الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خامساً: استماع الجن
لقد وردت الأدلة من القرآن والسنة الصحيحة على أن الجن يستمعون القرآن، بل ويتأثرون بسماعه، وبوعده ووعيده، حتى يدفعهم إلى الدعوة للقرآن والإيمان برسول الله صلى الله عليه وسلم.
استماع الجن للقرآن
قال تعالى: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} (1 - 2) سورة الجن.
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
(يقول الله تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم أن يخبر قومه أن الجن استمعوا القرآن، فآمنوا به، وصدقوه وانقادوا له)(1).
قال سيد قطب رحمه الله: (قصة النفر من الجن الذين استمعوا لهذا القرآن، فتنادوا بالإنصات، واطمأنت قلوبهم إلى الإيمان، وانصرفوا إلى قومهم منذرين يدعونهم إلى الله ويبشرونهم بالغفران والنجاة، ويحذرونهم الإعراض
(1) تفسير ابن كثير (4/ 428) طبعة المكتبة القيمة.
والضلال. سياقة الخبر في هذا المجال، بهذه الصورة، وتصوير مس القرآن لقلوب الجن هذا المس الذي يتمثل في قولهم:(أنصتوا) عندما طرق أسماعهم، يتمثل فيما حكوه لقومهم عنه، وفيما دعوهم إليه. كل هذا من شأنه أن يحرك قلوب البشر، الذي جاء القرآن لهم في الأصل وهو إيقاع مؤثر ولا شك، يلفت هذه القلوب لفتة عنيفة عميقة) (1).
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (انطلق النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ (2)، وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء، وأُرسلتْ عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم، قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب، قالوا: ما حال بينكم وبين خبر السماء إلا شيء حدث، فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها، فانظروا ما هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء، فانصرف أولئك الذين توجهوا نحو تهامة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو بنخلة عامدين إلى سوق عكاظ، وهو والله الذي حال بينكم وبين
(1) تفسير في ظلال القرآن (6/ 3269) طبعة دار الشروق.
(2)
سوق عكاظ: هو موسم معروف للعرب، بل كان أعظم مواسمهم، وهو نخل في واد بين مكة والطائف وهو إلى الطائف أقرب بينهما عشرة أميال، وهو وراء قرن المنازل بمرحلة من طريق صنعاء اليمن.
قال البكري: أول ما أحدثت قبل الفيل بخمس عشرة سنة، ولم تزل سوقاً إلى سنة تسع وعشرين ومائة، فخرج الخوارج الحرورية فنهبوها فتركت إلى الآن، وكانوا يقيمون به جميع شوال يتبايعون ويتفاخرون وتنشد الشعراء ما تجدد لهم، وقد كثر ذلك في أشعارهم لقول حسان:
سأنشر إن رضيت لكم كلاماً
…
ينشر في المجامع من عكاظ. راجع فتح الباري (8/ 539).
خبر السماء، فهناك حين رجعوا إلى قومهم، فقالوا:{إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا} (1 - 2) سورة الجن.
فأنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ} وإنما أوحي إليه قول الجن) (1).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
(وفي الحديث إثبات وجود الشياطين والجن وأنهما لمسمى واحد، وإنما صارا صنفين باعتبار الكفر والإيمان، فلا يقال لمن آمن منهم إنه شيطان. وفيه أن الصلاة في الجماعة شرعت قبل الهجرة. وفيه مشروعيتها في السفر. والجهر بالقراءة في صلاة الصبح، وأن الاعتبار بما قضي الله للعبد من حسن الخاتمة لا بما يظهر منه من الشر ولو بلغ ما بلغ، لأن هؤلاء الذين بادروا إلى الإيمان بمجرد استماع القرآن لو لم يكونوا عند إبليس في أعلى مقامات الشر ما اختارهم للتوجه إلى الجهة التي ظهر له أن الحدث الحادث من جهتها، ومع ذلك فغلب عليهم ما قضى لهم من السعادة بحسن الخاتمة، ونحو ذلك قصة سحرة فرعون)(2).
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله بعد ما أورد الطرق والروايات التي تفيد استماع الجن للقرآن:
(فهذه الطرق كلها تدل على أنه صلى الله عليه وسلم ذهب إلى الجن قصداً فتلا عليهم القرآن ودعاهم إلى الله عز وجل وشرع الله تعالى لهم على لسانه ماهم محتاجون إليه في ذلك الوقت وقد يحتمل أن أول مرة سمعوه يقرأ القرآن لم يشعر بهم كما قال
(1) متفق عليه، راجع اللؤلؤ والمرجان ص (93) ح (259).
(2)
فتح الباري (8/ 543).