الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال أبو هريرة: والله لئن انطلق رجل مجاهد في سبيل الله فاستشهد، فعمدت امرأة سفهًا وجهلًا فبكت عليه، لا يعذبنَّ هذا الشهيد بذنب هذه السفيهة، وإلى هذا جنح جماعة من الشافعية منهم أبو حامد وغيره.
ومنهم من أوَّل قوله "ببكاء أهله عليه" على أن الباء للحال، أي: أن مبدأ عذاب الميت يقع عند بكاء أهله عليه، وذلك أن شدة بكائهم غالبًا إنما تقع عند دفنه، وفي تلك الحالة يسأل ويُبتدأ به عذاب القبر، فكأنّ معنى الحديث أن الميت يُعذب حالة بكاء أهله عليه، ولا يلزم من ذلك أن يكون بكاؤهم سببًا لتعذيبه. حكاه الخطابيّ، وفيه تكلّف، ولعل قائله إِنما أخذه من قوله عائشة "إِنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيُعَذب بمعصيته أو بذنبه، وإن أهله ليبكون عليه الآن" أخرجه مسلم عنها.
وعلى هذا يكون خاصًا ببعض الموتى، ومنهم من أوَّله على أنّ الراوي سمع بعض الحديث، ولم يسمع بعضه، وأن اللام في الميت لمعهود معين، كما جزم به القاضي أبو بكر الباقلانيّ وغيره، وحجتهم ما يأتي قريبًا في رواية عمرة عن عائشة، بعد هذا الحديث، وقد رواه مسلم من هذا الوجه، وزاد في أوله ذكر لعائشة أن ابن عمر يقول إِن الميت ليعذب ببكاء الحي، فقالت عائشة: يغفر الله لأبي عبد الرحمن، أمَا إنَّه لم يكذب، ولكنه نسي أو أخطأ، إنما مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية فذكرت الحديث، وقد مرَّ ما اعترض به القرطبيّ على هذا القول.
ومنهم من أوَّله على أن ذلك مختص بالكافر، وأن المؤمن لا يعذب بذنب غيره أصلًا، وهو بيِّن من رواية ابن عباس عن عائشة في هذا الحديث، وهذه التأويلات عن عائشة متخالفة، وفيه إِشعار بأنها لم ترد الحديث بحديث آخر، بل بما استشعرته من معارضة القرآن. قال الداودي: رواية ابن عباس عن عائشة بيَّنت ما نفته عَمرة وعُروة عنها، إلا أنها خصته بالكافر لأنها أثبتت أن الميت يزداد عذابًا ببكاء أهله، فأي فرقٍ بين أن يزداد بفعل غيره أو يعذب ابتداءًا؟
رجاله سبعة:
قد مرّوا، وفيه ذكر صُهيب وبنت لعثمان، وذكر ولده عمرو، مرَّ عبدان وعبد الله بن المبارك في السادس من بدء الوحي، ومرَّ ابن عباس في الخامس منه، ومرَّ عمر في الأول منه، ومرَّ ابن جُريج في الثالث من الحيض، ومرَّ ابن أبي مليكة في تعليق بعد الأربعين من الإيمان، ومرَّ ابن عمر في أوله قبل ذكر حديث منه.
والباقي عن التعريف ثلاثة، الأولى أم أبان بنت عثمان بن عفان، وليس لها ذكر في كتب الرجال.
الثاني أخوها عمرو بن عثمان بن عفان الأمويّ، قيل: يكنى أبا عثمان، ذكره ابن سعد في الطبقة الأولى، وقال: كان ثقة وله أحاديث. وقال العجليّ مدنيّ ثقة من كبار التابعين، وقال الزبير بن بكّار: كان أكبر ولد عثمان الذين أعقبوا، وذكر أن معاوية زوّجه، لما ولي الخلافة، ابنته رَمْلة. وذكره ابن حِبان في الثقات. روى عن أبيه وأسامة بن زيد، وعنه ابنه عبد الله وعلي بن الحسين وسعيد بن المسيب وغيرهم.
الثالث صُهيب بن سِنان بن مالك، ويقال سِنان بن خالد بن عمرو بن عقيل، ويقال: عمرو بن طُفيل بن عامر بن جَنْدلة بن سعد بن جُذَيم بن كعب بن سعد بن أَسْلَم بن أوْس بن زيد مناة بن النَّمِر بن قاسط النِّمريّ، أبو يحيى، وأمه من بين مالك بن عمرو بن تميم، وهو الروميّ، قيل له ذلك، لأن الروم سَبُوه صغيرًا، وكان أبوه وعمه على الأَبُلَّة من جهة كسرى، وكانت منازلهم على دجلة من جهة الموصل، فأغارت الروم على تلك الناحية فسبت صُهيبًا، وهو غلام صغير، فنشأ بالروم فصار ألْكَن، فابتاعه رجل من كَلْب، فباعه بمكة، فاشتراه عبد الله بن جدعان التيميّ، فأعتقه.
ويقال، بل هرب من الروم، فقدم مكة، فحالف عبد الله بن جدعان، وكان هرب بمال كثير، وكانت أخته أمية تَنْشُده في المواسم، وعماه لبيد وزُحَر. كان أحمد شديد الحمرة تشوبها صُهُوبة، كثير شعر الرأس، يخضب بالحناء، كان اسمه عُميرة أو عبد الملك، فسماه الروم صُهيبًا أسلم هو وعمّار ورسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم، وكان من المستضعفين ممن عُذّب في الله.
هاجر إلى المدينة مع عليّ بن أبي طالب في آخر من هاجر في تلك السنة، فقدما في نصف ربيع الأول شهد بدرًا والمشاهد بعدها، وروى ابن عديّ أنه قال: صحبت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يُبعث، وروى الحُميديّ والطبرانيّ من طريق للستة عنه، أنه قال: لم يشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مشهدًا قطٌّ إلاّ كنتُ حاضره، ولم يبايع بيعةً قطُّ إلا كنت حاضرها، ولم يَسْر سَرية قطُّ إلَاّ كنتُ حاضَرها، ولا غزا غزوة إلا كنت فيها، عن يمينه أو شماله، وما خافوا أمامهم قطَ إلَا كنت أمامهم، ولا ما وراءهم إلا كنت وراءهم، وما جعلت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيني وبين العدوّ حتى توفي.
وأخرج ابن عبد البر بسنده عن سعيد بن المسيب قال: لما هاجر صهيب تبعه نفر من المشركين، فانتثر ما في كنانته، وقال: يا معشر قريش، تعلمون أني من أرماكم، ووالله لا تصلون إليّ حتى أرميكم بكل سهم معي، ثم أضربكم بسيفي ما بقي في يدي منه شيء، فإن كنتم تريدون مالي دللتكم عليه، فرضوا، فعاهدهم ودلهم عليه، فرجعوا فأخذوا ماله، فلما جاء إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم قال:"ربح البيع"، فأنزل الله تعالى:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ} .
وروى ابن عَديّ والطبرانيّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "السابق أربعة: أنا سابق العرب، وصهيب