الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
عاقبة هجر القرآن
وفيه مبحثان:
الأول: حكم هجر القرآن.
الثاني: أنواع هجر القرآن.
تعال معنا - أخي الحبيب - لنتعرف على عاقبة من هجر القرآن، وأعرض عنه في الدنيا والآخرة:
1 -
إن صاحب الهجر والإعراض من أعظم الناس ظلماً.
2 -
يجعل الله على قلبه الأكنة - أغطية وغشاوة - حتى لا تفقه الحق، وعلى الآذان الوقر - الصمم المعنوي عن الرشاد -.
3 -
صاحب الهجر من الضالين، وأخبر الله عن عدم اهتدائه أبداً إلى الحق.
الدليل على هؤلاء قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَن يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا} (57) سورة الكهف
4 -
انتقام الله من المعرضين عن القرآن، ووصفهم بالإجرام.
قال تعالى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ} (22) سورة السجدة
5 -
كون المعرض كالحمار
قال تعالى: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ * فَرَّتْ مِن قَسْوَرَةٍ} (49 - 51) سورة المدثر
6 -
ينذر الله من هجر القرآن ويتوعده بصاعقة مثل صاعقة عاد وثمود.
قال تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} (13) سورة فصلت
7 -
المعيشة الضنك في الدنيا.
قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} (124) سورة طه. إن مَنْ هجر القرآن يعيش معيشة ضنكاً، وهذه الكلمة صعبة في النطق كأنها تشير إلى صعوبة تلك الحياة.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله في بيان حال من هجر القرآن: (في الدنيا فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، ضيق حرج لضلاله، وإن تنعم ظاهره، ولبس ما شاء، وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشك، فلا يزال في ريبه يتردد فهذا من ضنك المعيشة .. وجاء أيضاً في تفسير الضنك بأنه الكسب الحرام، والعمل السيئ، والرزق الخبيث، وأنه عذاب القبر وضمته). (1)
قال الإمام الشنقيطي رحمه الله: (وهذه الأقوال متقاربة لا يكذب بعضها بعضاً، والأولى شمول الآية لجميع الأقوال المذكورة). (2)
8 -
يحشر يوم القيامة أعمى.
قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى} (124 - 126) سورة طه
سبحان الله! يحشر من أعرض عن القرآن يوم القيامة أعمى، بعد أن كان بصيراً في الدنيا، لكنه ما نظر بعينه إلى القرآن فتلاه، وعمل بمقتضاه، لكنه أعرض عنه، وهجره، وتناساه؛ فصار كالأعمى الذي حرم نعمة البصر؛ لأن الجزاء من جنس العمل.
(1) تفسير ابن كثير (3/ 173) بتصرف، طبعة المكتبة القيمة.
(2)
أضواء البيان للشنقيطي (4/ 595 - 596) طبعة مكتبة ابن تيمية.
قال مجاهد، وأبو صالح، والسدي:{أَعْمَى} : لا حجة له.
وقال عكرمة: عُمِّيَ عليه كُلُّ شيء إلا جهنم.
وقال الإمام ابن كثير رحمه الله: (ويحتمل أن يكون المراد أنه يبعث، أو يحشر إلى النار أعمى البصر والبصيرة أيضاً، كما قال تعالى {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ} (97) سورة الإسراء) (1).
9 -
يسلكه الله عذاباً صعداً.
قال تعالى: {وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا} (17) سورة الجن.
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: (أي عذاباً مشقاً، شديداً، موجعاً، مؤلماً. قال ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، وابن زيد: {عَذَابًا صَعَدًا} أي مشقة لا راحة معها، وعن ابن عباس: جبل في جهنم، وعن سعيد بن جبير: بئر فيها)(2).
لا إله إلا الله! مَنْ منا يقوى على هذا العذاب؟ فهل من توبة إلى الله؟.
10 -
يقيض الله له قريناً من الشيطان.
قال تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} (36) سورة الزخرف
(يقول تعالى: {وَمَن يَعْشُ} أي: يتعامى، ويتغافل، ويعرض {عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ} والعشا في العين: ضعف بصرها، والمراد هنا: عشا البصيرة {نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}
قال تعالى: {وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاء قِرِينًا} (38) سورة النساء. أي هذا الذي تغافل عن الهدى نقيض له من الشياطين من يضله ويهديه إلى صراط الجحيم،
(1) تفسير ابن كثير (3/ 174) طبعة المكتبة القيمة.
(2)
تفسير ابن كثير (4/ 431).
فإذا وافى الله عز وجل يوم القيامة يتبرأ من الشيطان الذي وُكِّلَ به: {قَالَ يَا لَيْتَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ} (38) سورة الزخرف) (1).
11 -
الحسرة والندامة يوم القيامة.
قال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا} (27 - 29) سورة الفرقان.
12 -
وقوعه تحت شكوى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال تعالى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} (30) سورة الفرقان
قال الإمام الشنقيطي رحمه الله: (وهذه شكوى عظيمة، وفيها أعظم تخويف لمن هجر هذا القرآن العظيم، فلم يعمل بما فيه من الحلال والحرام والآداب والمكارم، ولم يعتقد ما فيه من العقائد، ويعتبر بما فيه من الزواجر والقصص والأمثال)(2).
فكيف يكون حال من هجر القرآن مع الرسول صلى الله عليه وسلم يوم القيامة؟ وإذا به يتجه مع المسلمين - وكله شوق وحنين - لرؤية النبي الأمين صلى الله عليه وسلم ليشرب من يده شربة هنيئة، لا يظمأ بعدها أبداً، فإذا به يفاجأ بالملائكة تطرده عن الحوض، وتبعده عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم:«أمتي أمتي» فتقول الملائكة: إنك لا تدري ماذا أحدثوا من بعدك، فيدعو عليهم رسول الله بالهلاك والدمار فيقول:«سُحْقاً سُحْقاً» .
(1) المرجع السابق (4/ 128) بتصرف.
(2)
أضواء البيان (6/ 48) طبعة دار الفكر.
13 -
حرمان شفاعة القرآن يوم القيامة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه» (1).
وقال أيضاً: «القرآن حجة لك أو عليك» (2).
بالله عليك كيف يشفع القرآن في رجل هجره، وأعرض عنه، وأقبل على غيره من كلام البشر يقرأه، أو يسمعه؟ فإن المحروم حقيقةً من حرم شفاعة القرآن يوم القيامة.
14 -
يختم لمن هجر القرآن بسوء الخاتمة.
إن نصيب الإنسان من الدنيا عمره، فإن أحسن الاستفادة منه فيما ينفعه في دار القرار فقد ربحت تجارته، وإن استغله في المعاصي والسيئات حتى لقي الله على تلك الخاتمة السيئة فهو من الخاسرين، والعاقل من حاسب نفسه قبل أن يحاسبه الله، وخاف من ذنوبه قبل أن تكون سبباً في هلاكه.
والإنسان يعيش على ما نشأ عليه، ويموت على ما عاش عليه، ويحشر على ما مات عليه، والأعمال بالخواتيم، والسعيد من وفقه الله إلى عمل صالح ثم يقبضه عليه، والشقي من حرم ذلك، ومنهم من هجر القرآن، ونسوق قصة واحدة على ذلك:
قال الشيخ محمد حسان - حفظه الله -: (وهذه قصة رجل ينقلها إليَّ أحد إخواننا في المنصورة فيقول: لقد كان جاري لا يصلي، ومدمناً للغناء، وذكرته مراراً فلم يتذكر، فلما نام على فراش الموت صعدت إليه، ولا زال الغناء يسمع في
(1) رواه مسلم عن أبي أمامة رضي الله عنه.
(2)
رواه مسلم والترمذي وابن ماجة والنسائي عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه. انظر صحيح الترغيب رقم (184).
البيت، فقلت لأهله: اتقوا الله أبوكم يحتضر والغناء لا ينقطع ! ضعوا شريطاً للقرآن. يقول: فلما أخرجت شريط الغناء من الكاسيت، ووضعت شريطاً للقرآن، كشف الرجل الغطاء عن وجهه ونظر إليَّ، وقال: دع الغناء، فإنه ينعش قلبي . ومات عليها.
ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) (1).
وبعد هل تريد - أخي الحبيب - أن تكون مع هؤلاء؟ وتكون منهم في يوم من الأيام؟ تتصف بأوصاف من هجر القرآن؟ وتحشر معهم يوم القيامة؟
هل تريد أن تكون في الدنيا:
ظالماً، ضالاً، مجرماً، كالحمار، قريناً للشيطان، تعيش معيشة ضنكاً، ثم الخاتمة السيئة؟ نعوذ بالله من الخذلان.
أم تريد أن تكون في الآخرة:
ممن يعذب في القبر، ويحشر أعمى يوم القيامة، ويكون من أهل الحسرة والندامة والحزن والأسف، وممن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم عليه، ويشكو منه، أو ممن يحرم من شفاعة القرآن، ثم العذاب الصعد الصعب الشاق في جبل في جهنم أو في بئر منها. نسأل الله السلامة والعافية.
هل من توبة؟ يغفر الله بها الذنوب، ويستر بها العيوب، ويصلح بها فساد القلوب، ويبدل بها السيئات حسنات.
قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (53) سورة الزمر
(1) الثبات حتى الموت ص (51) للشيخ الفاضل محمد حسان - حفظه الله - دار ابن رجب.