الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السنة التاسعة عشرة
فيها: كان السلطان جلال الدولة ببغداد، فتحالفت عليه الأمراء وكرهوه؛ لتوفره على اللعب، وطالبوه بجامكيتهم، فأخرج لهم من المصاغ وغيره ما قيمته أكثر من مائة ألف، فلم يرضهم، فنهبوا دار الوزير علي بن ماكولا ودور الحواشي، وسقطت الهيبة، ودب النهب في الرعية، وحصروا الملك جلال الدولة، ثم ترددت الرسل بينهم على أن يمكنوه من الانحدار إلى البصرة، فأجابوه إلى ذلك، ثم وقعت صيحة، فوثب وفي يده طبر (1)، وهو الحديد الماضي الذي يحمل بين يدي الملوك، وصاح فيهم، فلانوا له، وقبلوا الأرض وقالوا: اثبت، فأنت السلطان، فنادوا بشعاره، فأخرج لهم متاعا كثيرا فبيع، ولم يف بمقصودهم، ولم يحج ركب بغداد في هذه السنة (2).
وفيها: توفي الحافظ أبو عبد الله محمد ابن الفخار القرطبي شيخ المالكية وعالم الأندلس، وعبد المحسن بن محمد المعروف بابن غلبون الصوري الشاعر المشهور، وأبو الحسين ابن العالي، وعلي بن أحمد بن محمد بن داود الرزّاز، وأبو بكر الذّكواني، وأبو الحسن ابن مخلد، والحسين بن علي البرذعي (3).
***
السنة الموفية عشرين بعد الأربع مائة
فيها: وقع برد عظام إلى الغاية، في الواحدة أرطال بالبغدادي، حتى قيل: إن بردة وجدت تزيد على قنطار، وقد نزلت في الأرض نحوا من ذراع، وذلك بالنعمانية من العراق، وهبت ريح لم يسمع بمثلها، قلعت الأصول الثابتة من الزيتون والنخيل (4).
وفيها: جمع القادر بالله كتابا فيه وعظ، ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وقصة ما جرى لعبد العزيز صاحب الحيدة-بفتح الحاء والدال المهملتين، وسكون المثناة من تحت بينهما، وفي آخره هاء-مع بشر المريسي، والرد على من يقول بخلق القرآن، والأمر
(1) الطبر: الفأس من السلاح.
(2)
«المنتظم» (9/ 217)، و «الكامل في التاريخ» (7/ 705)، و «تاريخ الإسلام» (28/ 263)، و «البداية والنهاية» (12/ 466).
(3)
الحسين بن علي البرذعي ترجم له المؤلف في وفيات سنة (420 هـ)، فذكره هنا سهو.
(4)
«المنتظم» (9/ 221)، و «الكامل في التاريخ» (7/ 726)، و «تاريخ الإسلام» (28/ 266)، و «شذرات الذهب» (5/ 98).
بالمعروف والنهي عن المنكر، وسب الرافضة وغير ذلك، وجمع له الأعيان والعلماء ببغداد، فقرئ على الخلق، ثم أرسل الخليفة إلى براثا-بالموحدة، وقبل الألفين راء، وبينهما ثاء مثلثة، وهو مأوى الرافضة وغير ذلك-من أقام الخطبة على السنة، فخطب، وقصر عما كانوا يفعلونه في ذكر علي رضي الله عنه، فرموه بالآجر من كل ناحية، فنزل، وحماه جماعة من الترك حتى أسرع في الصلاة، فتألم الخليفة القادر بالله، وغاظه ذلك، وطلب الشريف المرتضى شيخ الرافضة، فكاتب السلطان ووزيره ابن ماكولا يستجيش على الشيعة، ومن جملة كتابه: «فإذا بلغ الأمر إلى الجرأة على الدين وسياسة المملكة من الرعاع والأوباش .. فلا صبر دون المبالغة بما توجبه الحمية، وقد بلغه ما جرى في الجمعة الماضية في مسجد براثا الذي يجمع الكفرة والزنادقة ومن قد تبرأ الله تعالى منه، فكان أشبه شيء بمسجد الضرار، وذلك أن خطيبا كان يقول فيه مقالا يخرج به إلى الزندقة؛ فإنه كان يقول بعد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أخيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب:
مكلم الجمجمة، ومحيي الأموات البشري الإلهي، مكلم أصحاب الكهف، فأنفذنا الخطيب ابن تمام، فجاءه الآجر كالمطر، وكسر أنفه، وخلع كتفه، ودمي وجهه، ولولا أن أربعة من الأتراك حموه وإلا .. لكان قد هلك، والضرورة ماسة إلى الانتقام، ونزل ثلاثون بالمشاعل إلى دار ذلك الخطيب، فنهبوا الدار، وعرّوا الحريم، وخاف أولو الأمر من فتنة تكبر، ولم يخطب أحد ببراثا، وكثرت العملات والكبسات وفتح الحوانيت جهارا، وعم البلاء إلى آخر السنة، حتى صلب جماعة (1).
وفيها: سار الدّزبري في عسكر مصر، وأوقع بصالح بن مرداس، وقتل صالح وابنه الأصغر، وملك جميع الشام (2).
وفيها: توفي أبو الحسن أحمد بن علي بن الحسن البغدادي، وعبد الجبار بن أحمد الطرسوسي، والأمير عز الملك محمد بن عبيد الله بن أحمد الحراني الأديب العلامة المسبّحي، ومحمد بن أبي القاسم الكاتب الحراني الأصل المصري المولد، كذا في «تاريخ اليافعي» وصف الأول والثاني بالأمير عز الملك، ولعلهما واحد، اقتصر في الأول
(1)«المنتظم» (9/ 223)، و «الكامل في التاريخ» (7/ 728)، و «تاريخ الإسلام» (28/ 268)، و «العبر» (3/ 136).
(2)
«المنتظم» (9/ 227)، و «الكامل في التاريخ» (7/ 726)، و «وفيات الأعيان» (2/ 487)، و «تاريخ الإسلام» (28/ 270).
على اسم الأب، وفي الثاني على الكنية، أو لعله في الثاني سبق قلم من الناسخ (1)، وأبو نصر محمد بن أحمد العكبري البقّال، وأبو محمد عبد الرحمن بن أبي نصر التميمي الدمشقي.
والله سبحانه أعلم، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
***
(1) تقدم التحقيق فيهما وأنهما واحد، انظر (3/ 339).