الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأمر أن يسجر عنده الند والعنبر، فأفاق قليلا، فقال له الطبيب: أرني مجسك، فناوله يده اليسرى، فقال: أريد اليمين، فقال: ما تركت لي اليمين يمينا، وكان قد حلف وغدر.
توفي ليلة الأحد لخمس بقين من شهر رمضان سنة إحدى وثمانين وثلاث مائة وعمره أربعون سنة وستة أشهر وعشرة أيام، وتولى بعده ولده أبو الفضائل سعد، ولم يذكروا تاريخ وفاته (1)، وبموته انقرض ملك بني سيف الدولة.
1705 - [الكاتب الرومي]
(2)
القائد أبو الحسن جوهر بن عبد الله، المعروف بالكاتب الرومي.
كان من موالي المعز بن المنصور بن القائم بن المهدي صاحب إفريقية.
جهزه مولاه في جيش كثيف ليفتح ما استعصى من بلاد المغرب، فسار إلى فاس، ثم إلى سجلماسة، ثم توجه إلى البحر المحيط فاتحا للبلاد، وصاد من سمك البحر المحيط، وجعله في قلال، وأرسله إلى المعز، ثم رجع من جهة المغرب إلى إفريقية، ثم إلى أعمال مصر، ولم يبق بلد من هذه البلاد إلا أقيمت فيه دعوة وخطب له في جمعته وجماعته إلا مدينة سبتة؛ فإنها بقيت لبني أمية أصحاب الأندلس.
ولما توفي كافور الإخشيذي في سنة ست أو سبع وخمسين .. دعي لأحمد بن علي الإخشيذي على المنابر بمصر وأعمالها، والشام، والحرمين، فلما توفي .. دعي بعده للحسين بن عبد الله، واضطرب الجند؛ لقلة الأموال وعدم الإنفاق فيهم، وكان تدبير الأموال إلى الوزير أبي الفضل جعفر بن الفرات، فكتب جماعة من وجوه أهل مصر إلى المعز بإفريقية يطلبون إنفاذ العساكر؛ ليسلموا له مصر، فلما وصلته كتبهم .. بعث القائد جوهرا المذكور أولا إلى جهة المغرب؛ لإصلاح أموره، وجمع قبائل المغرب، وجبي القطائع التي كانت على البربر، وكانت خمس مائة ألف دينار، وخرج المعز بنفسه إلى المهدية، فأخرج من قصور آبائه خمس مائة حمل دنانير، وعاد إلى قصره، وعاد جوهر من المغرب بالرجال والأموال، فجهزه إلى الديار المصرية، وجهز معه ما يحتاج إليه من المال
(1) توفي هو أيضا في سنة (381 هـ)، انظر ترجمته في «الوافي بالوفيات» (15/ 182).
(2)
«وفيات الأعيان» (1/ 375)، و «سير أعلام النبلاء» (16/ 467)، و «تاريخ الإسلام» (27/ 30)، و «العبر» (3/ 18)، و «مرآة الجنان» (2/ 411)، و «البداية والنهاية» (11/ 375)، و «النجوم الزاهرة» (28/ 4، 54)، و «شذرات الذهب» (4/ 424).
والسلاح والرجال، وذلك في سنة ثمان وخمسين، فبرز جوهر بالعساكر ومعه أكثر من مائة ألف فارس، وأكثر من ألف ومائتي صندوق من المال، وخرج المعز لوداعه، ثم قال لأولاده: انزلوا لوداعه، فنزلوا عن خيولهم، فنزل جميع أهل الدولة لنزولهم، والمعز متكئ على فرسه، وجوهر واقف بين يديه، ثم قبل جوهر يد المعز وحافر فرسه، فقال له: اركب، فركب وسار بالعساكر، فلما رجع المعز إلى قصره .. أنفذ إلى جوهر ملبوسه وكل ما كان عليه سوى خاتمه وسراويله.
وكتب المعز إلى عبده أفلح صاحب برقة أن يترجل للقاء جوهر، ويقبل يده عند لقائه، فبذل أفلح مائة ألف دينار على أن يعفى من ذلك، فلم يعف، وفعل ما أمر به عند لقائه.
فلما وصل الخبر إلى مصر بوصول جوهر بالعساكر .. اضطرب أهلها، واتفقوا مع الوزير ابن الفرات على المراسلة في الصلح وطلب الأمان، وأرسلوا بذلك أبا جعفر مسلم بن عبيد الله الحسيني مع جماعة من أهل البلد، وكتب الوزير معهم كتابا بما يريد، فتوجهوا نحو القائد جوهر وكان قد نزل بقرية قرب الإسكندرية، فوصل إليه الشريف ومن معه، وأدوا إليه الرسالة، فأجابهم إلى ما التمسوه، وكتب لهم عهدا بما طلبوه، فاضطرب البلد اضطرابا شديدا، وأخذت الإخشيذية والكافورية وجميع العساكر لأهبة القتال، وساروا بالعساكر نحو الجيزة ونزلوا بها، وحفظوا الجسر، ووصل القائد جوهر، وابتدأ بالقتال، وأسرت رجال، وأخذت خيل، ومضى جوهر إلى منية الصيادين، وأخذ المخاضة بمنية شلقان، واستأمن إلى جوهر جماعة من العسكر في مراكب، وجعل أهل مصر على المخاضة من يحفظها، فلما رأى ذلك جوهر .. قال لجعفر بن فلاح: لهذا اليوم أرادك المعز، فعبر عريانا في سراويل ومعه الرجال خوضا حتى خرجوا إليهم، ووقع القتال، فقتل خلق من الإخشيذية وأتباعهم، وانهزموا في الليل، ودخلوا مصر وأخذوا من دورهم ما قدروا عليه، وخرجت حرمهم ماشيات، ودخلن على الشريف أبي جعفر في مكاتبة القائد بإعادة الأمان، فكتب إليه يهنئه بالفتح ويسأله إعادة الأمان، فعاد جوابه بأمانهم، ثم ورد رسوله إلى جعفر بأن يجتمع مع جماعة من الأشراف والعلماء ووجوه البلد، فاجتمعوا به في الجيزة، فنادى مناديه: ينزل الناس كلهم إلا الوزير والشريف، فنزلوا وسلموا عليه واحدا بعد واحد، فأخذ الوزير عن شماله والشريف عن يمينه، ولما فرغوا من السلام .. ابتدءوا بدخول البلد، فدخلها وقت الزوال وعليهم السلاح والعدد، ودخل جوهر بعد العصر وخيوله وجنوده بين يديه، وعليه ثوب ديباج، وتحته فرس أصفر، فنزل موضع القاهرة اليوم، فاختط موضع القاهرة.
فلما أصبح المصريون .. حضروا عند القائد للتهنئة، فوجدوه قد حفر أساس القصر في الليل، وكان فيه زورات جاءت غير معتدلة لم تعجبه، ثم قال: حفرت في ساعة سعيدة لا أغيرها، وأقام عسكره يدخل البلد سبعة أيام.
وبادر جوهر بالكتاب إلى مولاه المعز يبشره بالفتح، وأنفذ إليه رءوس القتلى في الوقعة، وقطع خطبة بني العباس عن سائر الديار المصرية، وكذلك اسمهم على السكة، وجعل ذلك كله باسم مولاه المعز، وأزال الشعار الأسود، ولبس الخطباء الثياب البيض، وفي يوم الجمعة أمر جوهر بزيادة بعد الخطبة:(اللهم؛ صل على محمد المصطفى، وعلى علي المرتضى، وعلى فاطمة البتول، وعلى الحسن والحسين سبطي الرسول، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، اللهم؛ صل على الأئمة الطاهرين، آباء أمير المؤمنين)، وفي الجمعة الأخرى أذن ب (حي على خير العمل)، ودعا الخطيب على المنبر للقائد جوهر، فأنكر جوهر ذلك عليه وقال: ليس هذا رسم موالينا.
وشرع في عمارة الجامع بالقاهرة، قال القاضي ابن خلكان:(وأظنه المعروف بجامع الأزهر؛ فإن الجامع الآخر بالقاهرة مشهور بجامع الحاكم)(1).
وأقام جوهر مستقلا بتدبير مملكة مصر قبل وصول مولاه المعز إليها أربع سنين وعشرين يوما، ولما وصل المعز إلى القاهرة .. خرج جوهر من القصر إلى لقائه، ولم يخرج معه شيء من آلته سوى ما كان عليه من الثياب، ثم لم يعد إليه، ونزل في داره بالقاهرة، وأقام جوهر بمصر نافذ الأمر، مستمرا على علو منزلته وارتفاع درجته، متوليا للأمور إلى سابع عشر المحرم في سنة أربع وستين، فعزله المعز عن قبض الأموال والتصرف فيها، وبقي وافر الحرمة، تام الحشمة إلى أن توفي سنة إحدى وثمانين وثلاث مائة.
وكان محسنا إلى الناس، فلما توفي .. لم يبق شاعر إلا رثاه.
وكان ولده الحسين قائد القواد للحاكم بن العزيز بن المعز صاحب مصر، وكان قد خاف على نفسه من الحاكم، فهرب هو وولده وصهره القاضي عبد العزيز زوج أخته، فأرسل الحاكم من ردهم وطيّب قلوبهم وآنسهم مدة مديدة، ثم حضروا للخدمة، فتقدم الحاكم إلى سيف النقمة راشد، فاستحضر عشرة من الغلمان الأتراك، وقتلوا الحسين وصهره، وأحضروا رأسيهما بين يدي الحاكم، وعند الله تجتمع الخصوم.
(1)«وفيات الأعيان» (1/ 380).