الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصل بالليل
قال ابن التين وغيره: قوله: إذا لم يصل، مخالف لظاهر حديث الباب؛ لأنه دال على أنه يعقد على رأس مَنْ صلى ومَنْ لم يصل، لكن مَنْ صلّى بعد ذلك تنحل عقده، بخلاف مَنْ لم يصل، وأجاب ابن رشيد بأن مراد البخاريّ "باب بقاء عقد الشيطان" إلخ وعلى هذا فيجوز أن يقرأ قوله:"عقد" بلفظ المصدر، أو بلفظ الجمع، وقد ذكر المازريّ الإيراد بعينه ثم قال: يعتذر عنه بأنه إنما قصد من يسند أم العقد على رأسه بترك الصلاة، وكأنه قدر من انحلت عقده، كأنْ لم يعقد عليه. ويحتمل أن تكون الصلاة المنفية في الترجمة صلاة العشاء، فيكون التقدير إذا لم يصل العشاء، فكأنه يرى أن الشيطان إنما يفعل ذلك بمن نام قبل صلاة العشاء، بخلاف مَنْ صلاها، ولاسيما في الجماعة، وكأن هذا هو السر في إيراده لحديث سمرة عقب هذا الحديث؛ لأنه قال فيه: وينام عن الصلاة المكتوبة، ولا يعكر على هذا كونه أورد هذه الترجمة في تضاعيف صلاة الليل؛ لأنه يمكن أن يجاب عنه بأنه أراد دفع توهم من يحمل الحديثين على صلاة الليل؛ لأنه ورد في بعض طرق حديث سمرة مطلقًا غير مقيد بالمكتوبة، والوعيد علامة الوجوب، وكأنه أشار إلى خطأ من احتج به على وجوب صلاة الليل، حملًا للمطلق على المقيد.
ويقوّي الاحتمال المذكور ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: "أنّ مَنْ صلّى العشاء في جماعة كان كمن قام نصف الليل" لأن مسمَّى قيام الليل يحصل للمؤمن بقيام بعضه، فحينئذ يصدق على مَنْ صلّى العشاء في جماعة، أنه قام الليل، والعقد المذكورة تنحل بقيام، فصار مَنْ صلّى العشاء في جماعة كمن قام الليل في حل عقد الشيطان، وخفيت المناسبة على الإسماعيليّ فقال: ورفض القرآن ليس هو ترك الصلاة بالليل، ويتعجب من إغفاله آخر الحديث، حيث قال فيه: وينام عن الصلاة المكتوبة.
الحديث الثالث والعشرون
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ، فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ، وَإِلَاّ
أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ.
قوله: "الشيطان" كأن المراد به الجنس، وفاعل ذلك هو القرين أو غيره، ويحتمل أن يراد به رأس الشياطين، وهو إبليس، وتجوز نسبة ذلك إليه لكونه الأمر به، الداعي إليه. ولذلك أورده المصنف في "باب صفة إبليس" من "بدء الخلق". وقوله: قافية رأس أحدكم، أي مؤخر عنقه. وقافية كل شيء مؤخره، ومنه قافية القصيدة، وفي "النهاية": القافية القفا، وقيل: موخر الرأس، وقيل وسطه. وظاهر قوله:"أحدكم" التعميم في المخاطبين، ومن في معناهم، ويمكن أن يخص منه من تقدم ذكره، ومن ورد في حقه أنه يحفظ من الشياطين، كالأنبياء، ومن تناوله قوله:{إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} وكمن قرأ آية الكرسي، عند نومه، فقد ثبت أنه يُحفظ من الشيطان حتى يُصبح، فقد جاء في هذا الحديث عن أبي هريرة في الوكالة:"أن قارىء آية الكرسيّ عند نومه لا يقربه شيطان" وقد يظن أن بينهما معارضة، وليس كذلك؛ لأن العقد إن حمل على الأمر المعنوي، والقرب على الأمر الحسين، وكذا العكس، فلا إشكال، إذ لا يلزم من سحره إياه مثلًا، أن يماسَّه، كما لا يلزم من مماسته أن يقربه بسرقة أو أذىً في جسده ونحو ذلك، وإن حُملا على المعنويين، أو العكس، فيجاب بادعاء الخصوص في عموم أحدهما، والأقرب أن المخصوص حديث الباب، لما قال ابن عبد البر: إن الذم في الحديث يختص بمن لم يقم إلى صلاته وضيعها، أما من كانت عادته القيام إلى الصلاة المكتوبة أو إلى النافلة بالليل، فغلبته عينه فنام، فقد ثبت أن الله يكتب له أجر صلاته، ونومه صدقة عليه. ويأتي في تفسير العقد.
وقوله: "إذا هو نام" كذا للأكثر، وللحمويَّ والمستملي:"إذا هو نائم" على وزن فاعل، والأول أصوب، وهو الذي في الموطأ. وقوله:"يضرب على مكان كل عقدة" كذا للمستملي، ولبعضهم بحذف "على" وللكشميهنيّ بلفظ:"عند مكان". وقوله: "يضرب" أي: بيده على العقدة، تأكيدًا أو إحكامًا لها، قائلاً ذلك. وقيل: معنى "يضرب" يحجب الحسّ عن النائم حتى لا يستيقظ، ومنه قوله تعالى:{فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ} أي: حجبنا الحس أن يلج في آذانهم فينتبهوا. وفي حديث أبي سعيد: "ما أحد ينام إلا ضرب على سماخه بجرير معقود". أخرجه المخلص في فوائده، والسِماخ بكسر السين المهملة وآخره معجمة، ويقال بالصاد المهملة بدل السين، والجرير، بفتح الجيم، الحبل. وعن سعيد بن منصور بسند جيد عن ابن عمر "ما أصبح رجل على غير وتر إلا أصبح على رأسه جرير قدر سبعين ذراعًا".
وقوله: "عليك ليل طويل"، كذا في جميع الطرق عن البخاري، بالرفع على الابتداء، أي: باق عليك طويل، أو بإضمار فعل، أي: بقي، وفي رواية أبي مصعب عن مالك في الموطأ "عليك ليلًا طويلًا" وهي رواية ابن عُيينة عن أبي الزِّناد عند مسلم. قال عِياض: رواية الأكثر عن مسلم بالنصب على الإغراء، وقال القرطبيّ: الرفع أولى من جهة المعنى؛ لأنه الأمكن في الفرور من حيث أن يخبره عن طول الليل، ثم يأمره بالرقاد، بقوله:"فارقد"، وإذا نصب على الإغراء لم يكن
فيه إلا الأمر بملازمة طول الرقاد، وحينئذٍ يكون قوله:"فارقد" ضائعًا، ومقصود الشيطان بذلك تسويفه بالقيام والإلباس عليه.
وقد اختلف في هذا العقد، فقيل: هو على الحقيقة، وأنه كما يعقد الساحر من يسحره، وأكثر من يفعله النساء، تأخذ إحداهن الخيط فتعقد منه عقدة، وتتكلم عليه بالسحر، فيتأثر المسحور عند ذلك، ومنه قوله تعالى:{وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} وعلى هذا، فالمعقود شيء عند قافية الرأس، لا قافية الرأس نفسها. وهل العقد في شعر الرأس أو غيره؟ الأقرب الثاني، إذ ليس لكل أحد شعر، ويؤيده ما ورد في بعض طرقه:"أن على رأس كل آدمي حبلًا" ففي ابن ماجه ومحمد بن نصر عن أبي هريرة مرفوعًا "على قافية رأس أحدكم حبل فيه ثلاث عقد"، ولأحمد عن أبي هريرة أيضًا:"إذا نام أحدكم عقد على رأسه بجرير" ولابن خُزيمة وابن حِبّان عن جابر مرفوعًا "ما من ذكر ولا أُنثى إلا على رأسه جرير معقود حين يرقد" الحديث، وفي الثواب لآدم بن أبي إياس من مرسل الحسن نحوه، وفهم بعضهم من هذا أن العقد لازمة، ويرده التصريح بأنها تنحل بالصلاة". فتلزم إعادة عقدها، فابهم فاعله في حديث جابر، وفسر في حديث غيره، وقيل: هو على المجاز، كأنه شبه فعل الشيطان بالنائم، بفعل الساحر بالمسحور، فلما كان الساحر يمنع بعقده ذلك تصرفَ من يحاول عقده، كان هذا مثله من الشيطان للنائم.
وقيل: المراد به عقد القلب وتصميمه على الشيء، كأنه يوسوس له بأنه بقي من الليل قطعة طويلة، فيتأخر عن القيام. وانحلال العقد كناية عن علمه بكذبه فيما وسوس به. وقيل: العقد كناية عن تثبيط الشيطان للنائم بالقول المذكور، ومنه:"عقدتُ فلانًا عن امرأته" أي: منعته عنها، أو عن تثقيله عليه النوم، كأنه قد شد عليه شدادًا. وقال بعضهم: المراد بالعُقَد الثلاث الأكل والشرب والنوم؛ لأن مَنْ أكثر الأكل والشرب كثُر نومه، واستبعده المُحِبّ الطَّبريّ؛ لأن الحديث يقتضي أن العُقَد تقع عند النوم، فهي غيره.
قال القرطبي: الحكمة في الاقتصار على الثلاث أن أغلب ما يكون انتباه الإنسان في السحر، فإذا اتفق له أن يرجع إلى النوم ثلاث مرات، لم تنقض النومة الثالثة إلا وقد ذهب الليل. وقال البيضاوي: بالثلاث إما للتأكيد، أو لأنه يريد أن يقطعه عن ثلاثة أشياء: الذكر، والوضوء والصلاة، فكأنه مَنع من كل واحدة منها بعقدة عقدها على رأسه، وكأن تخصيص القفا بذلك لكونه محل الوهم، ومجال تصرفه. وهو أطوع القوى للشيطان، وأسرعها إجابةً لدعوته، وفي كلام الشيخ الملويّ أن العَقْد يقع على خزانة الإلهيات من الحافظة، وهي الكنز المحصَّل من القويّ، ومنها يتناول القلب ما يريد التذكر به.
وقوله: "انحلت عقده" أي: بلفظ الجمع، بغير اختلاف في البخاري، ولبعض رواة الموطأ بالإفراد، ويؤيده رواية أحمد المشار إليها قبل، فإنَّ فيها "فإنْ ذكر الله انحلت عقدة واحدة، وإن قام
فتوضأ أطلقت الثانية، فإن صلى أطلقت الثالثة" وكأنه محمول على الغالب، وهو من ينام مضطجعاً فيحتاج إلى الوضوء إذا انتبه، فيكون لكل فعل عقدة قال في "الفتح": قلت: هذا منه جرى على مذهبه، وكأنه جعل السنة جاريةً على مذهبه، ولم ينتبه إلى أن نقض وضوء الجالس بالنوم هو مذهب مالك. وكثير من العلماء. ثم قال: ويؤيد الأول ما يأتي في بدء الخلق من وجه آخر. بلفظ: "عقده كلها" ولمسلم من رواية ابن عُيينة عن أبي الزناد "انحلت العقد"، وظاهره أن العقد تنحل كلها بالصلاة خاصة، وهو كذلك في حق مَنْ لم يحتج إلى الطهارة، كمن نام متمكنًا مثلًا، ثم انتبه فصلى من قبل أن يذكر أو يتطهر، فإن الصلاة تجزئه في حل العُقد كلها؛ لأنها تستلزم الطهارة، وتتضمن الذكر، وعلى هذا فيكون معنى قوله: "فإذا صلّى انحلت عقده كلها" إن كان المراد به مَنْ لا يحتاج إلى الوضوء، فظاهر على ما قررناه، وإن كان من يحتاج إليه، فالمعنى انحلت عقده كلها بانحلال الأخيرة، التي بها يتم انحلال العقد.
وفي رواية أحمد المذكورة قبل: "فإن قام فذكر الله انحلت واحدة، فإن قام فتوضأ أطلقت الثانية، فإن صلى أطلقت الثالثة" وهذا محمول على الغالب، وهو مَنْ ينام مضطجعًا فيحتاج إلى تجديد الطهارة عند استيقاظه، فيكون لكل فعل عقدة يحلها. قلت: هذا البحث كله غير محتاج إليه، ولا مخالفة بين الروايات قطعًا ولا فيها شيء يوهم المخالفة، فإن البخاري، ومن وافقه، ممن أتى بلفظ الجمع عند الصلاة، قصد تمام انحلال العقد بانحلال الأخيرة منها، ومن عبر بالإفراد قصد انحلال الأخيرة، وبانحلالها يتم انحلال الثلاث، ولا دخل لكون الإنسان قاعدًا أو مضطجعًا في معنى الحديث، بل الحديثُ عبر بالنوم، فيشمل كل نائم على أي حالٍ كان، وبالله تعالى التوفيق.
وقوله: "طيب النفس" أي: لسروره بما وفقه الله له من الطاعة، وبما وعده من الثواب، وبما زال عنه من عقد الشيطان، كذا قال. والذي يظهر أن في صلاة الليل سرًا في طيب النفس، إن لم يستحضر المصلي شيئًا مما ذكر، وكذا عكسه، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى:{إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا} وقد استنبط بعضهم منه، أنَّ مَنْ فعل ذلك مرة ثم عاد إلى النوم، لا يعود إليه الشيطان بالعقد المذكررثانيًا، واستثنى بعضهم، ممن يقوم ويذكر ويتوضأ ويصلي، مَنْ لم ينهه ذلك عن الفحشاء، بل يفعل ذلك من غير أن يقلع، والذي يظهر فيه التفصيل بين مَنْ يفعل ذلك مع الندم والتوبة والعزم على الإقلاع، وبين المصرِّ.
وقوله: "وإلا أصبح خبيث النفس" أي: بتركه ما كان اعتاده، أو أراد من فعل الخير، كذا قيل. وفيه ما تقدم. وقوله:"كسلان" غير مصروف للوصف وزيادة الألف والنون، ومقتضى قوله: وإلا أصبح أنه إنْ لم يجمع الأمور الثلاثة، دخل تحت من يصبح خبيثًا كسلان، وإن أتى ببعضها، وهو كذلك، لكن يختلف ذلك بالقوة والخفة، فمن ذكر الله مثلًا كان في ذلك أخف ممن لم يذكر الله أصلًا، وفي حديث أبي سعيد المشارُ إليه عند قوله: "يضرب على مكان كل عقدة، فإن قام وصلّى
انحلت العقد كلهن، وإن استيقظ ولم يتوضأ ولم يصل أصبحت العُقد كلها كهيئتها". وزعم قوم أن هذا الحديث يعارض قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يقولنَّ أحدكم خبثتْ نفسي" وليس كذلك؛ لأن النهي إنما ورد عن إضافة المرء ذلك إلى نفسه، كراهةً لتلك الكلمة. وهذا الحديث وقع ذمًا لفعله، ولكل من الحديثين وجه. وقال الباجيّ: لا اختلاف بين الحديثين؛ لأنه نهى عن إضافة ذلك إلى النفس، لكون الخبث بمعنى فساد الدين، ووصف بعض الأفعال بذلك تحذيرًا منها وتنفيرًا، وتقدير الأشكال هو أنه صلى الله عليه وسلم، نهى عن إضافة ذلك إلى النفس، فكل ما نهي المؤمن أن يضيفه إلى نفسه، نهي أن يضيفه إلى أخيه المؤمن، وقد وصف، صلى الله عليه وسلم، هذا المرء بهذه الصفة، فيلزم جواز وصفنا له بذلك، لمحل التآسي، ويحصل الانفصال فيما يظهر، بأن النهي محمول على ما إذا لم يكن هناك حامل على الوصف بذلك، كالتنفير والتحذير. وهنا فوائد ينبغي التنبيه عليها:
الأولى: ذكر الليل في قوله: "عليك ليل"، ظاهره اختصاص ذلك بنوم الليل، وهو كذلك، لكن لا يبعد أن يجيء مثله في نوم النهار، كالنوم حالة الإيراد مثلًا، ولاسيما على تفسير البخاري مِن أن المراد بالحديث الصلاةُ المفروضة، كما مرّ.
الثانية: ادَّعى ابن العَرَبيّ أن البخاري أومأ هنا إلى وجوب قيام الليل، لقوله:"يعقد الشيطان" وفيه نظر، فقد صرّح البخاري في الترجمة الخامسة من أبواب التهجد بخلافه، حيث قال: من غير إيجاب، وأيضًا فما مرّ تقريره من حمل الصلاة هنا على المكتوبة، يدفع ما قاله ابن العربي أيضًا. وما في القول بإيجابه نقلٌ إلا عن بعض التابعين. وقال ابن عبد البَرّ: شذ بعض التابعين، فأوجب قيام الليل، ولو قدر حلب شاة، والذي عليه جماعة العلماء أنه مندوب إليه، ونقله غير عن الحسن وابن سيرين، والذي وجد عن الحسن، ما أخرجه محمد بن نصر وغيره عنه، أنه قيل له: ما تقول في رجل استظهر القرآن كله لا يقوم به، إنما يصلي المكتوبة؟ فقال: لعن الله هذا، إنما يتوسد القرآن. فقيل له: قال الله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} قال: نعم، ولو قدر خمسين آية. وكان هذا هو مستند من نقل عن الحسن الوجوب.
ونقل التِّرْمِذِيّ عن إسحاق بن راهَوَيه أنه قال: إنما قيام الليل على أصحاب القرآن، وهذا يخصص ما نقل عن الحسن، وهو أقرب، وليس فيه تصريح بالوجوب أيضاِّ. وقد مرّ بعض الكلام عليه في أول التهجد.
الثالثة: ذَكر الحافظ أبو الفضل بن الحسين في شرح التِّرمِذِيّ أن السر في استفتاح صلاة الليل بركعتين خفيفتين، المبادرةُ إلى حل عقد الشيطان، وبناه على أن الحل لا يتم إلا بتمام الصلاة، وهو واضح؛ لأنه لو شرع في صلاة، ثم أفسدها لم يساوِ من أتمها، وكذا الوضوء. وكأنَّ الشروع في حل العقد يحصل بالشروع في العبادة، وينتهي بانتهائها. وقد ورد الأمر بصلاة الركعتين الخفيفتين عند مسلم، من حديث أبي هريرة، فاندفع إيراد مَنْ أورد أن الركعتين الخفيفتين إنما