الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نفقات التأسيس في الصناديق
تعتبر مسألة كيفية تحميل وحسم مصاريف إنشاء وتأسيس الصناديق الاستثمارية من أهم المواضيع المطروحة لدى الجهات التي تتولى عمليات الإصدار ، ذلك أن تأسيس أي صندوق يحتاج إلى تخطيط وتنظيم وهيكلة تمهيدا لطرح وحداته ، وتقوم الجهة المصدرة بكل تلك الأعمال التمهيدية قبل ظهور الصندوق بشكله النهائي وبالتالي قبل التعاقد مع المشاركين الذين يقبلون المساهمة في الصندوق وقبل حصولها على صفة المدير أو المضارب للصندوق.
وكل تلك الأعمال تعتبر من التحضيرات اللازمة التي تظهر آثارها الإيجابية في إنشاء الصندوق وعمله وتؤثر في نفعها العائد على جميع الأطراف ، لأنها تمكن في النهاية من تحديد كيفية التعاقد وإطاره ومكانه وزمانه وموضوع النشاط وتنظيم العلاقات المختلفة بين الأطراف وبينها وبين الغير.
ولما كانت أعمال التأسيس هذه تتطلب مصاريف وأموالا هامة ، كان من الضروري بيان من يتحملها ، هل هي الجهة المصدرة للصندوق؟ أم المشاركون في الصندوق عند طرحه؟ أم يتحملها الطرفان بانتقاص قيمتها من الوعاء الكلي للصندوق؟
وقد درجت بعض الصناديق الاستثمارية على النص على الجهة التي تتحمل مصاريف التأسيس
وتذكر بعض اللوائح التنظيمية للصناديق تفصيل ما تشمله مصروفات التأسيس ومنها:
أ - جميع الرسوم والأتعاب المدفوعة للجهات الحكومية.
ب - جميع الرسوم والنفقات المدفوعة للغير بما فيهم المحامون والمحاسبون والمستشارون الماليون والاقتصاديون والتجاريون.
ج - جميع النفقات النثرية المتعلقة بالسفر والسكن والمصروفات الأخرى المتعلقة بموظفي المضارب وجزء من رواتبهم ونفقاتهم الأخرى.
د - جميع الإمدادات وإهلاك الأجهزة والمرافق المخصصة للنشاطات سالفة الذكر.
هـ - التكاليف والمصروفات الأخرى التي دفعها المضارب فعليا وقرر أنه يجب تخصيصها بصورة عادلة للنشاطات سالفة الذكر.
بحث هذا الموضوع الفقهاء المعاصرون وبعض هيئات الفتوى والرقابة الشرعية للبنوك والمؤسسات الإسلامية ، والاتجاه العام هو أن يتحمل المضارب (الجهة المصدرة للصندوق) مصاريف التأسيس إذا لم يتم النص على غير ذلك في نشرة الاكتتاب أو لائحة الصندوق.
ويعتمد هذا الرأي على قول الحنابلة بجواز تحميل نفقة المضارب على مال المضاربة عند اشتراط ذلك في العقد لحديث المسلمون على شروطهم أما في حالة عدم النص فإن مصاريف المضارب يجب أن تحسب عندهم من ماله الخاص.
وفي حالة النص على تحمل أرباب المال مصاريف التأسيس ، تبرز بعض الإشكالات التي تتطلب الحل الشرعي:
- هل تحمل تلك المصاريف على المشاركين فقط فيدفعون قيمتها عند الاكتتاب ، ولا تتحمل جهة الإصدار شيئا من ذلك؟ أم إنها تحسم من الأرباح التي تتحقق بعدئذ قبل التوزيع فيتحمل أثرها كل من جهة الإصدار وأرباب المال؟
- وهل يجب أن تقابل مصاريف التأسيس مصروفات فعلية محددة بمبلغ معين تم تحملها من قبل جهة الإصدار؟ أم هل يكفي تقديرها بشكل تقريبي خصوصا إذا ما تداخلت أعمال الجهة المصدرة وتعذر التفصيل الدقيق لتكاليف إنشاء صناديق متعددة وأعمال مختلفة؟
ويبدو أن هناك منهجين مقبولين من الناحية الشرعية:
المنهج الأول: توزيع عبء مصاريف التأسيس على الطرفين
يرى هذا المنهج توزيع عبء مصاريف التأسيس على الطرفين (الجهة المصدرة وأرباب المال) لأن كل منهما مستفيد من الأعمال التحضيرية التأسيسية للصندوق ، فهذه المصاريف تحسم من صافي الأرباح التي تتحقق وذلك قبل التوزيع لها بالنسب المقررة.
وبهذه الطريقة يتحمل المضارب جزءا منها بحسب نسبته من الربح ، وكذلك أرباب الأموال بحسب نسبتهم ، لأن حسمها من الأرباح يعود بالنقص على الطرفين بنسبة ربح كل منهما.
ويرى أصحاب هذا التوجه ربط مصاريف التأسيس بالمصاريف الفعلية ، بمعنى تحديدها بما تم صرفه فعلا سواء كان لتغطية جهود الغير أو جهود المضارب نفسه بأن تقوم بأجر المثل.
وهذه الطريقة أعدل لربطها من ناحية بالمصاريف الفعلية ، ولتوزيع عبئها على الطرفين بحسب نصيبهما في الربح من ناحية ثانية. وعلى هذا جاءت إحدى فتاوى الحلقة الفقهية الأولى لمجموعة دله البركة إذ نصت على أنه:" يجوز أن تحمل مصروفات إنشاء وتسويق الصناديق والأوعية الاستثمارية على مال المضاربة إذا تضمنتها نشرة الإصدار وكانت مصاريف فعلية محددة بمبلغ معين أو بحد أقصى يذكر في النشرة ، فإذا لم تتضمنها نشرة الإصدار كانت هذه المصروفات على المضارب ".
كما ذهب إلى هذا التوجه هيئة الفتوى والرقابة الشرعية لشركتي التوفيق والأمين عند دراستها لمسألة دراسة مسألة تثبيت مصاريف تأسيس الصناديق بنسبة مئوية مقطوعة من رأس المال على أن تكون هذه النسبة متضمنة في نشرة الصندوق واللائحة العامة.
وقد أجابت الهيئة بما يلي: " لا مانع من تثبيت مصاريف تأسيس وإنشاء الصناديق على أساس نسبة مئوية مقطوعة من رأس مال الصندوق مع إعلام المساهمين بها في النشرة واللائحة شريطة إعادة النظر في تلك النسبة عند انتهاء مرحلة التأسيس باقتطاع المصاريف الفعلية ورد الفرق إلى حساب الاحتياطي أو الربح القابل للتوزيع ".
المنهج الثاني: تحميل مصاريف التأسيس على المشاركين
يرى تحميل مصاريف التأسيس على أرباب المال المشاركين في الصندوق ، حيث ينظر إلى هذه المصاريف على أنها خدمات سابقة على المضاربة قام بها المضارب وطلب لقاءها مقابلا حسب تقديره كثمن أو أجر لتلك الخدمات ، وعرض على أرباب الأموال الاستفادة منها بتحمل نصيب من هذا المقابل.
فإن قبلوا دخلوا في المشاركة ، وإلا أحجموا عن الدخول أو طالبوا بإنقاصها إلى القدر الذي يرتضونه ويقبله المضارب.
وقد اقترح المستشار الشرعي لمجموعة البركة هذا المنهج كأسلوب ثان ممكن التعامل به مع ما سبق ، وهو يعتبر أن هذا المنهج من قبيل المساومة لأن المصاريف تحدد هنا من خلال ما يقده المضارب من أجر للخدمات التي قدمها وليست مرتبطة بالمصاريف الفعلية ، كما أن عبئها يكون على أرباب المال فقط.
وقد ذكر صاحب هذا القول بأن هذا يشبه ما يقوم به أحد الشركاء أو الجيران من عمل في المال المشترك ويمكنهم من أن يستفيدوا منه بدفع ما يحدده من ثمن لتلك المنفعة.
وكأنه من عمل الفضولي الذي يسري على من قصدهم به بإجازتهم له ، (والإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة) .
الحلقة العلمية الأولى للبركة الفتوى الأولى
تحميل مصروفات إنشاء وتسويق الصناديق الاستثمارية
يجوز أن تحمل مصروفات إنشاء وتسويق الصناديق والأوعية الاستثمارية على مال المضاربة إذا تضمنتها نشرة الإصدار وكانت مصاريف فعلية محددة بمبلغ معين أو بحد أقصى يذكر في النشرة ، فإذا لم تتضمنها نشرة الإصدار كانت هذه المصروفات على المضارب.
المستشار الشرعي لمجموعة البركة الجزء 1 الفتوى رقم (38)
تحميل مصاريف التأسيس في المضاربة
الذي أراه من الناحية الشرعية في شأن مصاريف التأسيس أنها عبارة عن مقابل لأعمال ومهام بذلت لإنشاء المحفظة أي استلزمها (عقد المشاركة بين الطرفين) وهذا العقد يعود نفعه على كل من المضارب وأرباب الأموال ، والمضارب أن قام بهذه الأعمال بجهود غيره فإنه يمكنه بسهولة تحديد ما صرفه فعلا ، وإن قام بها بنفسه وبأعوانه فقط أو بذلك وبجهود غيره ، فإنه يمكنه تقويم ما قام به بنفسه وبأعوانه باحتساب أجر المثل حسب تقدير الخبرة. . .
وبما أن هذه التحضيرات يستفيد منها المضارب وأرباب الأموال فإنه يتحملها الطرفان.
لا يقال (أن على المضارب أن يعد نفسه ليكون مؤهلا لعمل المضاربة) لأن هذا الإعداد قائم به من خلال خبراته المتراكمة التي لأجلها أقدم أرباب الأموال على التعامل معه وتسليم الأموال إليه وهذا هو الإعداد العام. أما ما يتوصل إليه من خلال التحضيرات والدراسات ونحوها فهو الإعداد الخاص لمزاولة المضاربة على النحو الأمثل ، فبذلك تتحدد كيفية التعاقد وإطاره ومكانه وزمانه ، وموضوع النشاط وتنظيم العلاقات المختلفة بين الأطراف ، وبينها وبين الغير ، وهذه كلها تظهر آثارها الإيجابية في إنشاء المضاربة وعملها وتؤثر في نفعها العائد على جميع الأطراف.
المستشار الشرعي لمجموعة البركة الجزء 1 الفتوى رقم (38)
كيفية حسم مصاريف التأسيس
وهناك منهجان مقبولان مبدئيا في تحميل تلك المصاريف وتحديدها:
(أحدهما) أن تحدد من الواقع الفعلي ، سواء كانت كلها بجهود الغير أو شارك فيها المضارب وتقوم بأجر المثل ، فهذه المصاريف (الفعلية) تحسم من صافي الأرباح التي تتحقق وذلك قبل التوزيع لها بالنسب المقررة وبهذه الطريقة يتحمل المضارب جزءا منها بحسب نسبته من الربح ، وكذلك أرباب الأموال بحسب نسبتهم ، لأن حسمها من الأرباح يعود بالنقص على الطرفين بنسبة ربح كل منهما.
وهذه الطريقة أعدل من جهتين:
(1)
ربطها بالمصاريف الفعلية.
(2)
توزيع عبئها على الطرفين بحسب نصيبهما في الربح.
ويلحظ في هذا المنهج أن المصاريف مراعى فيها المآل لصالح المضاربة ولأجلها ، فكأنها من مصاريف المعتادة لمزاولة أنشطتها وهذا من قبيل استصحاب الحال. وينسجم هذا مع قاعدة نفقات ومصاريف المضاربة خلال قيامها.
(والمنهج الآخر) لا يلحظ فيه أنها كجزء من مصاريف المضاربة بل ينظر إليها على أنها خدمات سابقة على المضاربة قام بها المضارب وطلب لقاءها مقابلا حسب تقديره كثمن لتلك الخدمات ، وعرض على أرباب الأموال الاستفادة منها بتحمل نصيب من هذا المقابل.
فإن قبلوا دخلوا في المشاركة ، وإلا أحجموا عن الدخول أو طالبوا بإنقاصها إلى القدر الذي يرتضونه ويقبله المضارب.
ويشبه هذا ما يقوم به أحد الشركاء أو الجيران من عمل في المال المشترك ويمكنهم من أن يستفيدوا منه بدفع ما يحدده من ثمن لتلك المنفعة.
وكأنه من عمل الفضولي الذي يسري على من قصدهم به بإجازتهم له. (والإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة) وهذا بالنسبة للمؤسسين.
أما المنضمون للمضاربة فيما بعد فإنهم لا يدفعون شيئا ، فإن دفعهم للقيمة الاسمية للشهادة معناه تحمل نصيب مما حققته أعمال التأسيس من زيادة تلك القيمة.
والمنهج الأول من قبيل التولية (والتشريك فيها بالنسبة) ، أما المنهج الثاني فهو من قبيل المساومة ، والأول أعدل وأدعى للقبول.