الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الكفن في ثوبين
كأنه أشار إلى أن الثلاثة في حديث عائشة ليست شرطًا في الصحة، وإنما هو مستحبّ، وهو قول الجمهور، واختلف فيما إذا شحَّ بعضُ الورثة بالثاني أو الثالث، قال في الفتح: والمرجح أنه لا يلتفت إليه، قلت: الراجح في مذهب مالك أنه لا يقضى بالفوائد إنْ شح الوارثُ أو الغريم، وأما الواحد الساتر لجميع البدن أو العورة على خلاف، مرجح عندنا وعند الشافعية، فلابد منه، والمصحح عند الحنفية الاكتفاء بستر العورة المغلظة: القبل والدبر.
الحديث السابع والعشرون
حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهم قَالَ: بَيْنَمَا رَجُلٌ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ إِذْ وَقَعَ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَوَقَصَتْهُ أَوْ قَالَ فَأَوْقَصَتْهُ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْنِ، وَلَا تُحَنِّطُوهُ وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ، فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا.
قوله: حماد، في رواية الأصيلي ابن زيد، وقوله: بينما رجل، قال في الفتح: لم أقف على تسميته، وقوله: واقف، استدل به على إطلاق لفظ الواقف على الراكب، قلت: يمكن أن لا يكون فيه دليل، لأن الوقوف بعَرفَة صار علمًا على النازلين فيها، سواء القائم والراكب والمضطجع، فيقال لمن حضر يومها، ولم يزل فيها مضطجعًا لعذر: وقف بعرفة، فتأمله.
وقوله: بعرفة، سيأتي بعد باب من وجه آخر، ونحن مع النبي صلى الله عليه وسلم. وقوله: فَوَقَصَتْه، أو قال فأوْقَصَته، شكٌ من الراوي، والمعروف عند أهل اللغة الأول، والذي بالهمز شاذٌ، والوقص كسر العنق، ويحتمل أن يكون فاعل وقصته الوقعةُ أو الراحلة، بأن تكون أصابته بعد أن وقع. والأول أظهر، وقال الكرمانيّ: فوقصته أي: راحلته، فإنْ كان الكسر حصل بسبب الوقوع فهو مجاز، وإن حصل من الراحلةِ بعد الوقوع فهو حقيقة.
وقوله: وكفنوه في ثوبين، استدل به على إبدال ثياب المحرم، وليس بشيء، لأنه سيأتي في الحج بلفظ "في ثوبيه" وللنَّسائيّ عن عمرو بن دينار "في ثوبيه اللَّذين أحرم فيهما". وقال المحب
الطَّبريّ: إنما لم يزده ثوبًا ثالثًا تكرُمَةً له، كما في الشهيد، حيث قال:"زمَّلوهم بدمائهم".
وقوله: ولا تُحَنِّطُوه، بالحاء المهملة، أي لا تَمَسُّوه حنوطًا. وقوله ولا تُخَمِّروا رأسه أي: لا تغطوها. وفي أفراد مسلم "ولا تغطوا رأسه ولا وجهه" قال البيهقيّ: ذكر الوجه وَهْمٌ من بعض رواته، والصحيح "لا تغطوا رأسه" ثم علل ذلك بقوله: فإنه يبعثُ ملبيًا أي: حال كونه قائلًا: لبيك، والمعنى أنه يحضر يوم القيامة على هيأته التي مات عليها، ليكون ذلك علامة لحجه، كالشهيد يأتي وأوداجه تشخب دمًا وفي رواية "مُلَبَّدًا" أي: على هيأته ملبدًا شعره بصمغ ونحوه، ودل التعليل على أن سبب النهي أنه كان مُحْرِمًا، فإذا انتفت العلة انتفى النهي. وكان الحنوطَ للميت، كان مقررًا عندهم، وكذلك تخمير الرأس.
قال البيهقي: فيه دليل على أن غير الميت يحنط، كما تخمر رأسه، وأن النهي، إنما وقع للإِحرام، فهو دال على أن الإِحرام لا ينقطع بالموت، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق والثَّوريّ وأهل الظاهر. وذهب مالك وأبو حنيفة والأوزاعي إلى أن الإِحرام ينقطع بالموت، فيصنع بالمحرم ما يصنع بالحلال. قال ابن دقيق: هو مقتضى القياس، لكن الحديث بعد أن يثبت يقدم على القياس.
وقال بعض المالكية: إثبات الحَنُوط في هذا الخبر بطريق المفهوم من صنع الحنوط للمحرم، ولكنها واقعة حال يتطرق الاحتمال إلى منطوقها، فلا يستدل بمفهومها. وقال بعض الحنفية هذا ليس عامًا بلفظه، لأنه في شخص مُعَيّن ولا بمعناه، لأنه لم يقل يبعث ملبيًا، لأنه محرم، فلا يتعدى حكمه إلى غيره إلا بدليل منفصل.
وقال ابن بُزَيرة: وأجاب بعض أصحابنا عن هذا الحديث بأن هذا مخصوص بذلك الرجل، لأن إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه يبعث مُلَبيًا شهادةٌ بأن حَجَّه قد قُبل، وذلك غير محقق لغيره، وتعقبه ابن دقيق العيد بأنّ هذه العلة إنما ثبتت لأجل الإِحرام، فتعم كل محرم.
وأما القبول وعدمه فأمر مُغَيّب، واعتل بعضهم بقوله تعالى:{وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} وبقوله صلى الله عليه وسلم "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث"، وليس هذا منها، فينبغي أن ينقطع عمله بالموت، وأجيب بأن تكفينه في ثوبي إحرامه وتبقيته على هيأة إحرامه من عمل الحي بعده، كغسله والصلاة عليه، فلا معنى لما ذكروه، وقال ابن المنير في الحاشية: قد قال صلى الله عليه وسلم في الشهداء "زملوهم بدمائهم" مع قوله: والله أعلم بمن يكلم في سبيله، فعمم الحكم في الظاهر بناء على ظاهر السبب، فينبغي أن يعمم الحكم في كل محرم.