الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
البريدي، وأصلح أمره، وشرع أبو الحسين في كتابة توزون، وأحس بذلك أبو جعفر بن شيرزاد، فدبر عليه حتى قبض عليه، ثم قتله بعد أن استفتى الفقهاء بإباحة دمه، ووقف معصب العين والسيّاف بيده السيف على رأسه والفتوى تقرأ عليه، فلم ينطق بكلمة حتى قتل (1).
وفيها: ملك سيف الدولة بن حمدان حلب وأعمالها، وهرب متوليها إلى مصر، فجهز الإخشيذ جيشا، فالتقاهم سيف الدولة، فهزمهم، وأسر منهم ألف نفس، ثم سار إلى دمشق فملكها، وسار الإخشيذ بنفسه فنزل على طبرية، فخامر خلق من عسكر سيف الدولة إلى الإخشيذ، فرد سيف الدولة وجمع، فقصده الإخشيذ، والتقاه، فانهزم سيف الدولة، ودخل الإخشيذ حلب (2).
وفيها: وقع ببغداد قحط عظيم لم ير مثله، وهرب الخلق، وكان النساء يخرجن عشرين عشرين وعشرا عشرا يمسك بعضهن بعضا، يصحن: الجوع الجوع، ثم تسقط الواحدة بعد الواحدة ميتة (3).
وفيها: أخرج القاهر المسمول من دار الخلافة وهو ملتف في قطن، فأقام في دار ابن طاهر مدة، ثم خرج في يوم جمعة إلى الجامع؛ ليتصدّق عليه، فرآه ابن أبي موسى الهاشمي، فأعطاه خمس مائة درهم، ورده إلى منزله.
وفيها: توفي الحافظ أبو علي اللؤلؤي محمد بن أحمد البصري، راوي «السنن» عن أبي داود، وأبو عمرو ابن حكيم، وأحمد بن عمرو الرملي الطحان، وأبو العرب محمد بن أحمد التميمي الإفريقي.
***
السنة الرابعة والثلاثون
فيها: مات توزون، وأراد شيرزاد أن يعقد الرئاسة لناصر الدولة، فأطمعه الجيش فيها، وأذعنوا له، فتسلمها، ثم وصل أبو الحسين أحمد بن بويه بغداد، فاستتر ابن
(1)«الكامل في التاريخ» (7/ 151)، و «البداية والنهاية» (11/ 250).
(2)
«الكامل في التاريخ» (7/ 153)، و «تاريخ الإسلام» (25/ 21)، و «العبر» (2/ 238)، و «شذرات الذهب» (4/ 181).
(3)
«تاريخ الإسلام» (25/ 21)، و «العبر» (2/ 239)، و «مرآة الجنان» (2/ 312)، و «شذرات الذهب» (4/ 182).
شيرزاد، واختفى الخليفة المستكفي، وتسللت الأتراك إلى الموصل، فأقامت الديلم ببغداد، ونزل أبو الحسين أحمد بن بويه المذكور بباب الشماسية، فقدّم إليه الخليفة التقاديم والتحف، ثم دخل ابن بويه إلى خدمة الخليفة وبايعه، فلقبه يومئذ: معز الدولة، ولقب أخاه الحسن: ركن الدولة، وأخاه عليا: عماد الدولة، وأمر أن تكتب ألقابهم على الدنانير والدراهم، واستوسقت المملكة لمعز الدولة، فلما تمكن .. كحل المستكفي بالله، وخلعه من الخلافة، وذلك أن علما القهرمانة-وهي كانت السبب في ولاية المستكفي- عملت دعوة عظيمة حضرها مقدم الديلم وعدة أمراء، فخاف معز الدولة من غائلتها؛ لأنها قد عرفت بالشهامة والتدبير ونقل الملك، وكان بعض الشيعة أيضا يثير الفتن ببغداد، فآذاه الخليفة المستكفي، وكان معز الدولة متشيعا، فلما كان في جمادى الآخرة .. دخل الأمراء إلى الخليفة، ودخل معز الدولة، فتقدم اثنان وطلبا من الخليفة المستكفي رزقهما، فمد لهما يده ليقبلاها، فجذباه إلى الأرض وسحباه، فوقعت الصيحة، ونهبت دار الخلافة، وقبضوا على علم القهرمانة، وعلى خواص الخليفة، وساقوا المستكفي ماشيا، وسملوه، وهو ثالث الخلفاء المسمولين، أولهم القاهر، ثم المتقي، ثم المستكفي، ثم أحضر معز الدولة أبا القاسم الفضل بن المقتدر، فبايعه، ولقبه المطيع لله، وقرر له معز الدولة كل يوم مائة دينار، وانحط دست الخلافة إلى هذه المنزلة، فلم يصر بيد الخليفة من جميع الدنيا إلا هذا القدر للنفقة مع شدة الغلاء؛ فإنهم في شعبان من هذه السنة كانوا ببغداد يأكلون الميتات والآدميين، ومات الناس على الطرق، ولم يوجد من يدفنهم، وبيعت الدور برغفان، واشترى المطيع كر دقيق بعشرة آلاف درهم.
قال الشيخ اليافعي: (والكر على ما قيل: ستة آلاف رطل بغدادي، فعلى هذا يكون قيمة كل رطل درهم وثلثي درهم، وهذا الغلاء وإن كان شديدا .. فقد وقع بمكة ما هو أشد منه، بلغ ثمن الرطل الدقيق نحو درهمين في سنة ست وستين وسبع مائة (1)، وبلغ في الزمن القديم على ما أخبرني من أثق به من شيوخ المجاورين فوق أربعة دراهم، وقع ذلك في زمانه، وبلغ في تهامة اليمن نحو هذا المبلغ قبيل التاريخ المذكور، وقبل ابتداء إنشاء تاريخي هذا بسنة) انتهى كلام الشيخ اليافعي (2).
(1) في «مرآة الجنان» (2/ 314): (في سنة ست وسبع مائة).
(2)
«مرآة الجنان» (2/ 313).
وفي بعض التواريخ (1) أنه اشتد الغلاء ببغداد في هذه السنة حتى اشتري لناصر الدولة كر دقيق من حوّاري (2) بعشرين ألف درهم، فيكون ثمن الرطل ثلاثة دراهم وثلث.
وفي التاريخ المذكور أيضا أن ناصر الدولة توجه إلى بغداد ومعه ابن شيرزاد، ونزل بالجانب الشرقي، ونزل معز الدولة بالعرائم (3)، ودامت الحرب بين معز الدولة وناصر الدولة، ثم تم الصلح بينهما في سنة خمس وثلاثين (4).
وفيها: -أعني سنة أربع وثلاثين-دثرت بغداد، وتداعت إلى الخراب من شدة القحط والفتن والجور (5).
وفيها: اصطلح سيف الدولة والإخشيذ، وصاهره، وتقرر لسيف الدولة حلب وحمص وأنطاكية (6).
وفيها: توفي الإخشيذ محمد بن طغج الفرغاني ملك مصر والشام والحجاز وغيرها.
وفيها: توفي الوزير العدل علي بن عيسى بن داود بن الجراح البغدادي الكاتب.
وفيها: توفي القائم بأمر الله أبو القاسم محمد بن المهدي عبيد الله، الداعي الباطني، صاحب المغرب.
وفيها: توفي القاضي أبو الحسن أحمد بن عبد الله الخرقي، والشيخ الكبير أبو بكر الشبلي واسمه: دلف بن جحدر.
وفيها: توفي أبو بكر الصنوبري، وابن عياش القطان، وعثمان بن محمد الذهبي، وعلي بن إسحاق المادرائي، وأبو علي محمد بن سعيد الحراني.
وفيها: كانت بين نوح بن نصر صاحب خراسان وبين عمه إبراهيم وقعة بنيسابور، فهزم نوح، وكلّ جيشه (7).
(1) هذه القصة مذكورة في «المنتظم» (8/ 236)، ولكن فيه أن الذي اشتري له كسر دقيق معز الدولة لا ناصر الدولة، وفي «الكامل في التاريخ» (7/ 161) أن أصحاب معز الدولة منعوا من الميرة والعلف، وكان السعر عند ناصر الدولة رخيصا.
(2)
حوّاري: بالضمّ وتشديد الواو مقصور، ما حوّر من الطعام؛ أي: بيّض، وهذا دقيق حواري.
(3)
هذه الكلمة غير واضحة في الأصول، وفي «الكامل في التاريخ» (7/ 161) أن معز الدولة نزل بالجانب الغربي.
(4)
«المنتظم» (8/ 231)، و «الكامل في التاريخ» (7/ 156)، و «تاريخ الإسلام» (25/ 24)، و «العبر» (2/ 240)، و «مرآة الجنان» (2/ 313)، و «تاريخ ابن خلدون» (3/ 520).
(5)
«العبر» (2/ 240)، و «مرآة الجنان» (2/ 312)، و «شذرات الذهب» (4/ 184).
(6)
«تاريخ الإسلام» (25/ 24)، و «العبر» (2/ 240)، و «شذرات الذهب» (4/ 184).
(7)
«الكامل في التاريخ» (7/ 170).