الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} المرجعُ بعدَ الموتِ، وهي عبارةٌ عامةٌ شاملةٌ لمآلِ العبدِ في كلِّ أمرٍ وكلِّ نازلةٍ.
{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ
(286)}
.
[286]
{لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} أي: طاقَتَها، والوُسْعُ: خِلافُ الضِّيقِ، وهو ما يسعُ الشيءَ ولا يضيقُ عليه، قال ابنُ عباسٍ:"هُمُ المؤمنونَ خاصَّةً، وَسَّعَ عليهم أَمْرَ دينهم، ولم يُكَلِّفْهم إلا ما يستطيعون"(1)، والتكليفُ: إلزامُ الكُلْفَةِ على المخاطَب، فلا يكلَّفُ معدومٌ حالَ عدمهِ بالاتفاق، ونَكَّرَ نَفْسًا؛ لأنه أوفى بالشيوع، وأولى بالشُّمول. قرأ أبو عمرٍو:(المَصِير لَّا يُكَلِّفُ) بإدغام الراء في اللام.
{لَهَا} أي: للنفسِ.
{مَا كَسَبَتْ} من أعمالِ البرِّ.
{وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} من اقترافِ ما يُوقِعُها في الحرجِ، وكان بنو
= السبع إذا لم تكن على قواعد العربية، ومن قواعدهم أن الراء لا تدغم إلا في الراء، لما فيها من التكرار الفائت بالإدغام في اللام. ثم قال الألوسي: وقد يجاب بأن القراءات السبع متواترة، والنقل بالمتواتر إثبات علمي، وقول النحاة نفي ظني. وقد أجاب أبو حيان بأن قول الزمخشري الذي ذكره ليس مجمعًا عليه عند النحاة. والله أعلم.
(1)
انظر: "تفسير البغوي"(1/ 316).
إسرائيل إذا نَسُوا شيئًا مما أُمروا به، أو أخطؤوا، عُجِّلَتْ لهم العقوبةُ، فأُمر المسلمون بالدُّعاءِ برفعِ ذلكَ عنهم بقولهم:
{رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا} تعاقِبْنا.
{إِنْ نَسِينَا} غَفَلْنا.
{أَوْ أَخْطَأْنَا} جَهِلْنا.
{رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا} ثِقلًا، وأصلُ الإِصْرِ: العَقْدُ والإحكامُ.
{كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} يعني: اليهودَ، فلم يقوموا به، فعذبتَهُمْ.
{رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا} تُكَلِّفْنا.
{مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} من الأعمالِ الشاقَّة، وهو كلُّ ما نضعُفُ عن حملِهِ.
{وَاعْفُ عَنَّا} بمحوِ ذنوبِنا، فلا يبقى لها أثرٌ.
{وَاغْفِرْ لَنَا} تفضَحْنا. قرأ أبو عمرٍو: (وَاغْفِر لَّنَا) بإدغام الراء في اللام (1).
{وَارْحَمْنَا} بإيصالِ فضلِك، واتِّصالِ كرمك، وعن ابنِ عباسٍ:"أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لما دَعا بهذِهِ الدَّعَواتِ قِيلَ لَهُ عِنْدَ كُلِّ كَلِمَةٍ مِنْهَا: قَدْ فَعَلْتُ"(2).
{أَنْتَ مَوْلَانَا} سيدُنا وولِيُّنا.
(1) انظر: "الغيث" للصفاقسي (ص: 174)، و "إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: 168)، و"معجم القراءات القرآنية"(1/ 233).
(2)
رواه مسلم (126)، كتاب: الإيمان، باب: بيان أنه سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يطاق.
{فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} فما النصرُ إلَّا من عندِكَ؛ لأنك سيدٌ، والسيدُ ينصرُ عبيدَه، وصرَّحَ بوصفهم بالكفر؛ لأنه الحاملُ على المبايَنَةِ، والداعي إلى المقاتَلَة، ولا يخفى ما في طلبِ ذلكَ من إرشادِ المؤمنِ إلى تركِ الكافرِ وموادَّتِه والإبعادِ عن مصادقِتِه، وفي الآية إشعارٌ بأن المعاداةَ في الدين مطلوبةٌ، وأن الهجرانَ في الله ليسَ من التقاطُع المذمومِ، بل وردَ في الحديث: عَدُّ البُغْضِ في اللهِ من الإيمانِ.
قال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ اللهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِألفَيْ عَامٍ، فَأَنْزَلَ مِنْهُ آيَتَيْنِ خَتَمَ بِهِمَا سُورَةَ البَقَرَةِ، فَلا تُقْرَأَانِ في دارٍ ثَلَاثَ لَيَالٍ فَيَقْرَبَهَا شَيْطَانٌ"(1).
وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَرَأَ الآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ في لَيْلَةٍ، كَفَتَاهُ"(2).
وكانَ مُعاذٌ إذا ختمَ البقرةَ يقولُ: آمين (3)، قالَ ابنُ عطيةَ: هذا يُظَنُّ به أنه رواهُ عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وإنْ كانَ ذلكَ، فكمالٌ، وإن كانَ بقياسٍ على سورةِ الحمدِ من حيثُ هناكَ دعاءً، وهنا دعاء، فَحَسَنٌ، والله أعلم (4).
(1) رواه الترمذي (2882)، كتاب: فضائل القرآن، باب: ما جاء في آخر سورة البقرة، وقال: حسن غريب، والنسائي في "السنن الكبرى"(10803)، وغيرهما عن النعمان بن بشير رضي الله عنه.
(2)
رواه البخاري (4722)، كتاب: فضائل القرآن، باب: فضل سورة البقرة، ومسلم (807)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: فضل الفاتحة وخواتيم سورة البقرة، عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه.
(3)
رواه ابن أبي شيبة في "المصنف"(7976).
(4)
انظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية (1/ 395).