الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سفيان، وكذا أخرجه الحاكم عن ابني أبي شيبة عن سفيان، والذي في مصنف ابن أبي شيبة عن سفيان موقوف، كما رواه سعيد بن منصور، وروى الحاكم نحوه مرفوعًا، عن عكرمة عن الن عباس، رضي الله تعالى عنهما.
وقوله: "لا تنجسوا موتاكم" أي: لا تقولوا إنهم نجَس، بفتح الجيم وابن عباس مرَّ في الخامس من بدء الوحي.
ثم قال: وقال سعد لو كان نجسًا ما مسسته، في رواية الأصيلي وأبي الوقت؛ وقال: سعيد، بزيادة ياء، والأول أَوْلى، وهو سعد بن أبي وقاص، كذلك أخرجه ابن أبي شيبة عن عائشة بنت سعد، قالت: أُوذِن سعد، تعني أباها، بجنازة سعيد بن زيد بن عمرو، وهو بالعقيق، فجاءه فغسله وكفنه وحنطه. ثم أتى داره فاغتسل، ثم قال: لم أغتسل من غسله، ولو كان نجسًا ما مسسته، ولكني اغتسلت من الحر.
وروى عن سعيد بن المسيب شيء من ذلك، ففي فوائد سموَيه عن واقد المَدنيّ قال: قال سعيد بن المسيب: لو علمت أنه نجس لم أمسسه. وفي أثر سعد من الفوائد، أنه ينبغي للعالم إذا عمل عملًا يخشى أن يلتبس على من وراءه، أن يُعْلِمهَم بحقيقة الأمر لئلا يحملوه على غير محمله.
وسعد مرَّ في العشرين من الإيمان.
ثم قال: وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم "المؤمن لا ينجس" هذا طرف من حديث لأبي هُريرة مرّ موصولًا في باب "الجنب يمشي في السوق" من كتاب الغسل، ووجه الاستدلال به هو أن صفة الإِيمان لا تسلب بالموت، وإن كانت باقية فهو غير نجس، وقد بين ذلك حديث ابن عباس المذكور، قيل: وفي نسخة الصفانيّ قال أبو عبد الله: النجس القذر، وأبو عبد الله هو البخاريّ، وأراد بذلك ففي هذا الوصف، وهو النجس عن المؤمن حقيقة ومجازًا.
الحديث الخامس عشر
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ الأَنْصَارِيَّةِ رضي الله عنها قَالَتْ دَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ تُوُفِّيَتِ ابْنَتُهُ فَقَالَ اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مَنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ فِي الآخِرَةِ كَافُورًا أَوْ شَيْئًا مِنْ كَافُورٍ، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ فَآذِنَّنِي. فَلَمَّا فَرَغْنَا آذَنَّاهُ فَأَعْطَانَا حِقْوَهُ فَقَالَ أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ. تَعْنِي إِزَارَهُ.
قوله: عن محمد بن سيرين، في رواية ابن جريج عن أيوب، سمعت ابن سيرين، وسيأتي في باب كيف الإشعار، وقد رواه أيوب أيضًا عن حفصة بنت سيرينَ، كما سيأتي بعد أبواب، ومدار حديث أم عطية على محمد وحفصة ابني سيرين، وحفظت منه حفصة ما لم يحفظه محمد، كما سيأتي مبينًا. قال ابن المنذر: ليس في أحاديث الغسل للميت أعلى متن حديث أم عطية، وعليه عَوّل الأئمة.
وقوله: عن أُم عطية الأنصارية، في رواية ابن جريج المذكورة: جاءت أمَّ عطية امرأةٌ من الأنصار اللاتي بايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قدم البصرةَ إبنًا لها، فلم تدركه، وهذا الابن قال في الفتح: ما عرفت اسمه، وكأنه كان غازيًا فقدم البصرة، فبلغ أم عطية وهي بالمدينة قدومه وهو مريض، فرحلت إليه فمات قبل أن تلقاه، وسيأتي في الأحداد ما يدل على أن قدومها كان بعد موته بيوم أو يومين، وقد مرَّ اسمها وتعريفها في الثاني والثلاثين من الوضوء.
وقولي: في الأحداد، في باب أحداد المرأة على غير زوجها، وهو قوله في الحديث، فلما كان اليوم الثالث، وعت بصفرة، قلت: لكن هذا لا تحصل به الدلالة، إلا إذا ثبت أنه في ذلك الولد، أو أنها ليس لها ولد سواه. وقوله: حين توفيت ابنته، في رواية الثقفيّ عن أيوب، وهي التي تلي هذه، وكذا في رواية ابن جريج: دخل علينا ونحن نغسل بنته، ويجمع بينهما بأن المراد أنه دخل حين شرع النسوة في الغسل، وعند النَّسائيّ أن مجيئهن إليها كان بأمره، ولفظه من رواية حفصة "ماتت إحدى بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إلينا، فقال: اغسلنها".
وقوله: بنته، لم تقع في شيء من روايات البخاريّ مسماة، والمشهور أنها زينب زوج أبي العاص بن الربيع، وهي أكبر بناته عليه الصلاة والسلام، وقد وردت مسماة عند مسلم عن أم عطية، في هذا من رواية عاصم، قالت: لما ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم:"اغسلنها"، فذكرت الحديث.
وقد خولف عاصم في ذلك، فقد أخرجه ابن ماجه عن أيوب "دخل علينا ونحن نغسل ابنته أم كلثوم". وهذا إسناده على شرط الشيخين، وفي المبهمات لابن بَشْكوال عن أم عطية قالت: كنت فيمن غسل أم كلثوم .. الحديث. وقد روى الدُّولابيّ في الذُّرِّيَّة الطاهرة عن عَمرة أن أم عطية كانت ممن غسل أم كلثوم ابنة النبيّ صلى الله عليه وسلم، فيمكن دعوى ترجيح ذلك، لوروده من طرق متعددة، ويمكن الجمع بأن تكون حضرتهما جميعًا، فقد جزم ابن عبد البَرَّ في ترجمتها بأنها كانت غاسلة الميتات، وسميت ثلاث من النسوة اللاتي حضرن معها، ففي الذرية الطاهرة عن أسماء بنت عميس أنها كانت ممن غسلها، قالت: ومعنا صفية بنت عبد المطلب. ولأبي داود عن ليلى بنت قانف، بقاف ونون وفاء، الثقفية قالت: كنتُ فيمن غسلها. وروى الطبراني عن أم سليم شيئًا يومىء إلى أنها
حضرت ذلك أيضًا، وسيأتي بعد خمسة أبواب قول ابن سيرين: قلت: اللهم إلا أن يكون الراوي المسمى لها راويًا عن حفصة، لا عن محمد، فقد مرَّ أن أيوب روى الحديث أيضًا عن حفصة، وأن حفصة حفظت منه ما لم يحفظه محمد. وقوله: اغسلنها، قال ابن بزيزة: استدل به على وجوب غسل الميت، وهو مبنيٌّ على أن قوله فيما بعد "أن رأيتن ذلك" هل يرجع إلى الغسل أو العدد؟ والثاني أرجح، فثبت المدعى.
قال ابن دقيق العيد: لكن قوله ثلاثًا ليس للوجوب على المشهور من مذاهب العلماء، فيتوقف الاستدلال به على تجويز إرادة المعنيين المختلفين بلفظ واحد، لأن قوله "ثلاثًا" غير مستقل بنفسه، فلابد أن يكون داخلًا تحت صيغة الأمر، فيراد بلفظ الأمر الوجوب بالنسبة إلى أصل الغسل، والندب بالنسبة إلى الإيثار، وقواعد الشافعية لا تأبى ذلك.
ومن ثم ذهب الكوفيون وأهل الظاهر والمزنيّ إلى إيجاب الثلاث، وقالوا: إن خرج منه شيء بعد ذلك يغسل موضعه، ولا يعاد غسل الميت، وهو مخالف لظاهر الحديث، وجاء عن الحسن مثله، أخرجه عبد الرزاق عن هشام بن حسان عن ابن سيرين قال: يغسل ثلاثًا، فإن خرج منه شيء بعد فخمسًا، فإن خرج منه شيء غسل سبعًا. قال هشام: وقال الحسن: يغسل ثلاثًا، فإن خرج منه شيء غسل ما خرج، ولم يزد على الثلاث.
وقوله: ثلاثًا أو خمسًا، في رواية هشام بن حَسّان عن حفصة "اغسلنها وترًا ثلاثًا أو خمسًا" وأو هنا للترتيب لا للتخيير، قال النووي: المراد اغسلنها وترًا، وليكن ثلاثًا، فإن احتجن إلى زيادة فخمسًا، وحاصله أن الإِيثار مطلوب، والثلاث مستحبة فإن حصل الإنقاء بها لم يشرع ما فوقها، وإلا زِيد وِترا حتى يحصل الإِنقاء. والواجب من ذلك مرة عامة للبدن. وقد سبق بحث ابن دقيق العيد في ذلك قريبا.
وقال ابن العربي في قوله "أو خمسًا": إشارة إلى أن المشروع هو الإِيتار؛ لأنه نقلهنّ من الثلاث إلى الخمس، وسكت عن الأربع. وقوله: أو أكثر من ذلك، بكسر الكاف، لأنه خطاب للمؤنث، في رواية أيوب عن حفصة في الباب الذي يليه "ثلاثًا" أو خمسًا أو سبعًا، وليس في شيء من الروايات بعد قوله "أو سبعًا" التعبير بأكثر من ذلك إلَّا في رواية لأبي داود، وأما ما سواها، فإما "أو سبعًا" وإما "أو أكثر من ذلك" بالسبع، وبه قال أحمد، فكره الزيادة على السبع، وقال ابن عبد البر: لا أعلم أحدًا قال بمجاوزة السبع، وبه قال أحمد، فكره الزيادة على السبع، وقال ابن عبد البر: لا أعلم أحدًا قال بمجاوزة السبع، وسيأتي عن قتادة أن ابن سيرين كان يأخذ الغسل عن أُم عطية ثلاثًا، وإلا فخمسًا، وإلا فأكثر. قال: فرأينا أن أكثر من ذلك سبع.
وقال المَاوَرْدِيّ: الزيادة على السبع سرف، وقال ابن المنذر: بلغني أن جسد الميت يسترخي بالماء، فلا أحب الزيادة على ذلك. وقوله: إن رأيتن ذلك، قال الطّيبيّ: بكسر الكاف، خطاب لأم عطية، ومعناه التفويض إلى اجتهادهن بحسب الحاجة لا التشهي، وقال ابن المنذر: إنما فوّض الرأي اليهن بالشرط المذكور، وهو الإيتار. وحكى ابن التين عن بعضهم قال: يحتمل قوله "إن رأيتنَّ" أن يرجع إلى الأعداد المذكورة، ويحتمل أن يكون معناه إن رأيتن أن نفعلن ذلك، وإلا فالإنقاء يكفي.
وقوله: بماء وسدر، قال ابن العربى: هذا أصل في جواز التطهير بالماء المضاف إذا لم يسلب الماء الإطلاق. وهو مبني على الصحيح من أن غسل الميت للتطهير كما تقدم. وقوله: واجعلنَ في الآخرة كافورًا أو شيئًا من كافور، هو شك من الراوي، أي اللفظتين، والأول محمول على الثاني، لأنه نكرة في سياق الإثبات، فيصدق بكل شيء منه، وجزم في الرواية التي تلي هذه بالشق الأول، وكذا في رواية ابن جريج، وظاهره جَعْلُ الكافور في الماء، وبه قال الجمهور. وقال النخعيّ. إنما يُجعل في الحنوط بعد انهاء الغسل والتجفيف. قيل: الحكمة في الكافور مع أنه يطيب رائحة الموضع لأجل من يحضر من الملائكة وغيرهم، أنَّ فيه تجفيفًا وتبريدًا وقوة نفوذ، وخاصية في تصليب بدن الميت، وطرد الهوام عنه، وردع ما يتخلل من الفضلات، ومنع إسراع الفساد إليه، وهو أقوى الأراييح الطيبة في ذلك، وهذا هو السر في جعله في الأخيرة، إذ لو كان في الأولى مثلًا، لأذهبه الماء.
وهل يقوم المسك مثلًا مقام الكافور إنْ نُظِر إلى مجرد التطيب؟ نعم، وإلا فلا، وقد يقال: إذا عدم الكافور قام غيره مقامه، ولو بخاصية واحدة مثلًا. وقوله: فإذا فرغتنَّ فآذِنَّني، أي اعلمنني. وقوله: فلما فرغنا، هكذا بصيغة الماضي لجماعة المتكلمين، وفي رواية الأصيليّ: فلما فرغنَ، بصيغة الماضي للجمع المؤنث.
وقوله: حَقْوه، بفتح الحاء المهملة وسكون القاف، وفي الحكم الحَقو والحِقو، بالفتح والكسر، والحَقوة والحَقا، كله الإزار، كأنه سمي بما يلاث عليه، والمراد به هنا الإزار، كما وقع مفسرًا في آخر هذه الرواية، تعني إزاره، والحقو في الأصل مَعْقِد الإزار، وأطلق على الإزار مجازًا، وسيأتي بعد ثلاثة أبواب عن محمد بن سيرين "فنزع من حقوه إزاره" والحقو في هذا على حقيقته. قاله في الفتح، وهو واضح، واعترض عليه العيني بأن الحقو لم يقل أحدٌ أنه حقيقة ومجاز، وإنما هو من المشترك، والمشترك حقيقة في معنييه أو معانيه. قلت: من محبته في الاعتراض على صاحب الفتح ذَهَل عما مرَّ عنه قريبًا، عازيًا له إلى المحكم أن تسمية الإزار حقوًا تسمية له بما يلاث عليه، وهذا هو حقيقة المجاز.