الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1726 - [ابن سمعون]
(1)
أبو الحسين محمد بن أحمد المعروف بابن سمعون، الشيخ العارف، المنطّق بالحكم والمعارف، الواعظ.
كان أوحد عصره وفريد دهره في الكلام على الخواطر والإشارات.
روى الحافظ أبو القاسم ابن عساكر بسنده إلى أبي بكر الأصبهاني خادم الشيخ أبي بكر الشبلي قال: (كنت بين يدي الشبلي يوم جمعة، فدخل أبو الحسين ابن سمعون وهو صبي وعلى رأسه قلنسوة، فجاز علينا وما سلم، فنظر الشبلي إلى ظهره وقال: يا أبا بكر؛ أتدري أي شيء لله تعالى في هذا الفتى من الذخائر؟ )(2).
وبسند الحافظ أبي القاسم إلى النجيب عبد الغفار بن عبد الواحد الأرموي قال: (كان القاضي أبو بكر الأشعري-يعني ناصر السنة-وأبو حامد-يعني شيخ طريقة العراق-يقبلان يد ابن سمعون، قال: وكان القاضي الباقلاني يقول: ربما خفي علي من كلامه بعض شيء؛ لدقته)(3).
كان كثير البر لأمه، وكان في بدء أمره ينسخ بأجرة، ويصرفها على نفسه وعلى أمه، فقال لها: أحب أن أحج، فقالت: كيف يمكنك الحج وما معك نفقة، ولا لي ما أنفقه؟ ! إنما عيشنا من أجرة هذا النسخ، وغلب عليها النوم فنامت، وانتبهت بعد ساعة وقالت:
يا ولدي؛ حج، فقال لها: منعت قبل النوم، وأذنت بعده؟ ! قالت: رأيت الساعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: دعيه يحج؛ فإن الخير له في حجه في الآخرة والأولى، ففرح، وباع من دفاتره ما له قيمة، ودفع إليها من ثمنها نفقتها، وخرج مع الحاج، وأخذ في الجملة، قال ابن سمعون: فبقيت عريانا، فوجدت مع رجل عباءة كانت على عدل، فقلت له: هب لي هذه العباءة أستر بها نفسي، فقال: خذها، فجعلت نصفها
= الجنان» (2/ 431)، و «طبقات الشافعية الكبرى» (3/ 136).
(1)
«تاريخ بغداد» (1/ 290)، و «تاريخ دمشق» (51/ 8)، و «المنتظم» (9/ 51)، و «وفيات الأعيان» (4/ 304)، و «سير أعلام النبلاء» (16/ 505)، و «تاريخ الإسلام» (27/ 152)، و «العبر» (3/ 38)، و «الوافي بالوفيات» (2/ 51)، و «مرآة الجنان» (2/ 432)، و «البداية والنهاية» (11/ 392)، و «شذرات الذهب» (4/ 467).
(2)
«تاريخ دمشق» (51/ 10).
(3)
«تاريخ دمشق» (51/ 12).
على وسطي، ونصفها على كتفي، وكان عليها مكتوب: يا رب؛ سلم وبلغ برحمتك يا أرحم الراحمين، وكنت إذا غلبني الجوع، ووجدت قوما يأكلون .. وقفت انظر إليهم، فيدفعون إلي كسرة، فأقنع بها ذلك اليوم، ووصلت إلى مكة، فغسلت العباءة وأحرمت بها، وسألت أحد بني شيبة أن يدخلني البيت، وعرفته فقري، فأدخلني بعد خروج الناس، وأغلق الباب، فقلت: اللهم؛ إنك بعلمك غني عن إعلامي بحالي، اللهم؛ ارزقني معيشة أستغني بها عن سؤال الناس، فسمعت قائلا يقول من ورائي: اللهم؛ إنه ما يحسن أن يدعوك، اللهم؛ ارزقه عيشا بلا معيشة، فالتفت، فلم أر أحدا، فقلت: هذا الخضر أو أحد الملائكة الكرام على الجميع السلام، فأعدت القول، فأعاد الدعاء، فأعدت فأعاد، ثلاث مرات، وعدت إلى بغداد، وكان الخليفة قد حرّم جارية من جواريه، وأراد إخراجها من الدار، فكره ذلك؛ إشفاقا عليها، قال محمد بن السني: فقال الخليفة: اطلبوا رجلا مستورا يصلح أن يزوج هذه الجارية، فقال بعض الحاضرين: قد وصل ابن سمعون من الحج، وهو يصلح لها، فاستصوب الجماعة قوله، وتقدم بإحضاره وإحضار الشهود، فأحضروا، وزوج بالجارية، ونقل معها من المال والثياب والجواهر ما يجمل بالملوك.
وكان ابن سمعون يجلس على الكرسي للوعظ فيقول: أيها الناس؛ خرجت حاجا وكان من حالي كذا وكذا، وشرح حاله جميعه، وأنا اليوم عليّ من الثياب ما ترون، وطيبي ما تعرفون، ولو وطئت على العتبة .. تألمت من الدلال، ونفسي تلك.
وروى الخطيب البغدادي عنه أنه خرج من مدينة النبي صلى الله عليه وسلم قاصدا بيت المقدس، وحمل في صحبته تمرا صيحانيا، فلما وصل إلى بيت المقدس .. طالبته نفسه بأكل الرطب، فأقبل عليها باللائمة وقال لها: من أين لنا في هذا الموضع رطب؟ ! فلما كان وقت الإفطار .. عمد إلى التمر ليأكل منه، فوجده رطبا صيحانيا، فلم يأكل منه شيئا، ثم عاد إليه من الغد، فوجده تمرا على حاله، فأكل منه (1).
أدرك الشيخ الكبير أبا بكر الشبلي وروى عنه، وجماعة من جلة المشايخ، وروى عن أبي بكر بن داود وغيره، وأملى عدة مجالس.
وكان له حسن الوعظ، وحلاوة الإشارة، ولطف العبارة، ومن كلامه: رأيت المعاصي نذالة، فتركتها مروءة، فاستحالت ديانة.
(1)«تاريخ بغداد» (1/ 291).