الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثاً: الجمود الفكري والتعصب المذهبي:
قال الإمام ابن القيم رحمه الله واصفاً فتنة التقليد التي أصابت العالم الإسلامي: (تالله إنها فتنة عَمَّت فأعْمَتْ، وَرَمت القلوبَ فأَصَمَّت، ربا عليها الصغير، وهرم فيها الكبير، واتُّخِذَ القرآنُ لأجلها مهجوراً، وكان ذلك بقضاء الله وقدره في الكتاب مسطوراً، ولما عَمّت بها البلية، وعَظُمَت بسببها الرزية، بحيث لا يعرف الناس سواها، ولا يعدون العلم إلا إياها، فطالب الحق من مظانه لديهم مفتون، ومُؤْثِره على ما سواه عندهم مغبون، نصبوا لمن خالفهم في طريقتهم الحبائل، وبغوا له الغوائل، ورموه عن قوس الجهل والبغي والعناد)(1).
(والذي زاد الطين بلة جمود المتفقه المفتين والمعلمين والواعظين على نصوص كتب متبوعيهم المتأخرين بدون تبصر وإعمال روية ورجوع إلى أصول الشريعة وأقوال السلف، وجهلهم بمقتضى الزمان والعمران، ونفورهم من كل جديد بدون أن يزنوه بميزان الشريعة، ومناوأتهم المجددين بدون إصغاء إلى براهينهم، ومكافحتهم العلوم العقلية والكونية، وتحذير الناس من دراستها، وتحجرهم على غيرهم الاستهداء من الكتاب والسنة لزعمهم أن ذلك كله مخالف للدين، لجهلهم بحقيقة الدين، لأن هذه الشريعة الغراء السمحة تسير مع العلم جنباً إلى جنب، واسعة تسع قواعدها العامة كل جديد من مقتضيات الزمان والعمران، لأنها محض رحمة وسعادة.
وأغرب من هذا أن هؤلاء الجامدين من أُسَرَاء التقليد لا يتأثمون من مداهنة الحكام والتجسس لهم، وغشيان ولائمهم التي يتخللها من المنكرات ما تقطع
(1) إعلام الموقعين لابن القيم (1/ 7 - 8).
الشريعة بتحريمه، وتوقيعه المقررات المستمدة من القوانين الوضعية، أو الأوضاع الإدارية، أو الاستحسان الكيفي حرصاً على رواتبهم التي يتقاضونها من خزينة الحكومة، أو تعزيزاً لجاههم ومكانتهم، ويتورعون من الاجتهاد في نازلة نزلت بالمسلمين لأنها غير منصوص عليها بصريح العبارة في كتب المتأخرين من متبوعيهم.
فنجم عن تورعهم هذا هجر الشريعة والاستعاضة عنها بالقوانين وتشتت شمل المسلمين
…
، وخُيِّلّ إلى الجاهلين بالشريعة أنها عقبة كؤود في سبيل الرقي والتجدد والسعادة) (1).
(ومن الثابت تاريخياً أن القوانين الأوربية نقلت إلى مصر في عهد الخديوي إسماعيل، وأنه كان يود أن يضع لمصر مجموعات تشريعية مأخوذة من الشريعة ومذاهب الفقه الإسلامي المختلفة وقد طلب من علماء الأزهر أن يضعوا هذه المجاميع، ولكنهم رفضوا إجابة طلبه، لأن التعصب المذهبي منعهم من أن يتعاونوا على إظهار الشريعة في أجمل صورها، فضحوا بالشريعة جميعها، واحتفظ كل بمذهبه، والتعصب له وأضاعوا على العالم الإسلامي فرصة طالما بكوا على ضياعها، وحق لهم أن يبكوا عليها حتى تعود)(2).
(إن أهم الانحرافات والمآخذ والعيوب التي أصابت المذاهب الفقهية في القرون المتأخرة، والتي نأخذها عليها وندعو لإصلاحها هي:
1 -
مخالفة النصوص الثابتة من الكتاب والسنة تعصباً للمذهب، وتقديم الرأي المحض أحياناً عليها.
(1) عمدة التحقيق للشيخ / محمد سعيد الباني (من 210 - 212) بتصرف.
(2)
الإسلام بين جهل أبنائه وعجز علمائه ص (27).
2 -
امتلاؤها بالأحاديث الضعيفة والموضوعة، والاحتجاج بها واستنباط الأحكام منها.
3 -
تقديم أقوال العلماء المتأخرين على أقوال الأئمة والمتقدمين.
4 -
الانحباس في مذهب واحد، وعدم الاستفادة من علم المذاهب الأخرى، وجهود رجالها وكتبهم تعصباً للمذهب.
5 -
خلو كثير من الكتب المذهبية من الأدلة الشرعية، ورغبة الكثيرين عن دراسة الكتاب والسنة إليها.
6 -
شيوع التقليد والجمود، وإقفال باب الاجتهاد.
7 -
الخوض في المسائل الخيالية، والانشغال بالافتراضات السخيفة.
8 -
فتح باب الحيل المحرمة للتخلص من التكاليف الشرعية.
9 -
نشر الخلاف والانقسام بين المسلمين، والتسبب في وقوع الفتن والكوارث بينهم.
10 -
تدخل الظروف والمصالح السياسية في انتشار بعض المذاهب وانحسار أخرى.
11 -
الأخذ بجزء من النص دون الجزء الآخر.
12 -
مخالفتهم في الفروع لما قرروه بأنفسهم في الأصول.
13 -
الوقوع في أخطاء اجتهادية فاحشة.
14 -
التشدد في بعض المسائل مما فيه عنت كبير على الناس.
15 -
فساد طريقة التأليف، والتعقيد في الأسلوب.