الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي رجله نعل خشب مربع، فأقام مدة في دار ابن طاهر، ثم خرج في يوم جمعة إلى المسجد الجامع، وأخذ في أن يتصدّق عليه، فرآه ابن أبي موسى الهاشمي، فمنعه من ذلك وأعطاه خمس مائة درهم، ورده إلى داره.
وتوفي سنة تسع وثلاثين وثلاث مائة.
1543 - [أبو نصر الفارابي]
(1)
أبو نصر محمد بن محمد التركي الفارابي الحكيم المشهور، صاحب التصانيف في المنطق والموسيقى وغيرهما من العلوم، وهو أكبر فلاسفة الإسلام، لم يكن فيهم من بلغ رتبته في فنونه، وناهيك أن رئيسهم أبا علي بن سينا بكتبه تخرج، وبكلامه انتفع.
خرج أبو نصر المذكور من بلده، ولم تزل تنتقل به الأسفار إلى أن وصل بغداد، وهو يعرف اللسان التركي وعدة لغات غير العربي، فتعلم اللسان العربي وأتقنه، ثم اشتغل بعلوم الحكمة، وكان ببغداد الحكيم المشهور [أبو بشر] متى بن يونس، وهو شيخ كبير يعلم الناس فنّ المنطق، ويملي على تلامذته شرحه، وكان أبو بشر في تواليفه حسن العبارة، لطيف الإشارة، وكان يستعمل في تصانيفه البسط والتذييل، حتى قال بعض علماء هذا الفن: ما أرى أن أبا نصر الفارابي أخذ طريق تفهيم المعاني الجزلة بالألفاظ السهلة إلا من أبي بشر، يعني شيخه المذكور، وكان أبو نصر يحضر حلقة أبي بشر من جملة تلامذته.
ثم ارتحل إلى حران، وبها الحكيم ابن خيلان النصراني (2) -بخاء معجمة، ثم مثناة من تحت-فأخذ عنه طرفا من المنطق، ثم قفل راجعا إلى بغداد، وقرأ بها علوم الفلسفة، وتناول جميع كتب أرسطاطاليس، ومهر في استخراج معانيها والوقوف على أغراضه فيها.
قال أبو القاسم بن صاعد القرطبي في كتاب «طبقات الحكماء» كما نقله عنه ابن خلكان: (أربى في التحقيق على جميع علماء الفلسفة الإسلاميين، وشرح غامضها،
(1)«الكامل في التاريخ» (7/ 194)، و «وفيات الأعيان» (5/ 153)، و «سير أعلام النبلاء» (15/ 416)، و «تاريخ الإسلام» (25/ 181)، و «العبر» (2/ 257)، و «الوافي بالوفيات» (1/ 106)، و «مرآة الجنان» (2/ 328)، و «البداية والنهاية» (11/ 266)، و «شذرات الذهب» (4/ 209).
(2)
كذا في «مرآة الجنان» (2/ 329)، وفي «وفيات الأعيان» (5/ 154):(يوحنا بن حيلان)، وفي «الكامل في التاريخ» (7/ 194)، و «سير أعلام النبلاء» (15/ 417) و «تاريخ الإسلام» (25/ 182) و «شذرات الذهب» (4/ 210):(يوحنا بن جيلان).
وكشف سرها، وقرب تناولها وجميع ما يحتاج إليه منها على ما أغفله الكندي وغيره من صناعة [التحليل وأنحاء](1) التعاليم، وأوضح الغفل فيها عن مواد المنطق الخمسة، وعرف طرق استعمالها، وكيف تصرّف صورة القياس في كل مادة، فجاءت كتبه في ذلك الغاية الكاملة، والنهاية الفاضلة) اهـ (2)
قال ابن خلكان: (لم يزل أبو نصر ببغداد مكبا على الاشتغال بهذا العلم والتحصيل له إلى أن برز-أو قال: برع-فيه وفاق أهل زمانه، قال: ورأيت في بعض المجاميع أن أبا نصر لما ورد على سيف الدولة وكان مجلسه مجمع الفضلاء في جميع المعارف، فأدخل عليه وهو بزي الأتراك، وكان ذلك دأبه دائما، فوقف .. فقال له سيف الدولة: اقعد، فقال: حيث أنا أم حيث أنت، فقال: حيث أنت، فتخطى رقاب الناس حتى انتهى إلى مسند سيف الدولة، وزاحمه فيه حتى أخرجه عنه، وكان على رأس سيف الدولة مماليك، وله معهم لسان خاص يساررهم به قلّ من يعرفه، فقال لهم بذلك اللسان: إن هذا الشيخ قد أساء الأدب، وإني سائله عن أشياء إن لم يوف بها .. فاخرقوا به، فقال له أبو نصر بذلك اللسان: أيها الأمير؛ اصبر، فإن الأمور بعواقبها، فتعجب سيف الدولة وقال له: أتحسن هذه اللسان؟ ! فقال: نعم أحسن أكثر من سبعين لسانا، فعظم عنده، ثم أخذ يتكلم مع العلماء الحاضرين في المجلس في كل فن، فلم يزل كلامه يعلو وكلامهم يسفل حتى صمت الكل وبقي يتكلم وحده، ثم أخذوا يكتبون ما يقوله، وصرفهم سيف الدولة وخلا به، فقال: هل لك أن تأكل؟ قال: لا، قال: فهل تشرب؟ قال: لا، قال: فهل تسمع؟ قال: نعم، فأمر سيف الدولة بإحضار القيان، فحضر كل من هو من أهل هذه الصناعة بأنواع الملاهي، فلم يحرك أحد منهم آلته إلا وعابه أبو نصر وقال له: أخطأت، فقال له سيف الدولة: هل تحسن في هذه الصناعة شيئا؟ فقال: نعم، ثم أخرج من وسطه خريطة وفتحها وأخرج منها عيدانا، ثم ضرب بها، فضحك كل من في المجلس، وغيّر تركيبها وضرب بها، فبكى كل من في المجلس، ثم فكها وركبها تركيبا آخر وضرب بها، فنام كل من في المجلس حتى البواب، فتركهم نياما وخرج.
ويقال: إن الآلة المسماة بالقانون من وضعه، وهو أول من ركبها هذا التركيب، وكان
(1) الزيادة من «وفيات الأعيان» (5/ 154).
(2)
«وفيات الأعيان» (5/ 154).