الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَعُلِمَ من مجموع هذه الأحاديث أن المرض منزلة من الله عز وجل وخير أراده لعبده، قد ينال العبد به عند الله درجة، وقد ينال به شهادة، وقد يحصل له به الأمن والهداية، بل وقد يبلغه إلى الجنة
…
فيا عبد الله!، يا مَنْ ابتلاك الله بألم أو مرض، اعلم أن مولاك إنما ابتلاك ليكفر سيئاتك، ابتلاك ليختبر صبرك، ليضاعف أجرك .. ، ابتلاك ليرفع درجتك .. فهلَاّ صبرت واحتسبت؟ فقد جاء في الحديث " وإن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح أحدكم بالرخاء "(1).
رابعاً: الأمر بالتداوي:
عن جابر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل "(2).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء "(3).
عن أسامة بن شريك، قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم، وجاءت الأعراب، فقالوا: يارسول الله! أنتداوى؟. قال: " نعم يا عباد الله تداووا، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا وضع له شفاء غير داء واحد "، قالوا: وما هو؟ قال: " الهَرَمُ "(4)
(1)(صحيح) أخرجه ابن ماجه، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (144)، صحيح ابن ماجه (3250).
(2)
أخرجه مسلم (2204) في السلام: باب لكل داء دواء واستحباب التداوي.
(3)
أخرجه البخاري (5678)، وابن ماجه (3439).
(4)
(إسناده صحيح) أخرجه أحمد (4/ 278)، وابن ماجه (3436)، وأبوداود (3855)، والترمذي (1395) وصححه الأرناؤط في زاد المعاد (4/ 13)، وصححه الألباني في غاية المرام (179).
قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، علمه مَنْ علمه، وجهله مَنْ جهله"(1).
ويستفاد من الأحاديث ما يلي: (2)
1 -
إثبات الأسباب والمسببات، وإبطال مَنْ أنكرها، وأن ذلك لا ينافي التوكل على الله لمن اعتقد أنها بإذن الله وتقديره، وأنها لا تنجح بذواتها بل بما قدره الله فيها.
2 -
قوله " لكل داء دواء " على عمومه حتى يتناول الأدوية القاتلة، والتي اعترف حذاق الأطباء بأنه لا دواء لها، وأقروا بالعجز عن مداواتها
…
، وكما فيها أيضاً تقوية لنفس المريض والطبيب، وحث على طلب الدواء والتفتيش عنه، وفي ذلك فتح لباب الرجاء.
3 -
الأمر بالتداوي لا ينافي التوكل، كما لا ينافيه دفع داء الجوع، والعطش، والحر، والبرد بأضدادها. بل لا تتم حقيقة التوحيد إلا بمباشرة الأسباب التي نصبها الله مقتضيات لمسبباتها قدراً وشرعاً، وأن تعطيلها يقدح في نفس التوكل، كما يقدح في الأمر والحكمة، ويضعفه من حيث يظن معطِّلُها أن تركها أقوى في التوكل، فإن تركها عجزاً ينافي التوكل الذي حقيقته اعتمادُ القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه، ودفع ما يضره في دينه ودنياه، ولابد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب، وإلا كان معطلاً للحكمة والشرع، فلا يجعل العبد عجزه توكلاً، وتوكله عجزاً.
(1)(حديث صحيح) أخرجه أحمد (278)، وابن ماجه (3438)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (451).
(2)
انظر زاد المعاد (4/ 14 - 17)، فتح الباري (10/ 141 - 142).
أنواع الطب:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
والطب نوعان:
1 -
طب القلوب ومعالجته: وهذه خاصة ومسلمة بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه سبحانه وتعالى.
2 -
طب الجسد.
أ - منه ما جاء في المنقول عن الرسول صلى الله عليه وسلم مثل الرقية والدعاء.
ب - ومنه ما جاء عن غيره صلى الله عليه وسلم، وغالبه راجع إلى التجربة.
ثم هو نوعان:
1 -
نوع لا يحتاج إلى فكر ونظر بل فطر الله على معرفته الحيوانات، مثل ما يدفع الجوع والعطش.
2 -
نوع يحتاج إلى فكر ونظر كدفع ما يحدث في البدن مما يخرج عن الاعتدال، وهو إما حرارة أو برودة. وغالب معرفته بتحقيق الأسباب والعلامة) (1).
حكم التداوي:
اختلف العلماء في التداوي: هل مباح وتركه أفضل، أم مستحب أم واجب؟
فالمشهور عن أحمد: الأول، والمشهور عند الشافعية: الثاني، حتى ذكر النووي في شرح مسلم: أنه مذهبهم، ومذهب جمهور السلف وعامة الخلف، واختاره الوزير أبوالمظفر، قال:(ومذهب أبي حنيفة: أنه مؤكد حتى يداني به الوجوب). قال: ومذهب مالك: أنه يستوي فعله وتركه، فإنه قال لا بأس بالتداوي ولا بأس بتركه. (2)
(1) فتح الباري (10/ 140) بتصرف يسير.
(2)
صحيح مسلم بشرح النووي (3/ 90، 91) بنحوه.