الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لطائف إسناده:
فيه التحديث بالجمع والإفراد والإخبار بالجمع والقول، ورواته كلهم شاميون غير شيخه مَرْوَزِيَّ. ورواية الصحابيّ عن الصحابيّ على قول مَنْ يقول إن جُنادة صحابي. أخرجه أبو داود في الأدب، والنَّسَائيّ في اليوم والليلة، والترْمِذِيّ وابن ماجه في الدعوات.
الحديث السادس والثلاثون
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْهَيْثَمُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وَهُوَ يَقْصُصُ فِي قَصَصِهِ وَهُوَ يَذْكُرُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ أَخًا لَكُمْ لَا يَقُولُ الرَّفَثَ. يَعْنِي بِذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ:
وَفِينَا رَسُولُ اللَّهِ يَتْلُو كِتَابَهُ
…
إِذَا انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنَ الْفَجْرِ سَاطِعُ
أَرَانَا الْهُدَى بَعْدَ الْعَمَى فَقُلُوبُنَا
…
بِهِ مُوقِنَاتٌ أَنَّ مَا قَالَ وَاقِعُ
يَبِيتُ يُجَافِى جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ
…
إِذَا اسْتَثْقَلَتْ بِالْمُشْرِكِينَ الْمَضَاجِعُ
قوله: "وهو يقص في قصصه"، أي: مواعظه التي كان أبو هريرة يذكر أصحابه بها. وقوله: "وهو يذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن أخًا لكم" معناه أن أبا هريرة ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستطرد إلى حكايه ما قيل في وصفه، فذكر كلام عبد الله بن رواحة بما وصف به من هذه الأبيات. وقوله: إن أخًا لكم، هو المسموع للهيثم، والرفث: الباطل أو الفحش من القول، والقائل يعني هو الهيثم، ويحتمل أن يكون الزهريَّ. وقال ابن بطّال: إن قوله عليه الصلاة والسلام: "إن أخًا لكم لا يقول الرفث" فيه أن حُسْن الشِّعر محمود كحسن الكلام، واعترضه في "الفتح" بأنه ليس في سياق الحديث ما يفصح بأن ذلك من كلامه صلى الله عليه وسلم، بل هو ظاهر في أنه من كلام أبي هريرة. ويأتي التصريح بذلك في رواية الزبيديّ المعلقة قريبًا.
وقوله: "إذا انشق" كذا للأكثر، وفي رواية أبي الوقت:"كما انشق" والمعنى مختلف، وكلاهما واضح. وقوله:"من الفجر" بيان للمعروف الساطع، يقال: سطع إذا ارتفع، وقوله:"العمى" أي: الضلالة. وقوله: "يجافي جنبه" أي: يرفعه عن الفراش، وهو كناية عن قيام الليل، وفي هذا البيت الأخير معنى الترجمة؛ لأن التَّعَارْ هو السهر والتقلب على الفراش كما مرّ. وكأن الشاعر أشار إلى قوله تعالى في صفة المؤمنين:{تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} الآية.
رجاله ستة:
وفيه ذكر عبد الله بن رواحة، مرّ منهم يحيى بن بكير واللَّيْث والزُّهريّ في الثالث من بدء الوحي، ويونس بن يزيد في متابعة بعد الرابع منه، ومرّ أبو هريرة في الثاني من الإيمان.
والخامس: الهيثم بن أبي سنان المدنيّ قال أبو حاتم: صالح الحديث، وذكره ابن حِبّان في الثقات، وقال: هو أخو سِنان بن أبي سِنان، روى عن أبي هريرة وابن عمر، وعنه بكير بن عبد الله بن الأشج والزهريّ.
وعبد الله هو ابن رُواحة بن ثَعلبة بن امرىء القيس بن عمرو بن امرىء القيس الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج، الأنصاري الخزرجيّ، الشاعر المشهور، يكنى أبا محمد، ويقال: أبو رواحة، ويقال أبو عمر، وأُمه كبشة بنت واقد بن عمرو بن الإطْنابة، خزرجية أيضًا، وليس له عقب، أحد السابقين إلى الإِسلام، واحد النقباء ليلة العقبة، شهد بدراً وما بعدها إلى أن استشهد بمؤتة. آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين المقداد، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثلاثين راكبًا إلى أسير بن رقرام اليهودي بخيبر، فقتله، وبعثه بعد فتح خيبر فحرض عليهم. وفي فوائد أبي طاهر عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"نِعْمَ الرجل عبد الله بن رواحة" في حديث طويل.
وفي "الزهد" لأحمد عن أنس قال: كان عبد الله بن رُواحة إذا لقي رجلًا من أصحابه يقول: تعال نؤمن بربنا ساعة
…
الحديث، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"رحم الله ابن رواحة، إنه يحب المجالس التي تتباهى بها الملائكة" وأخرج البيهقي، بسند صحيح عن ابن أبي ليلى قال: كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يخطب، فدخل عبد الله بن رواحة، فسمعه يقول: اجلسوا، فجلس، فكأنه خارجًا من المسجد، فلما فرغ قال: زادك الله حرصًا على طواعية الله وطواعية رسوله. وأخرج ابن سعد عن حَمّاد بن أبي عمران الجَوْنيَّ قال: مرض عبد الله بن رواحة، فأُغمي عليه، فعاده النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"اللهم إن كان أجله قد حضر فيسره، وإن لم يكن حضر فاشفه". فوجد خفة، فقال: يا رسول الله، أمي تقول: واجبلاه، واظهراه. وملك يقول: أين كذا هو قلت: نعم لقمعني بها.
وفي "الزهد" لابن المبارك عن أبي ليلى بسند صحيح قال: تزوج رجل امرأة عبد الله بن رواحة، فسألها عن صنيعه فقالت: كان إذا أراد أن يخرج من بيته صلّى ركعتين، وإذا دخل بيته صلَّى ركعتين، لا يدع ذلك. قالوا: كان عبد الله أوّل خارج إلى الغزو، وآخر قافل منه. وهو أحد الشعراء المحسنين الذين كانوا يردُّون الأذى عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن سعد عن عُروة "لما أنزل الله تعالى:{وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} قال عبد الله: أنا منهم، فأنزل الله فيه وفي صاحبه حسّان وكعب بن مالك:{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} إلخ".
وروى هشام بن عُروة عن أبيه قال: سمعت أبي يقول: ما سمعت بأحد أجرأ ولا أسرع شعرًا من عبد الله بن رواحة، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أنشدنى ساعة وأنا انظر إليك، فانبعث مكانه يقول:
أَنّي تفرست فيك الخير أعرفه
…
والله يعلم أن ماخانني البصرُ
أنت النبي ومن يُحرم شفاعته
…
يوم الحساب فقد أزرى به القدرُ
فثبت الله ما آتاك من حسن
…
تثبيت موسى ونصرًا كالذي نصروا
فأقبل بوجهه مبتسماً وقال: وأنت فَثَبَّتَكَ الله يا أبا رواحة. قال هشام بن عروة: فثبته الله أحسن ثبات. قتل شهيدًا وفتحت له الجنة ودخلها. وفي رواية ابن هشام:
إني تفرست فيك خير نافلةٍ
…
فِراسةً خالفتْ فيك الذي نظروا
أنت النبي ومن يحرم نوافله
…
والوجه منه فقد أزرى به القدر
وأخرج أبو يعلى بسند صحيح عن أنس قال: دخل النبيُّ صلى الله عليه وسلم مكة في عمرة القضاء، وابن رواحة بين يديه وهو يقول:
خَلُّوا بني الكفار عن سبيله
…
اليوم نضربكم على تأويله
ضربًا يزيل الهام عن مقيله
…
ويذهل الخليل عن خليله
فقال عمر: يا ابن رواحة، حَرَمُ اللهِ، وبين يدي رسوله صلى الله عليه وسلم، تقول هذا الشعر؟ فقال عليه الصلاة والسلام:"خل عنه يا عمر، فوالذي نفسي بيده، لكلامه أشد عليهم من وقع النبلْ"، وقصته مع زوجته مشهورة، وذلك أنه مشى ليلة إلى أمة له فنالها، وفطنت له امرأته فلامته فجحدها، وكانت قد رأت جماعه لها فقالت: إن كنت صادقًا فاقرأ القرآن، فإن الجُنُب لا يقرأ القرآن، فقال:
شَهدِتُ بأنّ وعدالله حقٌ
…
وأنّ النار مثوى الكافرين
وأن العرش فوق الماء طاف
…
وفوق العرش رب العالمين
وتحمله ملائكة غلاظ
…
ملائكة الإله المكرمين
فقالت: صدق الله وكذبت عيني. وكانت لا تحفظ القرآن. وفي "الفتح" أن الأبيات التي تلاها عليها هي المذكورة في الحديث، وزاد أنه أعلم النبي عليه الصلاة والسلام بذلك، فضحك حتى بدت نواجده. وذكر ابن إسحاق عن عُروة بن الزبير قال: لما تودع عبد الله بن رواحة في حين خروجه إلى مؤتة دعا له المسلمون ولمن معه أن يردهم الله سالمين، فقال ابن رواحة:
لكنني أسال الرحمن مغفرة
…
وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا
أو طعنة بيدي حران مجهزة
…
مروية تنفذ الأحشاء والكبدا
حتى يقولوا إذا مرّوا على جدثي
…
يا أرشد الناس من غازٍ وقد رشدا
وذكر عبد الرزاق أنه قال يوم مؤتة يخاطب نفسه:
ما لي أراك تكرهين الجنة
…
وقبل ذا ما كنت تَكْرَهِنَّه
هل أنت إلا نطفة في شَنَّه
…
أقسمت بالله لتنزِلِنَّه
طوعًا إليها أو لَتُكْرَهنَّه
ثم قال: