الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2123 - [يوسف بن تاشفين]
(1)
أبو يعقوب يوسف بن تاشفين البربري الملثم، سلطان المغرب، أمير المسلمين.
قال بعضهم: كان يوسف المذكور مقدم جيش أبي بكر بن عمر الصنهاجي، وكان أبو بكر قد حاصر سلجماسة، وقاتل أهلها أشد القتال حتى أخذها، ثم رتب فيها يوسف بن تاشفين المذكور.
قال: وكان أول ذلك أن البربر خرج عليهم من جنوب المغرب الملثمون ويقدمهم أبو بكر بن عمر الصنهاجي المذكور، وكان رجلا ساذجا، خير الطباع، مؤثرا لبلاده على بلاد المغرب، غير ميال إلى الرفاهية، وكان ولاة المغرب ضعفاء، فلم يقاوموا الملثمين، فأخذوا البلاد من أيديهم من باب تلمسان إلى ساحل البحر المحيط، فلما حصلت البلاد لأبي بكر المذكور .. سمع أن عجوزا في بلاده ذهبت لها ناقة في غارة فقالت: ضيعنا أبو بكر بن عمر بدخوله إلى بلاد المغرب، فحمله ذلك على أن استخلف على بلاد المغرب يوسف بن تاشفين المذكور من أصحابه، ورجع إلى بلاده.
وكان يوسف شجاعا مقداما، عادلا، عديم الرفاهية، قشيب العيش على عادة البربر.
اختط مدينة مراكش في مرج صغير، وكان موضعها مكمنا للصوص، وصيرها دار الإقامة، وكرت جيوشه، وبعد صيته، ثم تملك الأندلس بعد وقائع يطول ذكرها، ودانت له الأمم، وكان يميل إلى أهل العلم والدين ويكرمهم، ويصدر عن رأيهم، وكان يحب العفو والصفح عن الذنوب العظام، من ذلك أنه بلغه أن ثلاثة نفر اجتمعوا: فتمنى أحدهم ألف دينار يتجر بها، وتمنى الآخر عملا يعمل فيه لأمير المسلمين، وتمنى الثالث زوجة ابن تاشفين المذكور-وكانت من أحسن النساء، ولها حكم في بلاده-فبلغه الخبر، فأحضرهم، فأعطى متمني المال ألف دينار، واستعمل الذي تمنى الاستعمال، وقال للذي تمنى زوجته: يا جاهل؛ ما حملك على هذا الذي لا تصل إليه، ثم أرسله إليها، فأنزلته في خيمة ثلاثة أيام تحمل إليه كل يوم طعاما واحدا، ثم أحضرته وقالت: ما أكلت في هذه
(1)«الكامل في التاريخ» (8/ 531)، و «وفيات الأعيان» (7/ 112)، و «سير أعلام النبلاء» (19/ 252)، و «تاريخ الإسلام» (34/ 329)، و «العبر» (3/ 358)، و «الوافي بالوفيات» (29/ 163)، و «مرآة الجنان» (3/ 163)، و «شذرات الذهب» (5/ 427).
الأيام؟ قال: طعاما واحدا، قالت: كذلك كل النساء شيء واحد، وأمرت له بمال وكسوة، وأطلقته.
قال الشيخ اليافعي: (وسمعت ما يناسب هذه الحكاية: حكي أن بعض الملوك من ملوك الهند حكى أنه خرج في بعض الليالي متنكرا، فرأى ثلاثة جلوسا، فدنا منهم، فإذا أحدهم تمنى أن يكون ملكا، والآخر يتمنى زوجة الملك أن يتزوجها، والثالث تمنى سيفا وفرسا ولباسا للحرب ليجاهد في سبيل الله، فلما أصبح .. استدعى بهم، فأعطى الذي تمنى الجهاد فرسا جوادا، وسيفا ماضيا، ولباسا حصينا وقال: هذا ما تمنيت، وأجلس الذي تمنى الملك في مكان الملك وفوق رأسه سيف مسلول معلق بشيء واه، فبقي خائفا يلتفت إلى السيف، فقال له: أراك تلتفت؟ فقال: أخاف من هذا السيف، فقال له:
ما تطلب بالملك؟ ! فإن الملك لا يزال خائفا مثلك الآن، وأمر بطعام من جنس واحد ملون بألوان مختلفة، وأمر الذي تمنى زوجته أن يأكل من تلك الألوان ففعل، فقال له: كيف رأيت ألوانه؟ قال: مختلفة، قال: فكيف طعمه؟ قال: واحد، قال: فكذلك النساء) انتهى معنى الحكاية (1).
قال الشيخ اليافعي: (ومثل هذا المثال إنما هو مدافعة وتساهل في التمثيل، وليس المثل كالمثل؛ فإن اللذات بالنساء تتفاوت بحسب تفاوت جمالهن، وتفاوت منصبهن وشرفهن، كما هو معروف لا يمكن جحده، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله» (2)، فمدحه بذلك، وبين فضله بمخالفة هواه مع شدة ميل الطبع، وقوة الشهوة للمتصفة بهذا الوصف) (3).
توفي يوسف المذكور سنة خمس مائة، وقيل: قبلها، وقيل: سنة ثلاث وتسعين وأربع مائة، ولما حضرته الوفاة .. عهد بالأمر بعده إلى ابنه علي الذي خرج عليه ابن تومرت، وكان في آخر أمره بعث رسولا إلى العراق يطلب عهدا من المستظهر بالله، فبعث له بالخلع والتقليد واللواء، فأقيمت الخطبة العباسية بممالكه، وكان قد ظهر لأبطال الملثمين ضربات بالسيوف تقد الفارس، وطعنات بالرماح تنظم الكلا، فكان لهم بذلك رعب في قلوب
(1)«مرآة الجنان» (3/ 164).
(2)
أخرجه «البخاري» (1423)، و «مسلم» (1031)، و «الترمذي» (2391)، و «النسائي» (5285).
(3)
«مرآة الجنان» (3/ 165).