الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تضييع حق الزوج والتبرج، وما ينشأ منهن من الصياح ونحو ذلك، فقد يقال: إذا أُمِن جميعُ ذلك فلا مانع من الإِذن، لأن تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء.
وفرق قوم بين قواعد النساء وشبابهن، وبين أن ينفردنَ بالزيارة أو يخالطن الرجال، فقال القرطبيّ: أما الشَّواب فحرام عليهن الخروج، وأما القواعد فمباح لهن ذلك، وجائز ذلك لجميعهن إذا انفردنَ بالخروج عن الرجال.
الحديث الرابع والأربعون
حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا ثَابِتٌ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِامْرَأَةٍ تَبْكِي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ اتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي. قَالَتْ إِلَيْكَ عَنِّي، فَإِنَّكَ لَمْ تُصَبْ بِمُصِيبَتِي، وَلَمْ تَعْرِفْهُ. فَقِيلَ لَهَا إِنَّهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم. فَأَتَتْ بَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ تَجِدْ عِنْدَهُ بَوَّابِينَ فَقَالَتْ لَمْ أَعْرِفْكَ. فَقَالَ: إِنَّمَا الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى.
هذا الحديث قد مرَّ في باب قول الرجل للمرأة عند القبر: اصبري، بهذا السند والمتن، ومرَّ الكلام هناك على ما يتعلق بمعانيه مستوفى، واستدل به هنا على جواز زيارة القبور، سواء كان الزائر رجلًا أو امرأة كما مرَّ، وسواء كان المزور مسلمًا أو كافرًا، لعدم الاستفصال في ذلك.
قال النوويّ: وبالجواز قطع الجمهور، وقال صاحب الحاوي، أي الماوَرْدِيّ: لا تجوز زيارة قبر الكافر، وهو غلط، وحجة الماوردي قوله تعالى:{وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} قال في "الفتح": وفي الاستدلال بذلك نظرٌ لا يخفى. قلت: الظاهر ما قاله الماوَرْدِيّ من عدم جواز زيارة قبر الكافر، لما في زيارته من توهين عقيدة عوامّ المسلمين، وتعظيم محالّ الكفار، وتقويتهم على ضلالهم، ولأن محل قبر الكافر حفرة من حفر النار، كما في الحديث الصحيح، فكيف يؤمر بزيارة حُفر النار؟. وقد أمر عليه الصلاة والسلام بعدم دخول محالّ العذاب، وقبر الكافر من محالّ العذاب كتابًا وسنة واجماعًا. فما قاله الماورديّ متعين، واستدلاله واضح في محله.
وقال ابن حبيب: لا بأس بزيارة القبور والجلوس إليها والسلام عليها عند المرور بها، وقد فعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسئل مالك عن زيارة القبور فقال:"كان نهى عنه، ثم أذن فيه، فلو فعل ذلك إنسان، ولم يقل إلا خيرًا" لم أر بذلك بأسًا.
وفي "التوضيح" أجمعت الأمة على زيارة قبر نبينا صلى الله عليه وسلم، وأبي بكر وعمر رضي الله تعالى عنهما، وكان ابن عمر إذا قدم من سفر أتى قبره المكرم فقال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك يا أبتاه. ومعنى النهي عن زيارة القبور إنما كان في أول الإِسلام عند قربهم
لابن عمر تقدم موصولًا في الجمعة في باب الجمعة في القرى والمدن، ومرَّ استيفاء الكلام عليه هناك. ووجه الاستدلال به هو أن من جملة رعايته لهم أن يكون الشر من طريقته فيجري أهله عليه، أو يراهم يفعلون الشر فلا ينهاهم عنه، فيُسْأل عن ذلك ويؤاخذ.
وقد تعقب استدلال البخاري بهذه الآية الحديث على ما ذهب إليه من حمل حديث الباب عليه، لأن الحديث ناطق بأن الميت يُعَذّب ببكاء أهله، والآية والحديث يقتضيان أنه يعذب بسنته، فلم يتعدَّ الموردان، والجواب أنه لا مانع في سلوك طريق الجمع من تخصيص بعض العمومات، وتقييد بعض المطلقات، فالحديث، وإن كان دالًا على تعذيب كل ميت بكل بكاء، لكن دلت أدلةٌ أُخرى على تخصيص ذلك ببعض البكاء، كما يأتي توجيهه. وتقييد ذلك بمن كانت سنته أو أهمل النهي عن ذلك، فالمعنى على هذا أنَّ من يعذب ببكاء أهله من كان راضيًا بذلك، بأن تكون تلك طريقته الخ، ولذلك قال المصنف: فإذا لم يكن من سنته، أي: كمن كان لا شعور عنده، بأنهم يفعلون شيئًا من ذلك، أو أدى ما عليه، بأن نهاهم، فهذا لا مؤاخذة عليه بفعل غيره، ومن ثم قال ابن المبارك: إذا كان ينهاهم في حياته، ففعلوا شيئًا من ذلك بعد وفاته، لم يكن عليه شيء.
وقوله: فهو كما قالت عائشة، أي: كما استدلت عائشة بقوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} أي: ولا تحمل حاملة ذنبًا ذنب أُخرى عنها، وهذا حمل منه لانكار عائشة على أنها أنكرت عموم التعذيب لكل ميت بُكي عليه. وأما قوله:{وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لَا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ} ففي رواية أبي ذَرٍّ وحدَه "وإن تدع مثقلة ذنوبًا إلى حملها" وليست "ذنوبًا" في التلاوة، وإنما هو تفسير مجاهد، فنقله المصنف عنه، وموقع التشبيه في قوله: إن الجملة الأولى دلت على أن النفس المذنبة لا يؤاخذ غيرها بذنبها، فكذلك الثانية دلت على أن النفس المذنبة لا يحمل عنها غيرها شيئًا من ذنوبها، ولو طلبت ذلك ودعت إليه، ومحل ذلك كله إنما هو في حق من لم يكن له في شيء من ذلك تسبُّبٌ، وإلا فهو يشاركه، كما في قوله تعالى:{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ} وقوله صلى الله عليه وسلم "فإنْ توليتَ فإنما عليك إثم الإِرِّيْسِيين".
وقوله: وما يرخص من البكاء في غير نوح، هذا معطوف على أول الترجمة، أي: باب قول النبي الخ، وباب ما يرخص من البكاء، وكأنه أشار إلى حديث أبي مسعود الأنصاريّ وقُرَظَةَ كعب قالا: رخص لنا في البكاء عند المصيبة في غير نوح، أخرجه ابن أبي شيبة والطبرانيّ، وصححه الحاكم، لكن ليس إسناده على شرط البخاريّ، فاكتفى بالإشارة إليه، واستغنى عنه بأحاديث الباب الدالة على مقتضاة.
وقوله: وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم "لا تقتلُ نفس ظلمًا .. " الحديث، وهذا طرف من حديثٍ لابن مسعود، وصله المصنف في الدِّيات وغيرها، ووجه الاستدلال به أن القاتل المذكور يشارك من صنع