الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
9 - حكم نسيان القرآن
وردت آثار كثيرة تحث على تعاهد القرآن، والأمر باستذكاره وتلاوته، كما وردت آثار أخرى تحذر من نسيانه، والغفلة عنه، ومن ذلك حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" إنما مثل صاحب القرآن كمثل الإبل المعقلة، إن عاهد عليها أمسكها، وإن أطلقها ذهبت"(1).
وحديث أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " تعاهدوا القرآن، والذي نفسي بيده لهو أشد تفصياً من الإبل في عُقلها "(2)
قال الحافظ ابن حجر:
(الإبل المعقلة): أي المشدودة بالعقال وهو الحبل الذي يشد في ركبة البعير، شبه درس القرآن واستمرار تلاوته بربط البعير الذي يخشى منه الفرار، فما زال التعاهد موجوداً فالحفظ موجود كما أن البعير مادام مشدوداً بالعقال فهو محفوظ، وخص الإبل بالذكر لأنها أشد الحيوان الإنسي نفوراً، وفي تحصيلها بعد استكمان نفورها صعوبة). (3)
واختلف السلف في نسيان القرآن، فمنهم من جعل ذلك من الكبائر، وأخرج أبوعبيد من طريق الضحاك بن مزاحم موقوفاً قال:(ما من أحد تعلم القرآن ثم نسيه إلا بذنب أحدثه لأن الله تعالى يقول: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} (30) سورة الشورى.
(1) رواه البخاري ح (5031).
(2)
رواه البخاري (ح 5033) ومعنى تفصياً: تفلتاً وتخلصاً، الفتح (8/ 700).
(3)
فتح الباري (8/ 697).
وإن نسيان القرآن من أعظم المصائب)، ومن طريق أبي العالية موقوفاً:(كنا نعد من أعظم الذنوب أن يتعلم الرجل القرآن ثم ينام عنه حتى ينساه)، وإسناده جيد، ومن طريق ابن سيرين بإسناد صحيح في الذي ينسى القرآن كانوا يكرهونه، ويقولون فيه قولاً شديداً.
وقال الإمام القرطبي رحمه الله:
(مَنْ حفظ القرآن أو بعضه فقد علت رتبته بالنسبة إلى من لم يحفظه، فإذا أخلَّ بهذه الرتبة الدينية حتى تزحزح عنها ناسب أن يعاقب على ذلك، فإن ترك معاهدة القرآن يفضي إلى الرجوع إلى الجهل، والرجوع إلى الجهل بعد العلم شديد)(1).
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} (124 - 126) سورة طه. (أي لما أعرضت عن آيات الله وعاملتها معاملة من لم يذكرها بعد بلاغها إليك تناسيتها وأعرضت عنها وأغفلتها كذلك اليوم نعاملك معاملة من نسيك {فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} (51) سورة الأعراف.
فإن الجزاء من جنس العمل، وأما نسيان لفظ القرآن مع فهم معناه والقيام بمقتضاه فليس داخلاً في هذا الوعيد الخاص، وإن كان متوعداً عليه من جهة
(1) فتح الباري (8/ 704،705) بتصرف.