء لأنه قال: إذا قلت: قال عطاء، فهو سماع وإن لم أقل: سمعت، وقد تابع رزيناً عبد الرزاق (6012) فصح الإسناد). نقلاً عن تخريج التبيان ص (73) مكتبة ابن عباس المنصورة.