الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استماع نساء المشركين وأبنائهم للقرآن
عن عروة بن الزبير؛ أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم؛ قالت: " لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشياً. ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجداً بفناء داره، فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن، فيقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكر رجلاً بكاءً لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن، فأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين "(1).
استماع عتبة بن ربيعة للقرآن
عن محمد بن كعب القرظي قال: حُدِّثت أن عتبة بن ربيعة وكان سيداً قال يوماً، وهو في نادي قريش!، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده: يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أموراً لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنا؟ وذلك حين أسلم حمزة رضي الله عنه ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يزيدون ويكثرون، فقالوا: بلى يا أبا الوليد! قم إليه، فكلمه، فقام إليه عتبة، حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا ابن أخي!، إنك منا حيث قد علمت من السطة (المنزلة الرفيعة) في العشيرة، والمكان في النسب، وأنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت بة جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من
(1) رواه البخاري. راجع الفتح (1/ 476)
مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها، لعلك تقبل منها بعضها قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قل يا أبا الوليد! أسمع " قال: يا ابن أخي!، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفاً سودناك علينا، حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئياً (كانوا يُسمون التابع من الجن رئياً) تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يُداوي منه - أو كما قال له - حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه، قال:" أقد فرغت يا أباالوليد؟ ". قال: نعم، قال:"فاسمع مني" قال: أفعل، فقال: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {حم (1) تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} (1 - 4) سورة فصلت
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه، فلما سمعها منه عتبه أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمداً عليهما، يسمع منه، قم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها فسجد (1)، ثم قال:" قد سمعت يا أباالوليد! ما سمعت، فأنت وذاك" فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبوالوليد بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أباالوليد؟ قال: ورائي أني سمعت قولاً، والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها بي، وخلوا بين هذا
(1) وذلك قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} (37) سورة فصلت.
الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فمُلْكُه مُلْكُكُم، وعِزُّه عِزُّكم، وكنتم أسعد الناس به، قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه، قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم.
وفي رواية أخرى أن عتبه استمع حتى جاء الرسول صلى الله عليه وسلم إلى قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} (13) سورة فصلت فقام مذعوراً، فوضع يده على فم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أنشدك الله والرحم! وذلك مخافة أن يقع النذير، وقام إلى القوم فقال ما قال (1).
ومن هذا المنطلق - ألا وهو تأثير القرآن على النفوس، وسيطرته علي القلوب - بدأ الكفار والمشركون يخططون لصرف الناس عن استماع القرآن، حتى لايحولهم من الكفر إلى الإيمان، ومن الظلمات إلى النور، فإذا بهم يتواصون فيما بينهم أن محمداً صلى الله عليه وسلم ساحر، وأن قوله سحر يفرق بين الناس فلا يسمعوا منه شيئًا
(1)(إسناده حسن) أخرجه ابن إسحق في المغازي (1/ 185) من سيرة ابن هشام بسند حسن عن محمد ابن كعب القرظي مرسلاً، ووصله عبد بن حميد وأبويعلى البغوي من طريق أخرى من حديث جابر رضي الله عنه تفسير ابن كثير (4/ 90 - 91) وسنده حسن إن شاء الله. قاله العلامة الألباني في تخريج فقه السيرة ص (116).
وقال صاحب المنهج الحركي للسيرة النبوية في التعليق على حديث عتبة وموقف النبي صلى الله عليه وسلم معه: (لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحترم خصمه، ويتكلم معه بأدب بالغ، وتقدير جم، ويكنيه بكنيته، وبذلك يعلمنا أدب الحوار. وأهم نقطه فيه أن يتسع صدرنا لاستماع وجهة نظر الخصم، مهما كانت وجهة النظر هذه مرفوضة أو مقبولة عندنا، سامية أو منحطة لأننا بذلك نضمن أن يستمع خصمنا لنا، ويتسع صدره لوجهة نظرنا، وما لم نملك هذه الخاصية الهامة، فلن نربح الحوار مع عدونا .. (.