الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإصغاء، فإنه يستحيل على الله تعالى، بل هو مجاز (1) ومعناه الكناية عن تقريبه للقارئ وإجزال ثوابه لأن سماع الله لا يختلف فوجب تأويله
…
) (2).
قلنا:
غفر الله لعلمائنا الأجلاء (3) فقد صرفوا اللفظ عن ظاهره فوقعوا في التأويل، وكان الأولى بهم بعد أن أثبتوا أن الأذن هو الاستماع، أن يثبتوا ما يترتب عليه، وهو أن الله سبحانه وتعالى يسمع حقيقة أصوات عباده، وعلى وجه الخصوص أصوات قراء القرآن، سمعاً يليق بعظمته وجلاله واقتداره، لا يشابه
(1) تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز تقسيم حادث لم يصرح به أحد من ائمة النحاة أهل اللغة كالخليل بن أحمد وسيبويه والكسائي والفراء وأمثالهم، وأبي عمرو بن العلاء وأبي زيد الأنصاري والأصمعي وأبي عمرو الشيباني وغيرهم، بل إن أول من تكلم منهم هو مَعْمر بن المثنى أبوعبيدة، صاحب (مجاز القرآن)، المعطل لأسماء الله الحسنى فجردها عن معانيها، فاعتقد في التعطيل ثم سن المجاز ليوهم خصومه بأنه دليل، قال شيخ الإسلام:(لا ريب أن هذا التقسيم موجود في كتب المعتزلة ومَنْ أخذ عنهم وشابههم وأكثر هؤلاء ذكروا هذا التقسيم، وأما من لم يكن كذلك فليس الأمر في حقه كذلك) مجموع الفتاوى (20/ 404)، راجع الأدلة على فساد هذا الرأي في كتاب (منع جواز المجاز في المنزل للتعبد والإعجاز) للشنقيطي رحمه الله.
(2)
عون المعبود (4/ 241).
(3)
(موقفنا من أبي بكر الباقلاني والبيهقي وأبي الفرج بن الجوزي وأبي زكريا النووي وابن حجر وأمثالهم ممن تأول الصفات أو بعضها أو فوضوا في أصل معناها أنهم في نظرنا من كبار علماء المسلمين الذين نفع الله الأمة بعلمهم، فرحمهم الله رحمه واسعة وجزاهم الله عنا خير الجزاء، وأنهم من أهل السنة فيما وافقوا فيه الصحابة رضي الله عنهم وأئمة السلف في القرون الثلاثة الذين شهد لها النبي صلى الله عليه وسلم بالخير وأنهم أخطأوا فيما تأولوه من نصوص الصفات وخالفوا فيه سلف الأمة وأئمة السلف رحمهم الله سواء تأولوا الصفات الذاتية وصفات الأفعال أم بعض ذلك)(فتاوى اللجنة الدائمة) من فتوى رقم (5082).
صفات خلقه مثل سائر الصفات، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير. كما صرح بذلك الحافظ المفسر العلامة ابن كثير رحمه الله حيث قال: (ومعناه أن الله تعالى ما استمع لشيء كاستماعه لقراءة نبي يجهر بقراءته ويحسنها وذلك أن يجتمع في قراءة الأنبياء طيب الصوت لكمال خلقهم، وتمام الخشية، وذلك هو الغاية في ذلك، وهو سبحانه وتعالى يسمع أصوات العباد كلهم برهم وفاجرهم.
كما قالت عائشة رضي الله عنها: (سبحان الذي وسع سمعه الأصوات كلها)، ولكن استماعه لقراءة عباده المؤمنين أعظم.
كما قال تعالى: {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَاّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا} (61) سورة يونس.
ثم استماعه لقراءة أنبيائه أبلغ كما دل عليه هذا الحديث العظيم.
ومنهم مَنْ فسر الأذن هنا بالأمر، والأول أولى؛ لقوله:"ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن " أي يجهر به، والأذن: الاستماع؛ لدلالة السياق عليه، وكما قال تعالى:{إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} (1 - 2) سورة الإنشقاق أي: استمعت لربها وحُقَّ لها أن تستمع أمره وتطيعه، فالأذن ههنا هو الاستماع، ولهذا جاء في الحديث رواه ابن ماجه بسند جيد (1) عن فضاله بن عبيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لله أشد أذناً إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القَينة إلى قينته "(2)
(1) الحديث ضعيف، أخرجه ابن ماجه (1340) وأحمد (6/ 20) وغيرهم راجع السلسلة الضعيفة (2951).
(2)
تفسير ابن كثير (1/ 258 - 259) تحقيق أبي إسحق الحويني.