الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّسَائي عن كلثوم الخُزاعيّ عنه، وعند ابن ماجه والطَّحاوِيّ عن أبي الأحوص عنه.
رجاله سبعة:
مرّ منهم في الذي قبله محمد بن نمير، ومرَّ فيه محل الأعمش، وإبراهيم وعلقمة وابن مسعود، والباقي اثنان الأول منهما إسحاق بن منصور السَّلولي مولاهم، أبو عبد الرحمن، ذكره ابن حِبّان في الثقات، وقال ابن مُعين: ليس به بأس، وقال العجليّ: كوفي ثقة، وقد كتبت عنه روى عن إسرائيل وزهير بن معاوية وهريم بن سفيان وغيرهم. وروى عنه أبو نعيم، وهو من أقرانه، وابنا أبي شيبة وعباس العنبريّ وغيرهم. مات سنة أربع أو خمس ومئتين.
الثاني هريم بن سفيان البَجْلِيّ، أبو محمد الكوفي، ذكره ابن حِبّان في الثقات، وقال ابن مُعين وأبو حاتم: ثقة، وقال عثمان بن أبي شيبة: صدوق ثقة، وقال الدارقطني: صدوق، وقال البَزّار: صالح الحديث، ليس بالقوي. روى عن إسماعيل بن أبي خالد وبَيَان بن بِشر والأعمش وغيرهم. وروى عنه إسحاق بن منصور السَّلوِليّ وأبو غسان النَّهديّ وأبو نعيم وغيرهم.
الحديث الرابع
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عِيسَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ شُبَيْلٍ عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ قَالَ: قَالَ لِي زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ: إِنْ كُنَّا لَنَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، يُكَلِّمُ أَحَدُنَا صَاحِبَهُ بِحَاجَتِهِ حَتَّى نَزَلَتْ {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} الآيَةَ، فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ.
قوله: "إن كنا لنتكلم" بتخفيف نون إنّ، وهذا حكمه الرفع، وكذا قوله:"أمرنا" لقوله فيه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، حتى ولو لم يقيد بذلك، لكان ذكر نزول الآية كافيًا في كونه مرفوعًا، وقوله:"يكلم أحدُنا صاحبه بحاجته" تفسير لقوله: "نتكلم"، والذي يظهر أنهم كانوا لا يتكلمون فيها بكل شيء، وإنما يقتصرون على الحاجة من رد السلام ونحوه. وقوله:"حتى نزلت" ظاهر في أن نسخ الكلام في الصلاة وقع بهذه الآية، فيقتضي أن النسخ وقع بالمدينة؛ لأن الآية مدنية باتفاق، فيشكل ذلك على قول ابن مسعود: إن ذلك وقع لما رجعوا من عند النجاشيّ، وكان رجوعهم من عنده إلى مكة، وذلك أن بعض المسلمين هاجرو إلى الحبشة، ثم بلغهم أن المشركين أسلموا، فرجعوا إلى مكة فوجدوا الأمر بخلاف ذلك، واشتد الأذى عليهم، فخرجوا إليها أيضًا، فكانوا في المرة الثانية أضعاف الأُولى، وكان ابن مسعود مع الفريقين.
واختلف في مراده، بقوله:"فلما رجعنا" هل أراد الرجوع الأول أو الثاني، فجنح القاضي أبو الطيب الطَّبري وآخرون، إلى الأول، وقالوا: كان تحريم الكلام بمكة، وحملوا حديث زيد على أنه وقومه لم يبلغهم النسخ، وقالوا: لا مانع أن يتقدم الحكم ثم تنزل الآية بوقفه. وجنح آخرون إلى
الترجيح، فقالوا: يترجح حديث ابن مسعود بأنه حكى لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، بخلاف زيد بن أرقم، فلم يحكه.
وقال آخرون: إنما أراد ابن مسعود رجوعه الثاني وقد ورد أنه قدم المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم يتجهز إلى بدر، وفي مستدرك الحاكم عن عبد الله بن عُتبة بن مسعود عن ابن مسعود قال: بعثنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشيّ ثمانين رجلًا، فذكر الحديث بطوله، وفي آخره "فتعجل عبد الله بن مسعود فشهد بدرًا"، وفي السير لابن إسحاق أن المسلمين بالحبشة لما بلغهم أن النبي صلى الله عليه وسلم هاجر إلى المدينة رجع منهم إلى مكة ثلاثة وثلاثون رجلًا، فمات منهم رجلان، بمكة وحبس منهم سبعة، وتوجه إلى المدينة أربعة وعشرون رجلًا فشهدوا بدرًا، فعلى هذا كان ابن مسعود من هؤلاء، فنظر أن اجتماعه بالنبي صلى الله عليه وسلم، بعد رجوعه كان بالمدينة، وإلى هذا الجمع نحا الخطابيّ، ولم يقف من تعقب كلامه على مستنده.
ويقوي هذا الجمع رواية كلثوم المتقدمة، فإنها ظاهرة في أن كلًا من ابن مسعود وزيد بن أرقم حكى أن الناسخ قولُه تعالى:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} ، وأما قول ابن حِبّان: كان نسخ الكلام بمكة قبل الهجرة بثلاث سنين، قال: ومعنى قول زيد بن أرقم: كنا نتكلم، أي كان قومي يتكلمون؛ لأن قومه يصلون قبل الهجرة مع مصعب بن عمير، الذي كان يعلمهم القرآن، فلما نسخ إباحة الكلام بمكة، بلغ ذلك أهلَ المدينة فتركوه، فهو متعقب بأن الآية مدنية باتفاق، وبأن إسلام الأنصار وتوجُّه مصعب بن عمير إليهم إنما كان قبل الهجرة بسنة واحدة، وبأن في حديث زيد بن أرقم "كنا نتكلم خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم": كما أخرجه التِّرْمِذِي فانتفى أن يكون المراد الأنصار الذين كانوا يصلون بالمدينة قبل هجرة النبي صلى الله عليه وسلم إليهم.
وأجاب ابن حِبان في موضع آخر بأن زيد بن أرقم أراد بقوله: "كنا نتكلم" مَن كان يصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم، بمكة من المسلمين، وهو مُتَعَقَّبٌ أيضًا بأنهم ما كانوا بمكة يجتمعون إلا نادرًا، وبما روى الطبرانيّ من حديث أبي أمامة قال: كان إذا دخل المسجد فوجدهم يصلون سأل الذي إلى جنبه فيخبره بما فاته، فيقضي، ثم يدخل معهم، حتى جاء معاذ يومًا، فدخل في الصلاة فذكر الحديث. وهذا كان بالمدينة قطعًا؛ لأن أبا أمامة ومعاذ بن جبل، انما أسلما بها.
وقوله: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} الآية، كذا في رواية كريمة، وساق في رواية أبوي ذَرٍّ والوقت الآية إلى آخرها، وانتهت رواية الأصيلي إلى قوله:{الْوُسْطَى} واختلف في المراد بصلاة الوسطى على عشرين قولًا. قيل إنها صلاة العصر، وهو قول علي بن أبي طالب، فقد روى التِّرمذيّ والنَّسائيّ عن زِرّ بن حُبيش قال: قلنا لعُبيدة: سل عليًا عن الصلاة الوسطى، فسأله فقال: كنا نرى أنها الصبح حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، يوم الأحزاب:"شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر" وهذه الرواية تدفع دعوى من زعم أن قوله: "صلاة العصر" في حديث مسلم عن علي "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر" مُدْرَجٌ من تفسير بعض الرواة، وهي نص في أن كونها
العصر من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، وكونها العصر هو المعتمد، وبه قال ابن مسعود وأبو هريرة، وهو الصحيح من مذهب أبي حنيفة.
وقول أحمد، والذي صار إليه معظم الشافعية لصحة الحديث فيه. قال الترمذيّ: هو قول أكثر علماء الصحابة، وقال الماورديّ: هو قول جمهور التابعين. وقال ابن عبد البرّ: هو قول أكثر أهل الأثر، وبه قال من المالكية ابن حبيب وابن العَربي وابن عطية.
ويؤيده أيضًا ما رواه مسلم عن البراء بن عازب قال: نزل {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} فقال رجل فهي إذن صلاة العصر، فقال: أخبرتك كيف نزلت. وأخرج البخاريّ عن عليّ رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق:"حبسونا عن صلاة الوسطى حتى غابت الشمس"، ولمسلم عن عُبيدة السلمانيّ عن عليّ بلفظ "كما حبسونا عن الصلاة الوسطى حتى غربت الشمس" يعني العصر. وروى أحمد والترمذيّ عن سمرة، رفعه قال:"صلاة الوسطى صلاة العصر".
وروى ابن جرير عن أبي هُريرة، رفعه "الصلاة الوسطى صلاة العصر". وعن كُهَيل بن حَرْملة سئل أبو هُريرة عن الصلاة الوسطى فقال: اختلفنا فيها ونحن بفناء بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم خرج إلينا فقال: أخبرنا أنها صلاة العصر. وعن عبد العزيز بن مروان أنه أرسل إلى رجل فقال: أي شيء سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة الوسطى؟ فقال: أرسلنى أبو بكر وعمر أسأله، وأنا غلام صغير فقال: هي العصر، وعن أبي مالك الأشعري، رفعه "الصلاة الوسطى صلاة العصر".
وروى التِّرمذيّ وابن حِبّان عن ابن مسعود مثله، وروى ابن جرير عن هشام بن عُروة عن أبيه قال: كان في مصحف عائشة {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} وهي صلاة العصر، وروى ابن المُنْذر عن ابن عباس قال: شغل النبيَّ صلى الله عليه وسلم الأحزابُ يوم الخندق عن صلاة العصر حتى غربت الشمس، فقال:"شغلونا عن الصلاة الوسطى"، وأخرج أحمد عن أم سلمة وأبي أيوب وأبي سعيد وزيد بن ثابت وأبي هريرة وابن عباس من قولهم إنها صلاة العصر.
القول الثاني: إنها الصبح، وهو قول أبي أمامة وأنس وجابر وأبي العالية وعبيد بن عمير وعطاء ومكرمة ومجاهد، نقله ابن أبي حاتم عنهم، وهو أحد قولي ابن عمر وابن عباس، ونقله مالك والتِّرمذيّ عنهما، ونقله مالك بلاغًا عن علي، المعروف عنه خلافه، ونقل ابن جرير عن أبي رجاء العطارديّ قال: صليت خلف ابن عباس الصبح، فَقَنَتَ فيها ورفع يديه ثم قال: هذه الصلاة الوسطى التي أمرنا أن نقوم فيها قانتين، وأخرجه أيضًا من وجه آخر عنه وعن ابن عمر، ومن طريق أبي العالية: صليت خلف عبد الله بن قيس بالبصرة في زمن عمر صلاة الغَداة، فقلت لهم: ما الصلاة الوسطى؟ قالوا: هي: هذه الصلاة، وهو قول مالك والشافعيّ فيما نص عليه في الأُم. واحتجوا له بأن فيها القنوت. وقد قال الله تعالى:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} وبأنها لا تقصر في السفر، وأنها بين صلاتي جهر وصلاتي سر.
الثالث: قول زيد بن ثابت، أخرجه أبو داود من حديثه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهاجرة، ولم تكن صلاة أشد على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منها، فنزلت {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} الآية وجاء عن أبي سعيد وعائشة القول بأنها الظهر، أخرجه ابن المنذر وغيره، وروى مالك في الموطأ عن زيد بن ثابت الجزم بأنها الظهر، وبه قال أبو حنيفة في روايةٍ عنه. وروى الطيالسيّ عن زُهرة بن مَعْبدِ قال: كنا عند زيد بن ثابت، فأرسلوا إلى أسامة فسألوه عن الصلاة الوسطى، فقال: هي الظهر. ورواه أحمد من وجه آخر، وزاد "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الظهر بالهجير، فلا يكون وراءه إلا الصف أو الصفان، والناس في قائلتهم وفي تجارتهم، فنزلت".
الرابع: نقله ابن أبي حاتم بإسناد حسن عن ابن عباس، قال: صلاة الوسطى هي المغرب، وبه قال قُبَيصة بن ذؤيب. أخرجه ابن جَرير، وحجتهم أنها معتدلة في عدد الركعات، أنها لا تقصر في الأسفار، وأن العمل مضى على المبادرة إليها والتعجيل لها في أول ما تغرب الشمس، وأن قبلها صلاتا سر وبعدها صلاتا جهر.
الخامس: العشاء نقله ابن التين والقرطبيّ، واحتج له بأنه بين صلاتين لا تقصران، ولأنها تقع عند النوم، فذلك أمر بالمحافظة عليها، واختاره الواحديّ.
السادس: وهو ما صححه ابن أبي حاتم أخرجه بإسناد حسن عن نافع قال: سئل ابن عمر فقال: هي كلهن، فحافظوا عليهن، وبه قال معاذ بن جبل، واحتج له بأن قوله:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ} يتناول الفرائض والنوافل، فعطف عليه الوسطى، وأريد بها كل الفرائض تأكيدًا لها، واختار هذا القول ابن عبد البَرّ.
السابع: أنها الجمعة، ذكره ابن حبيب من المالكية، واحتج بما اختصت به من الاجتماع والخطبة، وصححه القاضي حسين، ورجحه أبو أسامة.
الثامن: الظهر في الأيام، والجمعة يوم الجمعة.
التاسع: الصبح والعشاء للحديث الصحيح في أنهما أثقل الصلاة على المنافقين، وبه قال الأبهريّ من المالكية.
العاشر: الصبح والعصر لقوة الأدلة في أن كلًا منهما قيل إنها الوسطى، فظاهر القرآن الصبح، ونص السنة العصر.
الحادي عشر: صلاة الجماعة.
الثاني عشر: الوِتر، وصنف فيه علاء الدين السخاويّ جزءًا، ورجحه القاضي تقي الدين الأخنائيّ، واحتج له في جزء.
الثالث عشر: صلاة الخوف.
الرابع عشر: صلاة عيد الأضحى.
الخامس عشر: صلاة عيد الفطر.
السادس عشر: صلاة الضحى.
السابع عشر: واحدة من الخمس غير معينة، قاله الربيع بن خُثيم وسعيد بن جبير وشُريح القاضي، وهو اختيار إمام الحرمين من الشافعية. قال: كما أخفيت ليلة القدر قال القرطبيّ: وصار إلى أنها أبهمت جماعة من العلماء المتأخرين، وهو الصحيح لتعارض الأدلة، وعسر الترجيح، وحديث البراء المتقدم عند مسلم يشعر بأنها أبهمت بعدما عينتْ، قال في "الفتح": وفي دعوى أنها أبهمت بعدما عينت، من حديث البراء. نعم، جواب البراء يشعر بالتوقف لمانظر فيه من الاحتمال، وهذا لا يدفع التصريح فيها في حديث علي.
الثامن عشر أنها الصبح أو العصر على الترديد، وهو غير القول المتقدم، الجازم بأن كلًا منهما يقال لها الوسطى.
التاسع عشر: التوقف، فقد روى ابن جرير عن سعيد بن المسيب بإسناد صحيح، قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مختلفين في الصلاة الوسطى، هكذا، وشبك بين أصابعه.
العشرون: صلاة الليل، وأقوى شبهة لمن زعم أنها غير العصر مع صحة الحديث، حديث البراء بن عازب، وهو لا يدفع التصريح فيها في حديث عليّ كما مرّ، ومن حجتهم على أنها غير العصر، ما رواه مسلم وأحمد عن أبي يونس عن عائشة أنها أمرته أن يكتب لها مصْحفًا، فلما بلغت {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} قال: فأملت عليّ "وصلاة العصر" قالت: سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وروى مالك عن عمرو بن نافع قال: كنت أكتب مصحفًا لحفصة، فقالت: إذا بلغت هذه الآية قآذني، فأملت علي {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} وصلاة العصر، وأخرجه ابن جرير من وجه آخر حسن، عن عمرو بن نافع. وروى ابن المنذر عن عُبيد الله بن رافع "أمرتني أم سلمة أن أكتب لها مصحفًا، فذكر مثل حديث عمرو بن نافع سواء، وعن سالم بن عبد الله بن عمر أن حفصة أمرت إنسانًا أن يكتب لها مصحفًا نحوه، وعن نافع أن حفصة أمرت مولى لها أن يكتب لها مصحفًا فذكر مثله، وزاد: كما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولها، قال نافع: فقرأت ذلك المصحف، فوجدت فيه الواو، فتمسك قوم بأن العطف يقتضي المغايرة، فتكون صلاة العصر غير الوسطى.
وأجيب بأن حديث علي ومن وافقه أصح إسنادًا، وأصرح، وبأن حديث عائشة قد عورض برواية عُروة "أنه كان في مصحفها: وهي العصر" فيحتمل أن تكون الواو زائدة، ويؤيده ما رواه أبو عبيد، بإسناد صحيح، عن أُبي بن كعب أنه كان يقرؤها {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى
صلاة العصر} بغير واو، أو هي عاطفة لكن عطف صفة لا عطف ذات، وبأن قوله {والصلاة الوسطى والعصر} ، لم يقرأ بها أحد، ولعل أصل ذلك ما في حديث البراء أنها نزلت أولًا {والعصر} ثم نزلت ثانيًا بدلها {وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} فجمع الراوي بينهما، ومع وجود الاحتمال لا ينهض الاستدلال، فكيف يكون مقدمًا على النص الصريح بأنها العصر؟
قال الحافظ صلاح الدين العلانيّ: حاصل أدلة من قال إنها غير العصر، يرجع إلى ثلاثة أنواع:
أحدها تنصيص بعض الصحابة، وهو معارض بمثله ممن قال منهم إنها العصر، ويترجح قول العصر بالنص الصريح المرفوع، وإذا اختلف الصحابة لم يكن قول بعضهم حجة على غيره، فتبقى حجة المرفوع قائمة.
ثانيها معارضة المرفوع بورود التأكيد على فعل غيرها، كالحث على المواظبة على الصبح والعشاء، وقد تقدم في مواقيت الصلاة، وهو معارض بما هو أقوى منه، وهو الوعيد الشديد الوارد في ترك صلاة العصر، كما تقدم أيضًا.
ثالثها ما جاء عن حفصة وعائشة من قراءه {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر} فإن العطف يقتضي المغايرة، وهذا يرد عليه إثبات القرآن بخبر الآحاد، وهو ممتنع، وكونه ينزَّل منزلة خبر الواحد مختلف فيه، سلمنا، لكن لا يصح معارضًا للمنصوص صريحًا، وأيضًا فليس العطف صريحًا في اقتضاء المغايرة، لوروده في نسق الصفات، كقوله تعالى:{الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ} .
وكما ورد الخلاف في صلاة الوسطى، ورد في المراد بالقنوت في قوله تعالى:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} وحديث الباب، حديث زيد بن أرقم، ظاهر في أن المراد بالقنوت السكون، لقوله فيه "فأمرنا بالسكوت" أي، عن الكلام المتقدم ذكره، لا مطلقًا، فإن الصلاة ليس فيها حال سكوت حقيقة. قال ابن دقيق العيد: ويترجح بما دل عليه لفظ "حتى" التي للغاية، وإلغاء التي تشعر بتعليل ما سبق عليها لما يأتي بعدها. وقيل:"قانتين": مطيعين، أخرجه ابن أبي حاتم، بإسناد صحيح، عن ابن مسعود، ونقله عن ابن عباس أيضًا، وجماعة من التابعين، وذكر من وجه آخر عن ابن عباس قال: قانتين أيْ: مصلين. وعن مجاهد قال: من القنوت الركوعُ والخشوعُ وطولُ القيام وغضُّ البصر وخفض الجناح والرهبة لله.
وقوله "فأمرنا بالسكوت"، زاد مسلم في روايته "ونهينا عن الكلام" ولم تقع في البخاريّ. وذكرها صاحب العمدة، ولم ينبه أحد من شراحها عليها، واستدل بهذه الزيادة على أن الأمر بالشيء ليس نهيًا عن ضده، إذ لو كان كذلك لم يحتج إلى قوله:"ونهينا عن الكلام"، وأجيب بأن دلالته على ضده دلالة التزام، ومن ثم وقع الخلاف، فلعله ذكر لكونه أصرح.