الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2055 - [أبو الفتح ملك شاه]
(1)
السلطان ملك شاه أبو الفتح جلال الدولة بن السلطان ألب أرسلان محمد بن داود السلجوقي التركي، ملك ما وراء النهر، وبلاد الهياطلة، وبلاد الروم، والجزيرة والشام، والعراق وخراسان وغير ذلك.
قال بعض المؤرخين: (ملك من مدينة كاشغر الترك إلى بيت المقدس طولا، ومن القسطنطينية وبلاد الخزر إلى نهر الهند عرضا)(2)، وجميع هذا المذكور كان الأمر والنهي، والحل والعقد، والرأي والتدبير فيه منوطا بالوزير نظام الملك، ليس للسلطان فيه سوى تخت الملك وأبّهته، والخطب على المنابر، والسكة.
وحكى الهمداني أن نظام الملك الوزير وقّع للملاحين الذين عبروا بالسلطان والعسكر نهر جيحون على العامل بأنطاكية، وكان مبلغ أجرة العابر أحد عشر ألف دينار، وذلك لسعة المملكة.
وكان حسن السيرة، محسنا إلى الرعية، يلقبونه بالملك العادل، أبطل المكوس في جميع البلاد، وحفر كثيرا من الأنهار، وصنع لطريق مكة مصانع، وغرم عليها أموالا خارجة عن الحصر، ولما توجه لحرب أخيه .. مر بمشهد علي [بن موسى الرضا] رضي الله عنهما، فدخل هو ووزيره نظام الملك ودعوا، ثم سأل نظام الملك: بأي شيء دعوت؟ فقال: بنصرك على أخيك، قال: أما أنا .. فقلت: اللهم؛ انصر أصلحنا للمسلمين.
ودخل عليه واعظ فوعظه، وحكى له أن بعض الأكاسرة اجتاز منفردا عن عسكره على باب بستان، فتقدم إلى الباب، وطلب ماء يشربه، فأخرجت له صبية إناء فيه ماء السكر والثلج، فشربه واستطابه، فقال: هذا كيف يعمل؟ فقالت: إن قصب السكر يزكوا عندنا حتى نعصره بأيدينا، فيخرج منه هذا الماء، فقال: ارجعي وأحضري شيئا آخر-وكانت الصبية غير عارفة به-ففعلت، فقال في نفسه: الصواب أن أعوضهم عن هذا المكان، وأصطفيه لنفسي، فما كان بأسرع من خروجها باكية وقالت: إن نية سلطاننا قد تغيرت، فقال: ومن أين علمت ذلك؟ قالت: كنت آخذ من هذا ما أريده من غير تعسف، والآن
(1)«المنتظم» (9/ 649)، و «الكامل في التاريخ» (8/ 359)، و «وفيات الأعيان» (5/ 283)، و «سير أعلام النبلاء» (19/ 54)، و «تاريخ الإسلام» (33/ 162)، و «العبر» (3/ 311)، و «مرآة الجنان» (3/ 139)، و «البداية والنهاية» (12/ 620)، و «شذرات الذهب» (5/ 366).
(2)
قاله شمس الدين ابن خلكان في «وفيات الأعيان» (5/ 284).
فقد اجتهدت فلم يسمح ببعض ما كان يأتي، فعلم صدقها، فرجع عن تلك النية، ثم قال:
ارجعي الآن؛ فإنك تبلغين الغرض، وعقد على نفسه ألا يفعل ما نواه، فخرجت الصبية ومعها ما شاءت من ماء السكر وهي مستبشرة، فقال السلطان للواعظ: لم لا تذكر للرعية أن كسرى اجتاز على بستان، فقال للناطور: ناولني عنقودا من الحصرم، فقال له: ما يمكنني ذلك؛ فإن السلطان لم يأخذ حقه، ولا يجوز لي خيانته؟ ! فعجب الحاضرون من مقابلته الحكاية بمثلها، ومعارضته ما أوجب الحق له بما أوجب الحق عليه.
ويحكى أن مغنية أحضرت إليه وهو بالري، فأعجب بها، واستطاب غناءها، فهم بها، فقالت: يا سلطان؛ إني أغار على هذا الوجه الجميل أن يعذب بالنار، وإن الحلال أيسر، وبينه وبين الحرام كلمة، قال: صدقت، فاستدعى القاضي، فزوجها منه، وابتنى بها، وتوفي عنها.
وتزوج الخليفة المقتدي بأمر الله أمير المؤمنين بابنة السلطان المذكور، وكان في الخطبة الشيخ أبو إسحاق الشيرازي صاحب «التنبيه» و «المهذب» رحمهم الله، فأنفذه الخليفة إلى نيسابور لهذا السبب؛ فإن السلطان كان هناك، فلما وصل إليه .. أدى الرسالة، ونجز الشغل، وعاد إلى بغداد في أقل من أربعة أشهر، وناظر إمام الحرمين بنيسابور، فلما أراد الانصراف من نيسابور .. خرج إمام الحرمين لوداعه، وأخذ بركابه حتى ركب الشيخ أبو إسحاق، وظهر للشيخ في خراسان منزلة عظيمة، وكانوا يأخذون التراب الذي وطئته بغلته، فيتبركون به.
وزفت ابنة السلطان إلى الخليفة في سنة ثمانين وأربع مائة، وفي صبيحة دخولها عليه أحضر الخليفة المقتدي عسكر السلطان على سماط صنعه لهم كان فيه أربعون ألف منّ سكّرا.
وفي بقية هذه السنة ظهر للخليفة ولد من ابنة السلطان سماه: أبا الفضل جعفرا، زينت بغداد لأجله.
وكان السلطان قد دخل بغداد دفعتين، فهي من جملة بلاده التي تحتوي عليها مملكته، وليس للخليفة فيها سوى الاسم، وخرج منها في الدفعة الثانية على الفور إلى نحو دجيل لأجل الصيد، فاصطاد وحشا، وأكل من لحمه، فابتدأت به العلة، وافتصد، فلم يكثر من إخراج الدم، فعاد إلى بغداد مريضا.