الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإسناده ضعيف. وقيل: معناه زيادة لك خالصة، لأن تطوع غيره يكفر ما على صاحبه من ذنب، وتطوعه هو عليه الصلاة والسلام يقع خالصًا له، لكونه لا ذنب عليه. وروى معنى ذلك الطبريُّ وابن أبي حاتم عن مجاهد بإسناد حسن، وعن قتادة كذلك، ورجَّح الطبريُّ الأول وليس الثاني ببعيد عن الصواب.
الحديث الأول
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الْحَمْدُ، لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ، وَالْجَنَّةُ حَقٌّ، وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ، وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ، لَا إِلَهَ إِلَاّ أَنْتَ أَوْ لَا إِلَهَ غَيْرُكَ.
قوله: "إذا قام من الليل يتهجد" في رواية مالك عن أبي الزُّبير عن طاوس: "إذا قام إلى الصلاة من جوف الليل" وظاهر السياق أنه كان يقوله أوّل ما يقوم إلى الصلاة، وترجم عليه ابن خُزيمة الدليل على أن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يقولُ هذا التحميد بعد أن يكبر، ثم ساقه عن قيس بن سعد عن طاووس عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام للتهجد قال بعدما يكبِّر: "اللهُمَّ لك الحمد" وسيأتي هذا في الدعوات عن كُريب عن ابن عباس، في حديث مبيته عند النبي صلى الله عليه وسلم في بيت ميمونة، وفي آخره:"وكان في دعائه: اللهم اجعل في قلبي نورًا" الحديث. وهذا قاله لما أراد أن يخرج إلى صلاة الصبح، كما بيَّنه مسلم من رواية علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه.
وقوله: "قيّم السموات" في رواية أبي الزبير المذكور "قيَّام السموات" وفي رواية "قيّم السموات والأرض" بدون لفظة "أنت" ولكنه مقدر في صورة الحذف. لأن قيّم السموات والأرض مرفوع على أنه خبر مبتدأ محذوفٍ، وهو أنت والقَيِّم والقَيَّام والقَيُّوم بمعنى واحد، وهو الدائم القائم بتدبير الخلق المعطي له ما به قوامه، أو القائم بنفسه المقيم لغيره من كل موجود، حتى لا يتصور وجود شيء، ولا دوام وجوده إلاّ به. وقال التَّورْبَشْتيّ: والمعنى أنت الذي تقوم بحفظها، وحفظ من أحاطت به، واشتملت عليه، تؤتي كلًا ما به قوامُه، وتقوم على كل شيء من خلقك بما تراه من تدبيرك. وعبّر "بمن" في قوله:"ومَنْ فيهنّ" دون ما تغليب للعقلاء على غيرهم. وقيل: "قيّام" على المبالغة من قام بالشيء، إذا هَيّأ له جميع ما يحتاج إليه، وقيل:"قيّم السموات والأرض" خالقهما
وممسكهما أن تزولا، وأصل قَيِّم قَيْوم على وزن فيْعِل مثل صَيِّب، وأصل القَيّوم القَيْوُوم، اجتمعت الياء والواو، وسبق إحداهما بالسكون، فوجب قلب الواو ياء، وأُدغمت الأولى في الثانية على القاعدة التصريفية.
وقوله: "أنت نور السموات والأرض" أي: منورهما، وبك يهتدي مَنْ فيهما. وقيل: المعنى أنت المنزه عن كل عيب. يقال: فلان مُنَوِّر أي مُبَرَّأ من كل عيب. ويقال: هو اسم مدح، تقول: فلان نور البلد، أي: مُزَيِّنُه. وقال أبو العالية: مُزَيّن السموات بالشمس والقمر والنجوم، ومزين الأرض بالأنبياء والعلماء والأولياء.
وقوله: "أنت ملك السموات والأرض" كذا للأكثر، وللكشميهنيّ "لك ملك السموات" والأول أشبه بالسياق. وقوله:"أنت الحق" أي: المتحقق الوجود، الثابت بلا شك فيه، قال القرطبيّ: هذا الوصف، له سبحانه، بالحقيقة خاص، لا ينبغي لغيره، إذ وجوده لنفسه، فلم يسبقه عدم، ولا يلحقه عدم، بخلاف غيره. وقال ابن التين: يحتمل أن يكون معناه أنت الحق بالنسبة إلى مَنْ يدعي فيه أنه إله، أو بمعنى إنْ من سَمّاك إلهًا فقد قال الحق.
وقوله: "ووعدك الحق" الوعد يطلق، ويراد به الخير والشر كلاهما، والخير أو الشر خاصة. قال تعالى:{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ} وليس في وعد الله خُلْفٌ، فلا تخلف الميعاد، ويجزي الذين أساؤوا بما عملوا إلَاّ مَنْ تجاوز عنه، ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى، وقيل في قوله:"إن الله وعدكم وعد الحق" أي وعد الجنة مَنْ أطاعه، ووعد النار مَنْ عصاه وكفر به، ويحتمل أن يريد أن وعده حق، بمعنى إثبات أنه قد وعد بالحق: بالبعثِ والحشرِ والثوابِ والعقابِ، إنكارًا لقول مَنْ أنكر وعده بذلك، وكذب الرسل فيما بلغوه من وعده ووعيده.
وقوله: "ولقاؤك حق" فيه الإقرار بالبعث بعد الموت، وهو عبارة من مآل الخلق في الدار الآخرة بالنسبة إلى الجزاء على الأعمال، وقيل: معنى "لقاؤكَ حق" أي: الموت، وأبطله النّوويّ. وقيل: رؤيتك في الدار الآخرة، حيث لا مانع. وقولك:"حق" أي: مدلوله ثابت، واللقاء وما ذكر بعده داخل تحت الوعد، لكن الوعد مصدر، وما ذكر بعده هو الموعود به، ويحتمل أن يكون من الخاص بعد العام، كما أن ذكر القول بعد الوعد من العام بعد الخاص.
وقوله: "والجنة حق، والنار حق" فيه إشارة إلى أنهما موجودتان، وقوله:"ومحمد صلى الله عليه وسلم حق" خصه بالذكر بعد تعريف النبيئين بلام الاستغراق الداخل هو فيه، تعظيمًا له، وعطفه عليهم إيذانًا بالتغاير وأنه فائق عليهم بأوصاف مختصة به، فإن تغير الوصف بمنزلة التغير في الذات، ثم حكم عليه استقلالًا بأنه حق وجرده عن ذاته كأنه غيّره، وأوجب عليه الإيمان به، وتصديقه، مبالغة في إثبات نبوّته، كما في التشهد.
وقوله: "والساعة حق" أي: يوم القيامة، وأصل الساعة القطعة من الزمان، ثم استعيرت للوقت
الذي تقام فيه القيامة، يريد أنها ساعة خفيفة يحدث فيها أمر عظيم. وقد مرّ الكلام عليها في حديث سؤال جبريل. وإطلاق اسم الحق على ما ذكر من الأمور معناه أنه لابد من كونها، وأنها مما يجب أن يُصَدَّق بها، وتكرار لفظ حق للمبالغة في التأكيد، وتكرير الحمد للاهتمام بشأنه، وليناط به كل مرة معنى آخر. وفي تقدم الجار والمجرور إفادة التخصيص. وكأنه عليه الصلاة والسلام لما خَصَّ الحمد بالله قيل: لِمَ خصصتني بالحمد؟ قال: لأنك أنت الذي تقوم بحفظ المخلوقات، إلى غير ذلك، وإنما عرف الحق في قوله:"أنت الحق، ووعدك الحق" ونكر البواقي للحصر؛ لأن الله هو الحق الثابت الدائم الباقي، وما سواه في معرض الزوال. قال لبيد:
طويل
ألا كُلُّ شيء ما خلا الله باطلُ
…
وكلُّ نعيم، لا محالَةَ، زائل
وكذا وعده مختص بالإنجاز دون وعد غيره. قال السّهيليُّ: التعريف للدلالة على أنه المستحق لهذا الاسم بالحقيقة، إذ هو مقتضى هذه الأداة، وكذا في وعدك الحق؛ لأن وعده كلامه، ونكرت في البواقي لأنها أُمور محدَثَة، والمُحْدَثُ لابجب له البقاء من جهة ذاته، وبقاء ما يدوم منه علم بالخبر الصادق لا من جهة استحالة فنائه. وتَعَقَّبه في المصابيح بأنه يرد عليه قوله في هذا الحديث. وقولك:"حق" مع أن قوله كلامه القديم، فينظر وجهه.
وقوله: "اللهم لك أسلمت" أي انقَدْتُ، وخضعتُ لأمرك ونهيك، واستسلمت لجميع ما أمرت به، ونهيت، لما رجع صلى الله عليه وسلم إلى مقام العبودية، ونظر إلى افتقار نفسه، نادى بلسان الاضطرار في مطاوي الانكسار فقال: "اللهم لك أسلمت
…
" إلخ. وقوله: "وبك آمنت" أي: صدَّقْت بك، وبما أنزلت من أخبار وأمر ونهي. وظاهره أن الإيمان والإسلام متغايران، وقد مرّ تحقيق ذلك في أوّل كتاب الإيمان، وفي حديث سؤال جبريل.
وقوله: "وعليك توكلت" أي: فوّضت أمري إليك قاطعًا النظر عن الأسباب العادية. ويقال: أي: تبرأت من الحول والقوة، وصغت أمري إليك، وأيقنت أنه لن يصيبني إلاّ ما كتب لي أو عَلَيّ، ففوضت أمري إليك، ونِعْم المفوَّض إليه، والوكيل الكافي. وقوله:"وإليك أنبَتُ" أي: رجعت إليك في تدبير أمري، والنيابة الرجوع، أي: رجعت ذليلًا مقبلًا بالقلب عليك، ومعناه رجعت إلى عبادتك. وقوله:"وبك خاصمت" أي: وبما أعطيتني من البرهان، ولقنتني من الحجة خاصمت المعاند، وقمعته بالحجة والسيف.
وقوله: "وإليك حاكمت" أي: كل مَنْ جحد الحق حاكمته إليك، وجعلتك الحاكم بيننا، لا ما كانت الجاهلية تتحاكم إليه من كاهن ونحوه. والمحاكمة رفع القضية إلى الحاكم، وقدم مجموع صلاة هذه الأفعال عليها إشعارًا بالتخصيص، وإفادة للحصر. وقوله:"فاغفر لي" قال: وذلك مع كونه مغفورًا له، إما على سبيل التواضع والهضْم لنفسه، وإجلالًا وتعظيمًا لربه، أو على سبيل