الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}، وقد قال تعالى:{وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاء وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (74) سورة البقرة) (1).
تدبر القرآن من صفات المؤمنين:
قال الإمام ابن كثير رحمه الله:
(وقوله تعالى: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ} أي: هذه صفة الأبرار، عند سماع كلام الجبار، المهيمن العزيز الغفار، لما يفهمون منه من الوعد والوعيد، والتخويف والتهديد، تقشعر منه جلودهم من الخشية والخوف {ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ الله} لما يرجون ويؤملون من رحمته ولطفه، فهم مخالفون لغيرهم من الفجار من وجوه:
أحدها: أن سماع هؤلاء هو تلاوة الآيات، وسماع أولئك نغمات الأبيات من أصوات القينات.
الثاني: أنهم إذا تُلِيَتْ عليهم آيات الرحمن خروا سجداً وبكياً بأدب وخشية ورجاء ومحبة وفهم وعلم، كما قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَّهُمْ دَرَجَاتٌ
(1) تفسير ابن كثير (4/ 342 - 343) بتصرف.
عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} (2 - 4) سورة الأنفال، وقال تعالى {وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا} (73) سورة الفرقان. أي: لم يكونوا عند سماعها متشاغلين، لاهين عنها، بل مصغين إليها، فاهمين بصيرين بمعانيها؛ فلهذا إنما يعملون بها، ويسجدون عندها عن بصيرة، لا عن جهل ومتابعة لغيرهم.
الثالث: أنهم يلزمون الأدب عند سماعها، كما كان الصحابة رضي الله عنهم عند سماعهم كلام الله - تعالى - من تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تقشعر جلودهم، ثم تلين مع قلوبهم إلى ذكر الله، ولم يكونوا يتصارخون، ولا يتكلفون بما ليس فيهم، بل عندهم من الثبات والسكون والأدب والخشية مالا يلحقهم أحد في ذلك؛ ولهذا فازوا بالمدح من الرب الأعلى في الدنيا والآخرة 0 قال عبد الرزاق: حدثنا معمر قال: تلا قتادة رحمه الله: {تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} قال: هذا نعت أولياء الله، نعتهم الله عز وجل بأن تقشعر جلودهم، وتبكي أعينهم، وتطمئن قلوبهم إلى ذكر الله، ولم ينعتهم بذهاب عقولهم، والغشيان عليهم، إنما هذا في أهل البدع، وهذا من الشيطان.
قال السدي: ({ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ} أي: إلى وعد الله، وقوله: {ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء} أي: هذه صفة من هداه الله، ومن كان على خلاف ذلك فهو ممن أضله الله: {وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ})(1).
(1) تفسير ابن كثير (4/ 50 - 51).