الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حدث عن قتيبة، وإسحاق، ويحيى بن معين وغيرهم، وروى عنه حفيده إسحاق بن سعد بن الحسن، وابن خزيمة وغيرهما.
تفقه على أبي ثور، وكان يفتي بمذهبه، وكان شيخ خراسان ومحدثها، مقدما في حفظه وفقهه وأدبه وثقته وتثبته، قلبت عليه أحاديث، وعرضت عليه فردها كما كانت.
توفي سنة ثلاث وثلاث مائة، مذكور في الأصل.
1420 - [علي بن الفضل القرمطي]
(1)
علي بن الفضل القرمطي الجدني.
قال ابن سمرة: نسبة إلى ذي جدن بفتح الجيم والدال المهملة وبالنون، واسم ذي جدن: علقمة بن زيد بن الحارث بن زيد بن الغوث بن الأشرف بن سعد بن شرحبيل بن الحارث بن مالك بن زيد بن سدد بن زرعة بن سبأ الأصغر، وقال غيره: هو خنفري النسب، من ولد خنفر بن سبأ بن صيفي بن زرعة بن سبأ الأصغر.
قال العلماء: كان علي بن الفضل شيعيا اثني عشريا، وكان ساقطا في أول عمره لا شهرة له، غير أنه كان لبيبا أديبا ذكيا شجاعا فصيحا، فحج وخرج مع ركب العراق؛ لزيارة مشهد الحسين بن علي رضي الله عنهما، فبكى عند القبر بكاء شديدا، وأظهر من الكآبة والتأسف عليه ما أطمع ميمون القداح في اصطياده، وكان ميمون القداح وولده عبيد الله-جد العبيديين ملوك مصر-ملازمين لخدمة الضريح.
وكان ميمون القداح منجما، له معرفة في علم الفلك، وقد شهد له علمه أنه سيكون لابنه عبيد الله شأن عظيم يفضي به إلى الملك، وأن عقبه يتوارثون ملكه بعده دهرا طويلا، وبعد عليه وجه اتصاله بالملك، وكان قد قدم عليه رجل يسمى منصور بن الحسن من ذرية عقيل بن أبي طالب وسيأتي ذكره.
فلما رأى في علي بن الفضل ما رأى، مع ما فيه من النجابة والشهامة .. جمع بينه وبين منصور بن الحسن، وباح لهما بما عنده من المذهب، وأخبرهما أن ابنه إمام الزمان، وأنه لا بد له من دعاة، ثم أخذ عليهما العهود والمواثيق، فأجاباه إلى ما يريد، وقال لهما:
(1)«طبقات فقهاء اليمن» (ص 75)، و «السلوك» (1/ 201)، و «طراز أعلام الزمن» (2/ 321)، و «تحفة الزمن» (1/ 142)، و «تاريخ ثغر عدن» (ص 156)، و «اللطائف السنية» (ص 47)، و «تاريخ حضرموت» للحامد (1/ 288).
اعلما أن الإيمان يمان، والحكمة يمانية، وكل أمر يكون مبدؤه من قبل اليمن فهو ثابت؛ لثبوت نجمه، وقد رأيت أن تخرجا إلى اليمن، وتدعوا أهله إلى ولدي عبيد الله؛ فإنه سيكون لكما به شأن وسلطان، ثم عاهد بينهما وأوصى كلاّ منهما بالآخر، فسارا إلى اليمن في البحر، ثم افترقا من غلافقة، فقصد منصور عدن لاعة، وقصد علي بن الفضل شرق يافع، وأقام كل واحد منهما في ناحية يظهر من الزهد والورع والتقشف والصلاح ما يفتتن به من رآه، حتى صار كل واحد منهما مسموع القول في ناحيته، ثم أمر كل واحد منهما أهل ناحيته بجمع زكاتهم، حتى اجتمع لكل واحد منهما مال عظيم.
وأقام علي بن الفضل متخليا بزعمه للعبادة في رأس جبل من حدود أبين أهله يافع، وكانوا رعاعا، فجعل يريهم أنه يصوم النهار، ويقوم الليل، وإذا أتوه بطعام .. لم يأكل منه، وإن أكل منه .. فشيء يسير، فأحبوه واعتقدوا فيه، وسألوه أن يكون مسكنه بينهم، فقال: لا، إلا أن تأمروا بالمعروف، وتنهوا عن المنكر، وتجتنبوا المعاصي، وتقبلوا على طاعة الله، فأجابوه إلى ذلك، وأخذ عليهم العهد والميثاق بالطاعة، وأمرهم ببناء حصن في ناحية بلادهم، وأنهبهم أموال أطراف البلاد، وأراهم أن ذلك جهاد للعاصين.
وكان أبين ولحج مالكها ابن أبي العلاء من الأصابح، فغزاه علي بن الفضل بمن معه من يافع، فهزمهم ابن أبي العلاء، وقتل طائفة من أصحاب علي بن الفضل، وانهزم ابن الفضل وبقية أصحابه إلى صهيب، ثم قال لأصحابه: اعلموا أن القوم قد أمنوا منا، وأرى أن نهجم عليهم؛ فإنا نظفر بهم، فوافقوه على ذلك، فلم يشعر ابن أبي العلاء إلا وهم معه بخنفر على حين غفلة، فقتل ابن أبي العلاء وطائفة من عسكره، واستباح ما كان لهم، فوجد في خزانة ابن أبي العلاء سبع مائة ألف درهم.
وعاد إلى بلد يافع، فعظم شأنه، وشاع ذكره، ثم قصد المذيخرة وبها يومئذ جعفر بن إبراهيم المناخي وهو الذي ينتسب إليه مخلاف جعفر، فجمع له المناخي جموعه، والتقوا بنقيل البردان في رمضان سنة إحدى وتسعين ومائتين، فانهزم علي بن الفضل، وعاد إلى بلاد يافع، ثم قصد المذيخرة مرة أخرى في صفر من سنة اثنتين وتسعين ومائتين، فانهزم جعفر المناخي إلى تهامة، فأمده صاحبها إسحاق بن إبراهيم بن محمد بن زياد بجيش كثيف، فالتقى هو وعلي بن الفضل بوادي نخلة، فقتل جعفر بن إبراهيم وأصحابه آخر يوم من رجب كما تقدم، فاستولى علي بن الفضل على بلاد المناخي، وجعل المذيخرة مستقر ملكه، وقويت شوكة القرامطة.
ثم قصد صنعاء، فهرب منه أسعد بن أبي يعفر، ودخل علي بن الفضل صنعاء، وأظهر مذهبه القبيح، وادعى النبوة، واستحلال الخمر ونكاح المحارم، وكان يؤذن المؤذن في محلته: أشهد أن علي بن الفضل رسول الله، وأنشد أبياته المشهورة على منبر جامع صنعاء- وقيل: جامع الجند-: [من المتقارب]
خذي الدف يا هذه والعبي
…
وغني هذاذيك ثم اطربي (1)
تولى نبي بني هاشم
…
وهذا نبي بني يعرب
لكل نبي مضى شرعة
…
وهاتا شريعة هذا النبي
فقد حط عنا فروض الصلاة
…
وفرض الصيام فلم نتعب
إذا الناس صلوا فلا تنهضي
…
وإن صوّموا فكلي واشربي
ولا تطلبي السعي عند الصفا
…
ولا زورة القبر في يثرب
ولا تمنعي نفسك المعرسين
…
من الأقربين أو الأجنبي
بماذا حللت لهذا الغريب
…
وصرت محرمة للأب
أليس الغراس لمن ربّه
…
وأسقاه في الزمن المجدب
وما الخمر إلا كماء السما
…
يحل فقدّست من مذهب
بل قبحت من مذهب، وهي أكثر من ذلك حلّل فيها سائر المحرمات.
ثم سار من صنعاء إلى حراز وملحان، ثم نزل المهجم فقتل صاحبها، ثم أخذ الكدراء، ثم سار إلى زبيد، فهرب صاحبها إسحاق الزيادي، مقدم الذكر، فهجم على من فيها واستباحهم، وسبى من زبيد أربعة آلاف عذراء، ثم خرج يريد المذيخرة، فلما بلغ الملاحيط .. أمر أصحابه بقتل من معهم من النساء؛ زعم أنهن شغلنهم عن الجهاد، فقتلوهن أجمع، وكن أربعة آلاف عذراء، وأمر بقطع الحج كما قيل.
ثم إن أهل صنعاء استعانوا بالهادي يحيى بن الحسين-المقدم الذكر في آخر المائة قبل هذه (2) -فسار إليهم من صعدة، ووجه ابنه أبا القاسم المرتضى إلى ذمار ومخاليفها، فجمع
(1) هذاذيك: من الهذّ وهو سرعة القطع والقراءة، تقول: ضربا هذاذيك؛ أي: ولاء وتباعا.
(2)
لم نجده مذكورا في المائة قبل هذه، وهو الإمام أبو الحسين يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، الملقب بالهادي إلى الحق. ولد بالمدينة سنة (254 هـ) وتوفي بصعدة سنة (298 هـ).انظر ترجمته في «الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية» (2/ 25).
القرامطة جموعهم، وقصدوا ذمار، فلحق المرتضى بأبيه الهادي، وذلك في سنة أربع وتسعين ومائتين، ثم قصد علي بن الفضل صنعاء في جيش عظيم، ودخلها لثلاث مضين من رمضان سنة ثمان وتسعين ومائتين، ورتب فيها من يحفظها، فلما رأى أنه قد استحكم له الأمر .. خلع طاعة عبيد الله المهدي، وكاتب صاحبه منصورا بذلك، فلامه منصور على ذلك وقال له: كيف تخلع طاعة من لم تنل خيرا إلا به، وببركة الدعاء إليه؟ وذكره العهود والمواثيق، فلم يلتفت ابن الفضل إلى ذلك، ثم كتب إلى منصور وقال: إن لي أسوة بأبي سعيد؛ إذ قد دعا إلى نفسه، وأنت إن لم تدخل في طاعتي .. نابذتك بالحرب.
وغلب على ظن منصور صحة ما يقوله، ثم تحصن بحصن جبل مسور من كل ناحية، وسار ابن الفضل لحرب منصور في عشرة آلاف رجل من المعدودين المعروفين بالشجاعة، فحصر منصورا في حصنه ثمانية أشهر، فلم يظفر منه على طائل، وسئم الوقوف، وشق عليه الرجوع بغير وجه، فراسله منصور بن حسن في معنى الصلح، فقال: لا، إلا أن يرسل إلي بعض ولده، يقف معي على الطاعة، ويظهر للناس أني تركته تفضلا لا عجزا، فأرسل إليه منصور بعض ولده، فطوقه علي بن الفضل طوقا من ذهب، وسار معه إلى صنعاء، فأقام بها أياما، ثم استناب فيها أسعد بن أبي يعفر، وسار إلى المذيخرة، فقدم إلى صنعاء رجل بغدادي يزعم أنه شريف، وكان جراحيا ماهرا في عمل الأدوية، بصيرا بفتح العروق ومداواة الجرحى، فصحبه أسعد بن أبي يعفر واختص به، ثم قال الطبيب: قد عزمت على أن أهب نفسي لله وللمسلمين، وأريحهم من هذا الطاغية، فقال له أسعد بن أبي يعفر: لئن فعلت ذلك وعدت ..
لأقاسمنك ملكي، وتعاهدا على ذلك.
ثم قصد الطبيب المذيخرة، فخالط وجوه الدولة بها وكبراءها، وسقاهم الأدوية النافعة، وقصده من احتاج إلى ذلك، فانتفع به ناس كثير، ورفع ذكره إلى علي بن الفضل، وأثني عليه بحضرته، وقيل له: إنه لا يصلح أن يكون إلا لمثلك، فاحتاج يوما إلى الفصاد، فحضر الطبيب بين يديه، وجرّد من ثيابه، وغسل المبضع وهو ينظر، وكان قد دهن أطراف شعر رأسه بسم قاتل، فلما دنا ليفصده وقعد بين يديه .. مص المبضع بفمه؛ تنزيها لنفسه، ثم مسحه بأطراف شعره كالمنشف له، فعلق به السم ما علق، وفصده الأكحل وربطه، وخرج من فوره هاربا من المذيخرة، متوجها نحو أسعد بن أبي يعفر، فلما كان بعد ساعة .. أحس علي بن الفضل بالموت، فطلب الحكيم الغريب فلم يجده،