الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لحقي من أن أسترعيك إياه، وأرأف علي من أن أوصيك به، ولكن أنصح لك فيما يتعلق بدولتك: سالم الروم ما سالموك، واقنع من الحمداني بالدعوة والسكة، ولا تبق على مفرج بن دغفل إن عرضت لك فيه فرصة، فأمر العزيز أن يدفن في داره المعروفة بدار الوزارة بالقاهرة، داخل باب النصر، في قبة كان بناها، وصلّى عليه العزيز، وألحده بيده في قبره، وانصرف حزينا لفقده، وأمر بغلق الدواوين أياما، وكان إقطاعه من العزيز في كل سنة ألف دينار، وذكر بعضهم: أنه كفن في خمسين ثوبا، ويقال: إنه كفن وحنط بما مبلغه عشرة آلاف دينار، كذا ذكره الشيخ اليافعي فيمن توفي سنة ثمان وثلاث مائة (1).
1440 - [الحلاج]
(2)
الحسين بن منصور الحلاّج، أصله من البيضاء، بلدة بفارس، ونشأ بواسط العراق، وصحب سهل بن عبد الله التستري، وأبا الحسين النوري، وأبا القاسم الجنيد وغيرهم.
وكان يصدر منه شطح وكلام ظاهره غير مقبول، مثل قوله: أنا الحق، فقبض عليه في سنة إحدى وثلاث مائة، وحبس مدة، وجرى منه كلام في مجلس حامد بن العباس وزير المقتدر بحضرة القاضي أبي عمر، فأفتى بحل دمه، وكتب خطه بذلك، وكتب معه من حضر المجلس من الفقهاء، فقال لهم الحلاج: ظهري حمى ودمي حرام، ولا ينبغي لكم أن تتأولوا علي بما يبيحه، وأنا اعتقادي الإسلام، ومذهبي السنة، وتفضيل الأئمة الأربعة والخلفاء الراشدين وبقية العشرة من الصحابة، ولي كتب في السنة موجودة في الوراقين، فالله الله في دمي، ولم يزل يردد القول وهم يكتبون خطوطهم إلى أن استكملوا ما احتاجوا إليه، وانفصلوا من المجلس، وحمل الحلاج إلى السجن، وكتب الوزير إلى المقتدر يخبره بما جرى في المجلس وسير الفتوى، فعاد جواب المقتدر بأن القضاة إذا كانوا قد أفتوا بقتله .. فليسلم إلى صاحب الشرطة، وليتقدم، وليضربه ألف سوط، فإن مات، وإلا ..
ضربه أخرى، ثم يضرب عنقه، فسلمه الوزير إلى الشرطي وقال له: قم بما رسم به المقتدر، وقال: إن لم يتلف بالضرب .. فتقطع يده ثم رجله ثم تحز رقبته وتحرق جثته،
(1) انظر «مرآة الجنان» (2/ 250).
(2)
«وفيات الأعيان» (2/ 140)، و «سير أعلام النبلاء» (14/ 313)، و «تاريخ الإسلام» (23/ 252)، و «العبر» (2/ 144)، و «الوافي بالوفيات» (13/ 70)، و «مرآة الجنان» (2/ 253)، و «البداية والنهاية» (11/ 158)، و «الطبقات الكبرى» للشعراني (1/ 107)، و «شذرات الذهب» (4/ 41).
وإن خدعك وقال: أنا أجري لك الفرات ودجلة ذهبا وفضة .. فلا تقبل ذلك منه، ولا ترفع العقوبة عنه.
فتسلمه الشرطي ليلا، وأصبح يوم الثلاثاء لسبع بقين من ذي الحجة سنة تسع وثلاث مائة، فأخرجه إلى عند باب الطاق، وهو يتبختر في قيوده، واجتمع من العامة خلق لا يحصى عددهم، وضربه الجلاد ألف سوط ولم يتأوه، بل قال للشرطي لما بلغ الست مائة: ادع بي إلى عندك؛ فإن لك عندي نصيحة تعدل فتح القسطنطينية، فقال له: قد قيل لي عنك: بأنك تقول هذا وأكثر منه، وليس لي إلى رفع الضرب عنك سبيل، ولما فرغ من ضربه .. قطع أطرافه الأربعة، ثم حز رأسه، ثم أحرقت جثته، ولما صار رمادا .. ألقاه في دجلة، ونصب الرأس ببغداد على الجسر.
واتفق أن دجلة زاد تلك السنة زيادة وافرة، فادعى أصحابه أن ذلك بسبب إلقاء رماده فيها، وادعى بعض أصحابه أنه لم يقتل، ولكن ألقي شبهه على عدو من أعداء الله.
وقيل: إن أصحابه جعلوا يعدون أنفسهم برجوعه بعد أربعين يوما.
وبالجملة: فالناس مختلفون في أمره: منهم من يبالغ في تكفيره ويجعله صاحب مخاريق، ومنهم من يبالغ في تعظيمه ويجعله صاحب مقامات وكرامات، ومنهم من يتوقف فيه.
قال الشيخ اليافعي: (والمحققون اعتذروا عنه، وأجابوا عما صدر منه بتأويلات، منهم شيخ العارفين الشيخ عبد القادر الجيلاني، والشيخ شهاب الدين السهروردي، والإمام حجة الإسلام الغزالي، وقبلهم الشيخ أبو العباس بن عطاء، والشيخ أبو القاسم النصرآباذي، والشيخ أبو عبد الله بن خفيف، قال: وأفتى أكثر علماء عصره بإباحة دمه.
وكان الجنيد إذا سئل عنه .. يقول: هذا رجل خفي عليّ حاله، وما أقول فيه شيئا.
وما قيل: إن الجنيد وابن داود الظاهري ممن أفتى بقتله لا يصح؛ لأن الجنيد توفي سنة ثمان وتسعين ومائتين قبل الحلاج بإحدى عشرة سنة، ومحمد بن داود توفي قبل قضية الحلاج باثنتي عشرة سنة) اهـ (1)
ويمكن أنهما أفتيا بإباحة دمه قبل قتله عند ما ظهر منه ما ظهر، فقد قدمنا أنه لزم وحبس في سنة إحدى وثلاث مائة، والله سبحانه أعلم.
(1)«مرآة الجنان» (253/ 2، 259).