الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترجمة الحكم في خوف ضياع المال عند الشافعية والمالكية، وعندهم أي المالكية، إذا انفلتت الدابة يجوز له المشي إليها قدر ثلاثة صفوف، وإن على جنبه أو قهقرى، فإن تباعدت عن ذلك، قطع الصلاة وطلبها، إذا كان في سعة من الوقت، وإلاّ تمادى وإن ذهبت، ما لم يكن في مفازة يخاف على نفسه إن تركها هلاكًا أو شديد أذى.
والظاهر أنَّ المراد بالوقتِ الضروريُّ. وقال محمد بن الحسن: فأخذ بما فعل أبو برزة من ذهابه إلى دابته، ورجوعه على عقبيه، حتى صلى الركعتين الباقيتين. قال: فالصلاة تجزىء مع ما صنع، لا يفسدها الذي صنع؛ لأنه رجع على عقبيه، ولم يستدبر القبلة حتى لو جعلها خلف ظهره فسدت صلاته. قال العينيّ: ثم ليس في هذا الحديث الفصل بين المشي القليل والكثير، فهذا يبين لك أن المشي في الصلاة مستقبلَ القبلة لا يبطلُ الصلاة، وإن كَثُر. قلت: قد مرَّ لك ما يدل على أن الواقع في الحديث هو المشي القليل، وقد مرَّ أن إجماع الفقهاء على أن المشي الكثير يبطل الصلاة، ثم وبعض مشائخنا، أولوا هذا الحديث، واختلفوا فيما بينهم في التأويل، فمنهم من قال: تأويله أنه لم يجاوز موضع سجوده، فأما إذا جاوز ذلك، فإن صلاته تفسد؛ لأنّ موضع سجوده في الفضاء مصلاه، وكذلك موضع الصفوف في المسجد، وخطأه في مصلاه عفو، ومنهم من قال: تأويله أن مشيه لم يكن متلاصقًا، ثم مشى خطوة فسكن، ثم مشى خطوة، وذلك قليل. وإنه لا يفسد الصلاة. أما إذا كان المشي متلاصقًا تفسد، وإن لم يستدبر القبلة؛ لأنه عمل كثير.
ومن المشائخ من أخذ بظاهر الحديث، ولم يقل بالفساد، قلَّ المشي أو أكثر، استحسانًا، والقياس أن تفسد صلاته إذا أكثر المشي، إلا أنا تركنا القياس بحديث أبي برزة، رضي الله تعالى عنه، وأنه خُصَّ بحالة العذر. ففي غير حالة العذر يعمل بقضية القياس. وفي الحديث جواز حكاية الرجل إذا احتاج إلى ذلك، ولم يكن في سياق الفجر.
رجاله أربعة:
وفيه لفظ رجل مبهم، مرَّ منهم شُعبة وآدم في الثالث من الإيمان، ومرَّ أبو برزة في الثاني عشر من مواقيت الصلاة، والرجل المبهم لم يُسَمَّ، والرابع الأزرق ابن قيس الحارثيّ البصريّ. قال النسائي: ثقة، قال ابن سعد: ثقة إن شاء الله تعالى، وقال ابن مُعين: ثقة، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال الدارقطني: ثقة مأمون، وذكره ابن حِبّان في الثقات، روى عن ابن عمر وأنس وأبي برزة الأسلميّ وغيرهم. وروى عنه سليمان التّيمي، والحمّادان وشُعبة وغيرهم. مات في ولاية خالد على العراق.
الحديث الخامس عشر
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: خَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَقَامَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَ سُورَةً طَوِيلَةً، ثُمَّ رَكَعَ فَأَطَالَ، ثُمَّ رَفَعَ
رَأْسَهُ، ثُمَّ اسْتَفْتَحَ بِسُورَةٍ أُخْرَى، ثُمَّ رَكَعَ حَتَّى قَضَاهَا وَسَجَدَ، ثُمَّ فَعَلَ ذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ، ثُمَّ قَالَ إِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَصَلُّوا حَتَّى يُفْرَجَ عَنْكُمْ، لَقَدْ رَأَيْتُ فِي مَقَامِي هَذَا كُلَّ شَيْءٍ وُعِدْتُهُ، حَتَّى لَقَدْ رَأَيْتُنِى أُرِيدُ أَنْ آخُذَ قِطْفًا مِنَ الْجَنَّةِ حِينَ رَأَيْتُمُونِي جَعَلْتُ أَتَقَدَّمُ، وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ، وَرَأَيْتُ فِيهَا عَمْرَو بْنَ لُحَيٍّ وَهُوَ الَّذِي سَيَّبَ السَّوَائِبَ.
قوله: حتى قضاها، أي فرغ منها، ولم يُردِ القضاء الذي هو ضد الأداء، وقوله: كل شيء وعدته، في رواية يونس عند مسلم "وعدتم" وله في حديث جابر "عرض علي كل شيء تولجونه" وقوله: لقد رأيت، كذا للأكثر، وللحمويّ والمستمليّ لقد رأيته. ولمسلم حتى لقد رأيتني، وهو أَوْجَه. وقوله: أريد أن آخذ قِطفًا أي عُنْقودَ عنب، وهو بكسر أوله، وذكر ابن الأثير أن كثيرًا يروونه بالفتح، والصواب الكسر.
وفي رواية جابر: حتى تناولت منها قِطفًا، فقصرت يدي عنه. وقوله: حين رأيتموني جعلت أتقدم؛ قال الكرمانيّ: قال في جهنم حين رأيتموني تأخرت؛ لأنّ المتقدم كاد أن يقع، بخلاف التأخر، فإنه قد وقع. كذا قال. وقد وقع التصريح بوقوع المتقدم والتأخر جميعًا في حديث جابر عند مسلم، ولفظه "لقد جيء بالنار، وذلكم حين تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها" وفيه "ثم جيء بالجنة، وذلكم حين رأيتموني تقدمت حتى قمت في مقامي" وما في هذا الحديث من أمر الكسوف مرَّ الكلام عليه في أبواب الكسوف، ومرَّ استيفاء الكلام على ما فيه من أمر الجنة والنار في باب كُفران العشير، من كتاب الإِيمان، وقوله: يحطم بكسر الطاء.
وقوله: وفيها عمرو بن لُحَيّ، قد مرَّ في الثاني والأربعين من كتاب الإيمان بعض الكلام عليه، ويأتي إتمامه في أيام الجاهلية. وقوله: وهو الذي سَيَّب السوائب، جمع سائبة، ويأتي تفسيرها قريبًا إن شاء الله. ومعنى سيّب السوائب: سَيَّب النُّوق التي تسمى السوائب. والسائبة كانوا يُسَيِّبُونها لآلهتهم، فلا يحمل عليها شيء. قال أبو عبيدة: كانت السائبة من جميع الأنعام، وتكون من النذور للأصنام، فتسيب، فلا تحبس عن مرعى ولا عن ماء، ولا يركبها أحد. وقيل: السائبة لا تكون إلا من الإبل، كان الرجل ينذر إن برِىء من مرضه، أو قدم من سفره، لَيُسَيبنَّ بعيرًا.
وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: السائبة، كانوا يسيبون بعض إبلهم، فلا تمنع حوضًا، أن تشرب منه، وقال الفراء: اختلف في السائبة، فقيل: كان الرجل يسيب من ماله ما شاء، يذهب إلى السَّدَنَة، وهم الذين يقومون على الأصنام. وقيل: السائبة الناقة إذا ولدت عشرة أبطن كلهن إناثٌ، سُيِّبَتِ فلم تُركب، ولم يُجَزَّ لها وبر، ولم يشرب لها لبن. وإذا ولدت بنتها بُحِرَت، أي: شُقَّت أذنها، فالبَحِيرة بنت السائبة. وهي بمنزلة أمها.
وقال البخاريّ: البحيرة هي التي يمنع دَرُّها للطواغيت أي الأصنام، فلا يحلبها أحدٌ من
الناس. والبَحْر شق الأذن، جُعِل ذلك علامة لها، فهي فَعِيلة بمعنى مَفعولة، وهي التي بُحِرت أُذُنها، أي خُرِمت. وجعل أبو عبيدة المنفي الشرب خاصة لا الحلب، قال: كانوا يُحَرِّمُون وَبَرها ولحمها وظهرها ولبنها على النساء، ويحلون ذلك للرجال، وما ولدت فهو بمنزلتها، وإن ماتت اشترك الرجال والنساء في أكل لحمها.
وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة: البَحِيرةُ من الإبل، كانت الناقة إذا نَتَجَت خمسة أبطن، فإن كان الخامس ذكرًا كان للرجال دون النساء، وان كانت أنثى بُتِّكَتْ أُذُنها، ثم أرسلت، فلم يَجُزُّوا لها وبرًا، ولم يشربوا لها لبنًا، ولم يركبوا لها ظهرًا، وإن يكن مَيْتَة فهم فيه شركاء؛ الرجالُ والنساء. وقال أبو عبيدة: جعلها قوم من الشاة خاصة، إذا ولدت خمسة أبطن بَحَروا أذنها، أي شقوها، وتركت فلا يمسها أحد، وقال آخرون: بل البَحِيرة الناقةُ كذلك، وخَلّوا عنها، فلم تركب، ولم يَضْرِبْها فحلٌ. والوَصيلة الناقةُ البكر تبكر في أول نتاج الإبل بأنثى، ثم تثني بأنثى، وكانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وَصَلت أحداهما بالأخرى، ليس بينهما ذكر.
وقال أبو عبيدة: مهما ولدته فهو بمنزلة أمها، إلى ستة أولاد، فإن ولدت السابع انثيين تركتا، فلم تذبحا، وإن ولدت ذكرًا ذبح، وأكله الرجال دون النساء، وكذا إذا ولدت ذكرين، وإن أتت بتوأم؛ ذكر وأنثى، سموا الذكر وَصِيلة، فلا يذبح، لأجل أخته. وهذا كله إن لم تلد ميتًا، فإن ولدت بعد البطن السابع ميتًا أكله النساء دون الرجال.
وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: الوصيلة الشاة؛ كانت إذا ولدت سبعة أبطن، فإن كان السابع ذكرًا ذُبِح وأكل، وإن كان أنثى تركت، وإن كان ذكرًا وأنثى قالوا: وَصَلت أخاها، فترك ولم يذبح، ولا تشرب النساء لبن الأم، وتشربه الرجال، وجرت مجرى السائبة والحامي فعل الإبل يضرب الضراب المعدود، فإذا قضى ضرابه، ودعوه للطواغيت وأعفوه من الحمل، فلم يحمل عليه شيء، وسموه الحامي. قاله سعيد بن المسيب، وكلام أبي عبيدة يدل على أن الحامي إنما يكون من ولد السائبة. وقال أيضًا: كانوا إذا ضَرَب فحلٌ من ولد البحيرة فهو عندهم حامٍ، وقال أيضًا: الحامي من فحول الإبل خاصة إذا نتجوا منه عشرة أبطن قالوا: قد حمى ظهره، فاحموا ظهره ووبره، وكل شيء منه، فلم يركب ولم يطرق. وعرف بهذا بيان العدد المبهم في رواية سعيد. وقيل: الحامي فعل الإبل إذا ركب ولد ولده قال الشاعر:
حماها أبو قابوس في غير مُلْكِه
…
كما قد حمى أولادَ أولادِه الفحلُ
وفي هذا الحديث أن المشي القليل لا يبطل الصلاة، وأن الجنة والنار موجودتان مخلوقتان. ووجه تعلق الحديث بالترجمة ظاهر من جهة جواز المتقدم والتأخر اليسير؛ لأن الذي تنفلت دابته يحتاج في حال إمساكها إلى التقدم والتأخر، كما وقع لأبي برزة. وأغرب الكَرَمانيّ فقال: وجه تعلقه بها أن فيه مَذَمة تسييب الدواب مطلقًا، سواء كان في الصلاة أم لا.