الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رجاله خمسة:
قد مرّوا، وفيه لفظ امرأة مبهمة، مرَّ مسلم بن إبراهيم في السابع والثلاثين من الإِيمان، ومرَّ شعبة في الثالث منه، ومرَّ أبو سعيد الخدريّ في الثاني عشر منه، ومرَّ ذكوان أبو صالح السّمان في الثاني منه، ومرَّ عبد الرحمن بن الأصبهاني في الثاني والأربعين من العلم.
لطائف إسناده:
فيه التحديث بالجمع والعنعنة والقول، ورواته بصريّ وواسطيّ وكوفيّ ومدنيّ، أخرجه البخاريّ في مواضع قد مرَّ ذكرها في باب "هل يجعل للنساء يومًا"، وأخرجه مسلم والنَّسائي. والمرأة المبهمة في الحديث أم سليم، أم أنس بن مالك، وقد مرت في السبعين من العلم.
ثم قال: وقال شريك عن ابن الأصبهاني: حدثني أبو صالح عن أبي سعيد وأبي هُريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم: لم يبلغوا الحِنْثَ، وصله ابن أبي شَيْبَةَ عنه بلفظ "حدثنا عبد الرحمن بن الأصبهاني قال: أتاني أبو صالح يعزّيني في ابن لي، فأخذ يحدّث عن أبي سعيد وأبي هُريرة أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: ما من امرأة تدفن ثلاثة أفراط إلا كانوا لها حجابًا من النار، فقالت امرأة: يا رسول الله، قدمتُ اثنين. قال: واثنين، ولم تسأله عن الواحد". قال أبو هريرة: من لم يبلغ الحنث.
وهذا السياق ظاهرة أن هذه الزيادة عن أبي هُريرة موقوفة، ويحتمل أن يكون المراد أن أبا هُريرة وأبا سعيد اتفقا على السياق المرفوع، وزاد أبو هُريرة في حديثه هذا القيد، وهو مرفوع أيضًا، وقد تقدم في العلم، من طريق أخرى عن شعبة عن أبي حازم عن أبي هُريرة، وقال:"ثلاثة لم يبلغوا الحنث" وهذه الزيادة في حديث أبي سعيد من رواية شريك، وفي حفظه نظر، لكنها ثابتة عند مسلم من رواية شعبة عن ابن الأصبهاني.
رجاله مرَّ محلها في الذي قبله إلا شريك، وشريك هو ابن عبد الله، وقد مرَّ في الخامس من العلم، وإلا أبو هريرة، وقد مرَّ في الثاني من الإِيمان.
الحديث الثالث عشر
حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَمُوتُ لِمُسْلِمٍ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ، فَيَلِجَ النَّارَ إِلَاّ تَحِلَّةَ الْقَسَمِ".
قوله: لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد، في "الأطراف" للمزيّ هنا "لم يبلغوا الحنث"، وليست
في رواية ابن عُيينة عند البخاريّ ولا مسلم، وإنما هي في متن الطريق الآخر، وفائدةُ إيراد هذه الطريق الأخيرة عن أبي هريرة، أيضًا، ما في سياقها من العموم في قوله:"لا يموت لمسلم .. " الخ، لشموله النساء والرجال، بخلاف روايته الماضية، فإنها مقيدة بالنساء.
وقوله: فيلجَ النار، بالنصب؛ لأنّ الفعل المضارع ينصب بعد النفي بتقدير أنْ، لكن حكى الطيبيّ أن شرطه أن يكون بين ما قبل الفاء وما بعدها سببية، ولا سببية هنا، إذ لا يجوز أن يكون موت الأولاد ولا عدمه سببًا لولوج من وَلَدهم النار، قال: وإنما الفاء بمعنى الواو التي للجمع، وتقريره لا يجتمع لمسلم موت ثلاثة من ولده، وولوجه النار لا محيد عن ذلك، إن كانت الرواية بالنصب، وهذا قد تلقَّاه جماعة عن الطيبيّ، وأقروه عليه، وفيه نظر لأنّ السببية حاصلة بالنظر إلى الاستثناء؛ لأنّ الاستثناء بعد النفي إثبات، فكان المعنى أن تخفيف الولوج مسبب عن موت الأولاد، وهو ظاهر لأنّ الولوج عام، تخفيفه يقع بأمور منها موت الأولاد بشرطه، وما ادعاه من أن الفاء بمعنى الواو التي للجمع فيه نظر وفي شرح "المشارق" للشيخ أكمل الدين، المعنى أن الفعل الثاني لم يحصل عقب الأول، فكأنه نفى وقوعهما بصفة أن يكون الثاني عقب الأول، لأنّ المقصود نفي الولوج عقب الموت، قال الطيبيّ: وإن كانت الرواية بالرفع، فمعناه لا يوجد ولوج النار عقب موت الأولاد إلا مقدارًا يسيرًا. وفي رواية مالك عن الزهريّ في الإِيمان والنذور بلفظ "لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد تمسُّه النار إلا تحلة القسم".
وقوله: تمسُّه بالرفع جزمًا، وقوله: إلا تحلة القسم، بفتح المثناة وكسر المهملة وتشديد اللام، أي ما ينحل به القسم، وهو اليمين، وهو مصدر حَلَّلَ اليمينِ، أي: كفَّرها يقال حلل تحليلًا. وتَحِلَّةَ وتَحلَّلًا بغير هاء، وهو شاذ، وقال أهل اللغة يقال فَعَلْتُه تحِلَّة القسم، أي: قدر ما حللت به يميني، ولم أبالغ. وقال الخطابي: حللت القسم تحلة أي: أبرزتها. وقال القرطبيّ اختلف في المراد بهذا القسم فقيل: هو مُعين وقيل غير معين، والجمهور على الأول، وقيل لم يعني به قسم بعينه، وإنما معناه التقليل لأمر ورودها، وهذا اللفظ يستعمل في هذا تقول: لا ينام هذا إلا لتحليل الألِيَّة. وتقول ما ضربته إلا تحليلًا إذا لم تبالغ في الضرب، أي: قدرًا يصيبه منه مكروه. وقيل الاستثنا بمعنى الواو، أي: لا تمسه النار قليلًا ولا كثيرًا، ولا تحلة القسم.
وقد جوز الفراء والأخفش مجيء إلا بمعنى الواو، وجعلوا منه قوله تعالى:{لَا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10) إِلَّا مَنْ ظَلَمَ} قال الخطابيّ: لا يدخل النار ليعاقب بها، ولكنه يدخلها مجتازًا، ولا يكون ذلك الجواز إلا قدر ما يحلل به الرجل يمينه، ويدل على ذلك ما عند عبد الرزاق عن الزهريّ في آخر هذا الحديث "إلا تحلة القسم" يعني الورود، وفي سنن سعيد بن منصور عن سُفيان بن عُيَينة في آخره، ثم قرأ:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} ، ومن طريق زمعة بن صالح عن الزهريّ في آخره قيل: وما تحلة القسم؟ قال قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} وفي رواية كريمة قال أبو عبد الله:
وإن منكم إلا واردها، وحكاه عبد الملك بن حبيب عن مالك في تفسير هذا الحديث، وروى الطبراني عن عبد الرحمن بن بشر الأنصاريّ مرفوعًا "من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث، لم يرد النار إلا عابر سبيل" يعني الجواز على الصراط.
وجاء مثله في حديث آخر أخرجه الطبرانيّ عن سهل بن معاذ بن أنس الجهنيّ عن أبيه، مرفوعًا "من حرس وراء المسلمين في سبيل الله متطوعًا لم ير النار بعينه إلا تحلة القسم فإن الله عز وجل قال وإن منكم إلا واردها" واختلف في موضع القسم من الآية، فقيل: هو مقدر أي، والله إن منكم، وقيل معطوف على القسم الماضي في قوله تعالى:{فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ} أيْ وربك إن منكم، وقيل هو مستفاد من قوله تعالى:{حَتْمًا مَقْضِيًّا} أي: قسمًا واجبًا. كذا رواه الطبرانيّ عن مُرة عن ابن مسعود، وعن ابن أبي نجيح عن مُجاهد، وعن سعيد عن قتادة في تفسير هذه الآية.
وقال الطيبيّ: يحتمل أن يراد بالقسم ما دَل على القطع والبت من السياق، فإن قوله:{كَانَ عَلَى رَبِّكَ} تقدير وتذييل لقوله: {وَإِنَّ مِنْكُمْ} فهذا بمنزلة القسم، بل أبلغ، لمجيء الاستثناء بالنفي والإِثبات.
وقد اختلف في المراد بالورود في الآية، فقيل: هو الدخول، روى عبد الرزاق عن عمرو بن دينار: أخبرني من سمع من ابن عباس: فذكره، وروى أحمد والنسائي والحاكم عن جابر، مرفوعًا "الورود الدخول، ولا يبقى بَرٌّ ولا فاجر إلا دخلها، فتكون على المؤمنين بردًا وسلامًا" ورواه ابن أبي شيبة أيضًا، وزاد "كما كانت على إبراهيم، حتى أن للنار أو لجهنم ضجيجٌ من بردهم، ثم ينجي الذين اتَّقَوا، ويذر الظالمين فيها جثيًا".
وروى التِّرمذيّ وابن أبي حاتم عن السَّديّ "سمعت مُرَّة يحدث عن ابن مسعود قال: يردونها أو يلجونها، ثم يصدرون عنها بأعمالهم" قال عبد الرحمن بن مَهْديّ: قلت لشعبة: إن إسرائيل يرفعه، قال: صدق، وعمَدَا أدعه. وقيل: المراد بالورود الممر عليها. رواه الطبريّ عن أبي هريرة، وعن عبد الله بن مسعود، وعن قتاد وعن كعب الأحبار، وزاد "يستوون كلهم على متنها، ثم ينادي منادٍ: امسكي أصحابك، ودعي أصحابي" فيخرج المؤمنون أندية أبدانهم، وهذان القولان أصح ما ورد في ذلك، ولا تنافي بينهما، لأنّ من عَبّر بالدخول، تجوَّز به عن المرور. ووجهه أن المار عليها فوق الصراط في معنى من دخلها، لكن تختلف أحوال المارة باختلاف أعمالهم، فأعلاهم درجة من يمر كلمع البرق، وقد مرَّ تفصيل ذلك مستوفى في "باب فضل السجود" من صفة الصلاة.
ويؤيد هذا التأويل ما رواه مسلم عن أم مُبَشِّر، أن حفصة قالت للنبيّ صلى الله عليه وسلم، لما قال لها:"لا يدخل أحد شهد الحُديْبية النار": أليس الله يقول {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} فقال لها: أليس الله