الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1480 - [الخليفة المقتدر]
(1)
أبو الفضل جعفر المقتدر بن المعتضد أحمد بن الموفق أبي أحمد طلحة بن المتوكل جعفر بن المعتصم محمد بن هارون الرشيد الخليفة العباسيّ.
ولد لثمان بقين من رمضان سنة اثنتين وثمانين ومائتين.
كان الخليفة قبله أخوه المكتفي علي بن المعتضد، فمات ولم يعهد إلى أحد، وكان الوزير العباس بن الحسن مستوليا على الأمر، فأشار عليه أكثر الناس بتولية عبد الله بن المعتز، ومال إلى ذلك أيضا، لكن صرفه عن ذلك أبو الحسن بن الفرات، وأشار عليه بتولية أبي الفضل جعفر المذكور، فقال له الوزير العباس بن الحسن: إنه صبي، فقال ابن الفرات: وإن كان فإنه ابن المعتضد، فاتق الله، ولا تنصب في هذا الأمر من قد لقي الناس ولقوه، وعرف ضيعة هذا، ودار هذا، ونعمة هذا، فعقدها الوزير لجعفر المذكور، ولقّبه المقتدر، وذلك يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من القعدة سنة خمس وتسعين ومائتين، وعمر المقتدر إذ ذاك ثلاث عشرة سنة وشهر وأيام، ولا يعلم خليفة قبله وليها وهو صغير، ولما كان مشورة أبي الحسن بن الفرات لغير الله تعالى .. سلط الله تعالى عليه المقتدر، فكان سببا لهلاكه وهلاك ولده، وانقراض بيته.
ثم كثر الخوض والكلام في صغر سن المقتدر، فعمل الوزير العباس بن الحسن على أن يحل أمر المقتدر، ويقلد الخلافة أبا عبد الله محمد بن المعتمد، وكان حسن العقل، جميل المذهب، وانتظر بذلك قدوم بارس غلام إسماعيل بن أحمد صاحب خراسان؛ فإنه كان موافيا إلى الحضرة، وقدر أن يستظهر به على غلمان المعتضد الذين مع المقتدر، ففلج محمد بن المعتمد قبل ذلك ومات، فعمل العباس بن الحسن الوزير على تقليد أبي الحسين من ولد المتوكل، فمات المذكور قبل أن يتم الأمر، ثم في سنة ست وتسعين اجتمع جماعة منهم الحسين بن حمدان على قتل المقتدر ووزيره العباس بن الحسن، وعلى تولية عبد الله بن المعتز، فخرج المقتدر يلعب بالصولجة، فعطف الحسين بن حمدان على العباس بن الحسن، فقتله وهو على ظهر دابته، وكان إلى جانبه فاتك المعتضدي، فصاح
(1)«الكامل في التاريخ» (6/ 563)، و «سير أعلام النبلاء» (15/ 43)، و «تاريخ الإسلام» (23/ 603)، و «العبر» (2/ 184)، و «الوافي بالوفيات» (11/ 94)، و «مرآة الجنان» (2/ 279)، و «مآثر الإنافة» (1/ 274)، و «تاريخ الخلفاء» (ص 447)، و «شذرات الذهب» (4/ 97).
على الحسين بن حمدان منكرا عليه، فعطف الحسين على فاتك، فألحقه بالوزير، ثم ركض الحسين بن حمدان ليثلث بالمقتدر، وكان المقتدر قد سمع الصيحة عند قتل الوزير فبادر إلى الدار، وأغلقت الأبواب دون الحسين، فأحضر الحسين بن حمدان بن المعتز والقواد والجند وأصحاب الدواوين والقضاة غير أبي الحسن بن الفرات؛ فإنه لم يحضرهم، وبايعوا ابن المعتز، ولقبوه المرتضي بالله، ونفذت كتبه إلى الآفاق، وأمر المقتدر بالانصراف إلى دار ابن طاهر، فأجاب وكان مع المقتدر في الدار قليل من الجند، فأصبح ابن حمدان معدا لحربهم وحصارهم، فناوشوه الحرب، ووقع الرعب في قلوب الذين مع ابن المعتز، فانصرفوا من غير كثير حرب، واستتر ابن المعتز، ثم ظهر واستقر الأمر للمقتدر، فاستوزر أبا الحسن علي بن محمد بن الفرات، فدبر الدولة كما يدبرها الخلفاء، واشتغل المقتدر باللهو واللعب.
وفي سنة سبع عشرة: كانت فتنة أبي الهيجاء بن حمدان ونازوك التي أدت إلى خلع المقتدر، ونصب أخيه القاهر، ثم انتقض الأمر وعاد إلى المقتدر الخلافة، وقتل أبا الهيجاء ونازوك كما سيأتي ذلك (1)، وحمل القاهر إلى الحريم القاهري، ثم حصلت الوحشة بين المقتدر وبين مؤنس، فانحدر مؤنس من الموصل إلى بغداد، فأشار الأمراء على المقتدر بالإنفاق على العساكر، فعزم على التوجه إلى واسط في الماء؛ ليستنجد منها ومن البصرة والأهواز على مؤنس، فقال له محمد بن ياقوت: اتق الله، ولا تسلم بغداد بلا حرب، وقال له: لئن خرجت بنفسك .. أحجم رجال مؤنس عن مقاتلتك، فقال له المقتدر: أنت رسول إبليس، فلما أصبحوا .. ركب المقتدر في موكبه وعليه البرد وبيده القضيب، والقراء والمصاحف حوله، فشق بغداد إلى الشماسية، وأقبل جيش مؤنس وغالبهم البربر، وشرع القتال، فوقف المقتدر على تلّ، ثم جاء إليه ابن ياقوت وأبو العلاء بن حمدان فقالا له: تقدم، وهم يستدرجونه حتى صار في وسط المصاف في طائفة قليلة، وانكشف عنه أصحابه، وأسر منهم جماعة، وأبلى ابن ياقوت وهارون بن غريب بلاء حسنا، فعطف جماعة من البربر على المقتدر، فضربه رجل من خلفه ضربة أسقطه إلى الأرض، وقيل: رماه بحربة، وحز رأسه بالسيف، ورفع على رمح، ثم سلب ما عليه، وبقي مهتوك العورة حتى ستر بالحشيش، ثم حفر له حفرة
(1) انظر (3/ 65).
فطم، وعفى أثره، وذلك في سنة عشرين وثلاث مائة، فمدة خلافته خمس وعشرون سنة إلا بضعة عشر يوما، وعمره ثمان وثلاثون سنة.
وكان مسرفا مبذرا ناقص الرأي، محّاقا للخزائن، حتى أعطى بعض جواريه الدرة اليتيمة وزنها ثلاثة مثاقيل.
ويقال: إنه ضيع من الذهب ثمانين ألف ألف دينار، وكثر في زمانه التقلب بالوزراء والكتاب والحجاب والولاة، وضعفت في أيامه الخلافة العباسية، بل اضمحلت.
وقيل: كان جيد العقل والرأي، لكنه كان يؤثر اللعب واللهو والشهوات، غير ناهض بأعباء الخلافة.
وكانت أمه وخالته والقهرمانة يدخلن في الأمور الكبار من الولايات والخلافات والحل والعقد.
وقيل: إن مؤنسا لم يحضر الحرب بل كان بالراشدية، فلما حمل إليه رأس المقتدر ..
بكى وندم وقال: قتلتموه، والله؛ لنقتلن كلنا، فأظهروا له أن قتله كان عن غير قصد، وأنه جرى بغير أمرنا، فأراد نصب أبي العباس ولد المقتدر مكان أبيه، فصرفه عن ذلك إسحاق بن إسماعيل النوبختي، فعقد الخلافة لأخي المقتدر أبي منصور محمد بن المعتضد، ولقّبوه القاهر، فكان حين النوبختي وهلاكه على يدي القاهر.
***