الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتحقق بها، بخلاف من فيه أدنى رحمة، لكن ثبت في حديث عبد الله بن عمرو عند أبي داود وغيره "الراحمون يرحمهم الرحمن" والراحمون جمع راحم، فيدخل فيه كل من فيه أدنى رحمة.
وذكر الحربيّ مناسبة الإِتيان بلفظ الرحماء في حديث الباب بما حاصله أن لفظ الجلالة دال على العظمة، وقد عرف بالاستقراء أنه حيث ورد يكون مسوقًا للتعظيم، فلما ذكر هنا ناسب ذكر من كثرت رحمته وعظمته، ليكون الكلام جاريًا على نسق التعظيم بخلاف الحديث الآخر، فإن لفظ الرحمن دال على العفو، فناسب أن يذكر معه كل ذي رحمة، وإنْ قلّت.
وفي هذا الحديث من الفوائد، غير ما تقدم، جوازُ استحضار ذوي الفضل للمحتضر، لرجاء بركتهم ودعائهم، وجواز القسم عليهم لذلك، وجواز المشي إلى التعزية، والعيادة بغير إذن، بخلاف الوليمة، وجواز إطلاق اللفظ الموهم لما لم يقع بأنه يقع مبالغة في ذلك، لينبعث خاطر المسؤول في المجني للإِجابة إلى ذلك.
وفيه استحباب إبرار القسم وأمر صاحبة المصيبة بالصبر قبل وقوع الموت، ليقع وهو مستشعر بالرضا، مقاومًا للحزن بالصبر، وإخبار من يستدعى بالأمر الذي يستدعى من أجله، وتقديم السلام على الكلام، وعيادة المريض ولو كان مفضولًا أو صبيًا صغيرًا.
وفيه أن أهل الفضل لا ينبغي أن يقطعوا الناس عن فضلهم، ولو ردوا أول مرة، واستفهام التابع أمامه عما يشكل عليه، مما يتعارض ظاهره، وحسن الأدب في السؤال، لتقديمه قوله "يا رسول الله" على الاستفهام.
وفيه الترغيب في الشفقة على خَلْق الله والرحمة لهم، والترهيب من قساوة القلب وجمود العين، وجوازُ البكاء من غير نَوْح ونحوه.
رجاله ستة:
قد مرّوا، وفيه ذكر ابنة للنبي صلى الله عليه وسلم، وابن لها مبهمين، وذكر سعد بن عبادة ومعاذ بن جبل وأُبَيّ بن كعب وزيد بن ثابت، ولفظ رجال مبهمين. مرَّ عبدان وعبد الله بن المبارك في السادس من بدء الوحي، ومرَّ محمد بن مقاتِل في التاسع من العلم، ومرَّ عاصم الأحول في الخامس والثلاثين من الوضوء، ومرَّ أسامة بن زيد في الخامس منه، ومرَّ أبو عثمان النَّهديّ في الخامس من مواقيت الصلاة، ومرَّ معاذ بن جبل في الأثر الثاني من الإيمان، ومرَّ أُبَيّ بن كعب في السادس عشر من العلم، ومرَّ زيد بن ثابت في تعليق بعد الثاني والعشرين من كتاب الصلاة.
والابنة المذكورة قيل إنها زينب، والابن قيل هو علي بن أبي العاص بن الربيع، وقيل: الصواب ابنة وأنها أمامة بنت أبى العاص، هذا على أن البنت زينب، وقيل: أن البنت فاطمة الزهراء، وأن الابن ولدها مُحْسِن بن عليّ بن أبي طالب. وها أنا اذكر من مرَّ، وأعَرِّف من لم يمر. مرت زينب في الثاني والثلاثين من الوضوء، ومرت فاطمة الزهراء في الخامس والمئة منه، ومرت أُمامة بنت أبي العاص بن الربيع في التاسع والمئة من استقبال القبلة. والباقي اثنان الأول: علي بن أبي العاص بن الربيع بن عبد العُزّى بن عبد شمس بن أمية القرشيّ العبشميّ، سبطُ النبيّ صلى الله عليه وسلم، أمه زينب عليها السلام، استُرضع في بني غاضرة، فافتصله النبي صلى الله عليه وسلم منهم، وأبو العاص مشرك بمكة، وقال: من شاركني في شيء فأنا أحق به منه.
قال الزبير: توفي عليّ بن أبي العاص وقد ناهز الحُلم، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أردفه على راحلته يوم الفتح. وقال ابن منده: توفي وهو غلام، في حياة النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عساكر: ذكر بعض أهل العلم بالنسب أنه قتل يوم اليرموك.
والثاني محسّن، بتشديد السين، ابن عليّ بن أبي طالب، سبط النبي صلى الله عليه وسلم ففي مسند أحمد عن علي قال: لما ولد الحَسَن سميته حربًا، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أروني ابني ما سميتوه؟ قلنا: حربًا، قال: بل هو حسن. فلما ولد الحُسين، فذكر مثله، وقاله: بل هو حُسين، فلما ولد الثالث قال مثله، وقال: بل هو مُحَسِّن، ثم قال. "سميئهم بأسماء ولد هارون شَبَر وشُبَير ومُشَبَّر" إسناده صحيح.
والرجال المبهمون، ذكر منهم في غير هذه الرواية، عبادةُ بن الصامت وعبد الرحمن بن عوف وأسامة بن زيد راوي الحديث، وقيل: فيهم أبوه زيد بن حارثة، وهؤلاء قد مرّوا، مرَّ عبادة بن الصامت في الحادي عشر من الإِيمان، ومرَّ عبد الرحمن في السابع والخمسين من الجمعة، وأسامة مرَّ محله في رجال السند ومرَّ أبوه زيد بن حارثة في التاسع من كتاب الجنائز هذا، فلم يبق من جميع من ذكر في هذا الحديث إلا سعد بن عبادة. وها أنا أذكر تعريفه فأقول:
هو سَعْد بن عُبادة بن دُليم بن حارثة بن حَرام بن خُزيمة بن ثَعْلبة بن طَريف بن الخَزْرج بن سَاعدة بن كعب بن الخزرج، الأنصاريّ، سيد الخزرج، يكنى أبا ثابت، وأبا قيس، وأمه عمرة بنت مسعود، لها صحبة، وماتت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، شهد سعدٌ العقبة، وكان أحد النقباء.
واختلف في شهوده بدرًا، فأثبته البخاريّ، وقال ابن سعد: كان يتهيّأ للخروج فنهس، فأقام، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لقد كان حريصًا عليها" وكان يكتب بالعربية، ويُحسن العَوْم والرمي، فكان يقال له الكامل. مشهورًا بالجود هو وأبوه وجده وولده. يقال: لم يكن في العرب أربعة مطعمُون يتوالون
في بيت واحد إلا قيس بن سعد بن عبادة بن دُليم، وقيل: كان ذلك في صَفوان بن أمية، وأخرج ابن عبد البَرّ بسنده عن نافع قال: مرَّ ابن عمر على أُطُمِ سعد فقال لي: يا نافع، هذا أُطُمُ جوادٍ، لقد كان مناديه ينادي يومًا في كل حول: من أراد الشحم واللحم فليأتِ دارَ دُليم. فمات دُليم فنادى منادي عُبادة مثل ذلك، ثم مات عبادة، فنادى منادي سعد بمثل ذلك، ثم قد رأيت قيس بن سعد يفعل مثل ذلك. وكان جدهم دُليم يهدي إلى مناةَ، صنم، كل عام عشر بُدْن، ثم كان عبادة يهديها كذلك إلى أن أسلم، ثم أهداها قيس إلى الكعبة، وكانت حفنة سعد تدور مع النبي صلى الله عليه وسلم في بيوت أزواجه.
وروى ابن أبي الدنيا، كان أهل الصُّفَّة إذا أمسوا انطلق الرجل بالواحد، والرجل بالاثنين، والرجل بالجماعة، وأما سعد فكان ينطلق بثمانين. وكان سعد يقول:"اللهمَّ هب لي مجدًا، ولا مجد إلا بِفعال، ولا فِعال إلا بمال، اللهم إنه لا يصلحني القليل، ولا أصلح عليه".
وروى أحمد عن قيس بن سعد قال: زارنا النبيّ صلى الله عليه وسلم في منزلنا، فقال:"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته" ثم رفع يديه، وقال:"اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة". وروى أبو يعلى عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جزى الله الأنصار خيرًا، لاسيما عبد الله بن عمرو بن حرام وسعد بن عبادة" وكان قيس بن سعد مع أبي عُبيدة وعمر في غزوة، فقالا له: عزمنا عليك أن لا تنحر، فلم يلتفت إلى ذلك، ونحر فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إنه من بيت جُود.
وروى مَقْسَم عن ابن عباس قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم في المواطن كلها رايتان: مع عليّ راية المهاجرين، ومع سعد بن عبادة راية الأنصار، وفي سعد بن عبادة وسعد بن معاذ جاء الخبر المأثور "أن قريشًا سمعوا صائحًا يصيح ليلًا على أبي قُبَيس:
فإن يسلمِ السَّعدانِ يصبحْ محمدٌ
…
بمكةَ لا يخشى خلافَ المُخالف
فظنت قريش أنهما سعد بن زيد مناة بن تميم، وسعد بن هُذَيم بن قضاعة، فسمعوا الليلة الثانية صوتًا على أبي قُبيس:
أيا سعدُ سعدَ الأوسِ قد كنت ناصرًا
…
وسعدُ سعدَ الخزرجينَ العَظارفِ
أجيبا إلى داعي الهُدى وَتَمَنَّيا
…
على الله في فردوس مُنْيَةَ عارفِ
فإنَّ ثوابَ الله في طالب الهدى
…
جِنانٌ من الفردوس ذاتُ رفارفِ
وقد استشارهما النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق، لما أراد عُيينة بن حِصن أن يعطيه ثلث تمر المدينة، وينصرف بمن معه من غطفان، ويخذل أهل الأحزاب، فقالا: يا رسول الله، إنْ كنت أُمرتَ بشيء
فافعله، وإنْ كان غير ذلك فوالله لا نعطيهم إلا السيف، ووالله ما أكلوا منها تمرة بذلك في الجاهلية، فكيف اليوم وقد هدانا الله بك، وأكرمنا وأيّد؟ فوالله لا نعطيهم إلا السيف، فَسُر النبي صلى الله عليه وسلم بقولهما، وقال لهما:"إنما هو رأي أعرضه عليكم" وأرسل إلى عُيينة بن حِصن: "ليس بيننا وبينكم إلا السيف"، ورفع بها صوته.
وكانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم الفتح، بيد سعد بن عبادة، فمر بأُبيّ، فقال سعد إذ نظر إليه: اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل فيه الحرمة، اليوم أذل الله فيه قريشًا، فلما أقبل عليه رسول الله ناداه: يا رسول الله، أمرت بقتل قومك، فإن سعدًا زعم حين مرَّ بنا، هو ومن معه، أنه قاتلُنا، وقال: اليوم يوم الملحمة .. الخ، وإني أنشدك الله في قومك، وأنت أبر الناس وأرحمهم وأوصلهم.
وقال عثمان وعبد الرحمن بن عوف: يا رسول الله ما نأمن سعدًا أنْ تكون له صولة في قريش، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أبا سفيان: اليوم يوم المرحمة، اليوم أعز الله فيه قريشًا، وأنشده ضرار بن الخطاب قصيدته:
يا نبيّ الهُدى إليك لجى جـ
…
ـثى قريش، ولات حين لحاءِ
إلى أن قال:
إنّ سعدًا يريد قاصمة الظهر
…
بأهل الحَجون والبطحاءِ
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بنزعها منه، وجعلها في يد ولده قيس، ورأى أنها لم تخرج منه، إذ صارت لابنه.
وقصته في تخلفه عن بيعة أبي بكر مشهورة، وخرج إلى الشام، ومات بحوران سنة خمس عشرة، وقيل سنة ست عشرة، وقبره ببُصرى، وقيل قبره بالنيحة، قرية بدمشق بالغوطة، وقيل إنه مات في خلافة أبي بكر سنة إحدى عشرة، ولم يختلفوا أنه وُجد ميتًا في مغتسله، وقد اخضر جسده، ولم يشعروا بموته حتى سمعوا قائلًا يقول، ولا يرون أحدًا:
قد قتلنا سيد الخز
…
رج سعد بن عباده
رميناه بسهميـ
…
ـن فلم نخط فؤاده
ويقال إن الجن قتلته.
له أحاديث، روى عنه بنوه قيس وسعيد وإسحاق، وروى عنه ابن عباس وأمامة بن سهل.