الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتمسك الأولون بأنّ الوصية عقد، والعقود تعتبر بأولها، وبأنه لو نذر أن يتصدق بثلث ماله اعتبر ذلك حالة النذر اتفاقًا. وأجيب بأن الوصية ليست عقدًا، من كل جهة، ولذلك لا تعتبر فيها الفورية، ولا القبول، وبالفرق بين النذر والوصية بأنها يصح الرجوع عنها، والنذر يلزم. وثمرة هذا الخلاف تظهر فيما لو حدث له مال بعد الوصية.
واختلفوا أيضًا، هل يحسب الثلث من جميع المال أو تنفذ بما علمه الموصى دون ما خفي عليه أو تجدد له، ولم يعلم به، وبالأول قال الجمهور، وبالثاني قال مالك. وحجة الجمهور أنه لا يشترط أن يستحضر تعداد مقدار المال حالة الوصية اتفاقًا، ولو كان عالمًا بجنسه، فلو كان العلم به شرطًا لما جاز ذلك.
وأول من أوصى بالثلث في الإِسلام البراء بن مَعْرور، بمهملات، أوصى به للنبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد مات قبل أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بشهر، فقبله النبيّ صلى الله عليه وسلم، ورده على ورثته. أخرجه الحاكم وابن المنذر عن أبي قتادة، وفيه في قوله "أفأتصدق بمالي كله" على تلك الرواية حجةٌ لما ذهب إليه الجمهور في هبات المريض وصدقته وعتقه، أنَّ ذلك من ثلثه لا من جميع المال. وهو قول مالك وأبي حنيفة وصاحبيه والشافعيّ وأحمد وعامة أهل الحديث والرأي، محتجين بحديث عمران بن حصين في الذي أعتق ستة أَعْبُدٍ في مرضه ولا مال له غيرهم، فتوفي فاعتق النبي صلى الله عليه وسلم اثنين منهم، وأرق أربعة.
وقالت فرقة من أهل النظر، وأهل الظاهر، في هبة المريض، أنها من جميع المال، وقال ابن بطال: هذا القول لا نعلم أحدًا من المتقدمين قال به، وأجمع فقهاء الأمصار أن الوصية بأكثر من الثلث إذا أجازها الورثة جازت، وإن لم تجزها الورثة لم يجز منها إلا الثلث، وأبى ذلك أهل الظاهر فمنعوها، وإن أجازتها الورثة، وهو قول عبد الرحمن بن كيسان، وكذلك قالوا: إن الوصية لوارث لا تجوز، وإنْ أجازتها الورثة، لحديث "لا وصية لوارث" وسائر الفقهاء يجيزون ذلك إذا أجازتها الورثة، ويجعلونها هبة.
وهذا الحديث قد ذكرتُ في كتاب الإيمان أني أتكلم على كل محل منه بحسب ما ذكر لأجله، وقد استوفيت الكلام عليه هنا غاية الاستيفاء.
رجاله خمسة:
قد مرّوا، وفيه ذكر ابنة مبهمة لسعد، وذكر سعد بن خولة، مرَّ عبد الله بن يوسف ومالك في الثاني من بدء الوحي، وابن شهاب في الثالث منه، وعامر بن سعد وأبوه سعد في العشرين من الإيمان، وابنة سعد المبهمة اسمها عائشة، وليست بالتي روى عنها مالك، تيك أخت هذه، وهي
تابعية، ولا يدرك مالك طبقة عائشة بنت سعد الكبرى، (فالصغرى) إنما ولدت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بدهر، ولا ترجموها بأنها أدركت شيئًا من أمهات المؤمنين، وقد ظن من لا علم عنده بأن مالكًا تابعيّ بروايته عن عائشة بنت سعد، ظانًا أنها الكبرى المذكورة في الصحيح.
وسعد بن خولة القرشي العامريّ من بني مالك بن حِسْل بن عامر بن لُؤَيّ، وقيل من حلفائهم، وقيل من مواليهم، وقال ابن هشام: هو فارسي من اليمن، حالف بني عامر، ذكره ابن إسحاق وموسى بن عقبة في البدريين. له ذكر في الصحيحين في حديث سعد هذا، وفي حديث سُبيعة بنت الحارث أنها كانت تحت سعد بن خولة، فتوفي عنها في حجة الوداع، وهي حامل، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبرته أنها ولدت بعد وفاته بليال، فقال لها: قد حَلِلْتِ فأنكحي من شئت".
ولم يختلفوا أنه مات بمكة في حجة الوداع، وقال الواقدي: إنه هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية. والحديث أخرجه البخاريّ في عشرة مواضع في المغازي، وفي الدعوات وفي الهجرة وفي الطب وفي الفرائض وفي النفقات وفي الوصايا وفي الإيمان، ومسلم في الوصايا، وكذا أبو داود والتِّرْمِذِيّ، وابن ماجه والنَّسَائي في الوصايا وفي عشرة النِّساء وفي اليوم والليلة. ثم قال المصنف: