الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد روى ابن أبي شيبة عن خارجة بن زيد بن ثابت، عن عمه يزيد بن ثابت قال:"كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فطلعت جنازة، فلما رآها قام، وقام أصحابه حتى بعدت، والله ما أدري من شأنها أو من تضايق المكان، وما سألناه عن قيامه" ومقتضى التعليل بقوله "أليست نفسًا" أن ذلك يستحب لكل جنازة، وإنما اقتصر في الترجمة على اليهوديّ، وقوفًا مع لفظ الحديث. قلت: ولأن القيام لجنازة اليهوديّ يفهم منه بالأوْلى القيامُ لجنازة غيره.
والقادسية في الحديث، بالقاف والدال المكسورة، والسين والياء المشددة، قرية صغيرة ذات نخيل ومياه بينها وبين الكوفة مرحلتان، وقيل بينهما خمسة عشر فرسخًا على طريق الحاج، وبها كانت وقعة القادسية في أيام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وتوجد بلاد آخر يسمى كل واحد منها قادسية.
رجاله ستة:
مرَّ منهم آدم وشعبة في الثالث من الإِيمان، ومرَّ عمر بن مُرَّة في السبعين من الجماعة، ومرَّ عبد الرحمن بن أبي ليلى في الثالث والستين من صفة الصلاة، والباقي اثنان:
الأول سَهل بن حُنيف بن واهب بن العكيم بن ثعلبة بن الحارث بن مَجْدَعة بن عمرو بن حَنَش بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس الأنصاريّ الأوسيّ، يكنى أبا سعد أو أبا عبد الله أو أبا ثابت، كان من السابقين،، وشهد بدرًا والخندق والمشاهد كلها، وثبت يوم أحد حين انكشف الناس، وبايع يومئذ على الموت، وكان يَنْفَحُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنَّبل، فيقول: نَبِّلُوا سَهْلًا، فإنه سَهْل"، وكان عمر يقول: سَهْلٌ غير حَزْن، واستخلفه عليّ على المدينة حين خرج إلى البصرة، وشهد معه صفين، ويقال إن النبيّ صلى الله عليه وسلم آخى بينه وبين عليّ بن أبي طالب، وولاه على فارس، وأخرجوه، فوجه عليّ زيادًا فأرضوه وصالحوه، وأدوا الخراج.
له أربعون حديثًا اتفقا على أربعة، وانفرد مسلم بحديثين، روى عنه ابناه أسعد وعبد الله، وأبو وائل وعبد الرحمن بن أبي ليلى، مات بالكوفة سنة ثمان وثلاثين، وصلى عليه عليّ وكَبَّر ستًا. وفي رواية "خمسًا" وقال: إنه بدريٌّ.
الثاني قيس بن سعد بن عُبادة بن دُليم الأنصاريّ الخزرجيّ، تقدم نسبه في نسب أبيه يكنى، أبا الفضل، أو أبا عبد الله، أو أبا القاسم. أو أبا عبد الملك، وأمه فكيهة بنت عُبَيد بن دُليم بنت عم أبيه قال عمرو بن دينار: كان قيس ضخمًا حسنًا طُوالًا، إذا ركب الحمار خَطَّت رجلاه الأرض، شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهدَ، وأخذ عليه الصلاة والسلام الراية من أبيه يوم الفتح ودفعها له، وفي صحيح البخاريّ عن أنس قال: كان قيس بن سعد من النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة صاحب الشُّرْطَة من الأمير.
وأخرج البخاريّ في التاريخ عن مَريم بن أسعد قال: لقيت قيس بن سعد، وقد خدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، وأخرج البغويّ عن ابن شهاب قال: كان قيسٌ حامل راية الأنصار مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من ذوي الرأي من الناس وقال ابن يونس: شهد فتح مصر، واخْتَطَّ بها دارًا، ثم كان أمرها لعليِّ، وقال الواقديّ: سخيًا كريمًا ذا هبةٍ. وقال أبو عمر: كان أحد الفضلاء الجِلّة، من دُهاة العرب، من أهل الرأي والمكيدة في الحرب، من النجدة والسخاء والشجاعة، وكان شريفَ قومه غير مدافَع، وكان أبوه وجده كذلك.
وفي الصحيح عن جابر في قصة جيش العُسرة أنه كان في ذلك الجيش، وأنه كان ينحر ويطعم حتى استدان بسبب ذلك، ونهاه أمير الجيش، وهو أبو عُبيدة. وفي بعض طرقه أنه نحر تسعة ركائب، وأن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: الجُود من شِيمة ذلك البيت. وذكر الزبير أنه كان سنّاطًا، وكذلك عبد الله بن الزبير وشُريح القاضي، أي ليس في وجوههم شعر، وكانت الأنصار يقولون: وَدِدنا لو اشترينا لقيس بن سعد لِحيةً بأموالنا.
وأخرج الطبرانيّ في "مكارم الأخلاق" أن قيسًا كان يقول: اللهم ارزقني حمدًا ومجدًا، فإنه لا حمد إلا بفِعال، ولا مجد إلا بمال. وروى ابن المبارك أن معاوية كتب إلى مروان أن اشتر دار كثير بن الصلت منه، فأبى عليه، فكتب مروان إلى معاوية بذلك، فكتب إليه أن خذه بالمال الذي عليه، فإن جاء به وإلا بع عليه داره، فأرسل إليه مروان، فأخبره فقال له: إني أُؤجلك ثلاثًا، فإن جئت بالمال وإلاّ بيعت عليك دارُك. قال: فجمعه إلى ثلاثين ألفًا، فقال: من لي بها؟ ثم ذكر قيس بن سعد، فأتاه، فطلبها منه، فأقرضه اياها، فجاء بها إلى مروان، فلما رأى أنه قد جاء بها، ردها عليه ورد عليه داره، فرد كثيرٌ الثلاثين ألفًا على قيس، فأبى أن يقبلها، وقال: إنا لا نعود في شيء أعطيناه. وقصته مع العجوز التي اشتكت إليه أنه ليس في بيتها جُرْذ، فقال: ما أحسن ما سألت، أما والله لأكثرن جرذًا في بيتك، فملأ بيتها طعامًا ورَدَكًا وإدامًا، صحيحة.
وكذلك خبرهُ لما توفي أبوه عن حمل لم يعلم به، فلما ولد وكان سعد قد قسم ماله حين خروجه من المدينة بين ولده، فكلم أبو بكر وعمر في ذلك قيسًا وسألاه أن ينقض ما صنع سعد من تلك القسمة، فقال: نصيبي للمولود، ولا أغير ما فعل أبي ولا أنقضه. خبر صحيح من رواية الثقات. ومن مشهور أخباره أنه كانت له ديون كثيرة على الناس، فمرض واستبطأ عُوّاده، فقيل: إنهم يستحيون من أجل دَيْنك، فأمر مناديًا ينادي: كل من كان لقيس بن سعد عليه دَين فهو له، فأتاه الناس حتى هدموا درجةً كانوا يصعدون عليها إليه.
قال ابن عبد البر: وأما خبره في السراويل عند معاوية فباطل، وزور مختلق، ليس له إسناد، ولا يشبه أخلاق قيس بن سعد في معاوية، لا سيرته في نفسه ونزاهته. وهي حكاية مفتعلة، وشعر مزور.
صحب قيسٌ عليًا، وشهد معه مشاهده كلها، وكان قد أمَّره على مصر، فاحتال عليه معاوية، فلم ينخدع له، فاحتال على أصحاب عليّ حتى حسّنوا له تولية محمد بن أبي بكر، فولاه مصر، وارتحل قيس، ففسدت عليه مصر، فشهد مع عليّ صفين، وهو القائل في صفين:
هذا اللواء الذي كنا نحفُّ به
…
مع النبي وجبريلٌ لنا مَددٌ
ما ضرَّ من كانت الأنصار عينته
…
ألَاّ يكون له من غيرهم أحدُ
قومٌ إذا حاربوا طالت أكفهم
…
في المَشْرفيَّة حتى يُفْتحَ البلَدُ
ثم كان مع الحسن بن علي حتى صالح معاوية، كان على مقدمته، ومعه خمسة آلاف قد حلقوا رؤوسهم بعدما مات عليّ، وتبايعوا على الموت، فلما دخل الحسن في بيعة معاوية، أبى قيس أن يدخل، وقال لأصحابه: ما شئتم؟ إنْ شئتم جالدتُ بكم أبدًا حتى يموت الأعجل منا، وإن شئتم أخذت لكم أمانًا. فقالوا: خذ لنا أمانًا، فأخذ لهم كذا وكذا، وأن لا يعاقبوا بشيء، وأنه رجل منهم، ولم يأخذ لنفسه خاصةً شيئًا، فلما ارتحل نحو المدينة، كان ينحر لأصحابه كل يوم جزورًا حتى بلغ المدينة، فأقام بها وأقبل على العبادة إلى أن مات بها.
له ستة عشر حديثًا، اتفقا على حديث، وانفرد البخاريّ بطرق من حديث آخر، روى عنه عمرو بن دينار أنه قال: لولا الإِسلام لمكرت مكرًا لا تطيقه العرب. مات في آخر خلافة معاوية بالمدينة، سنة ستين، وقيل سنة تسع وخمسين، وقيل: مات في خلافة عبد الملك سنة خمس وثمانين. والصحيح الأول.
ثم قال: وقال أبو حمزة عن الأعمش عن عمرو بن مُرة عن ابن أبي ليلى قال: كنت مع قيس وسهل رضي الله عنهما فقالا: "كنا مع النبيّ صلى الله عليه وسلم" أراد المصنف بهذا التعليق بيان سماع عبد الرحمن بن أبي ليلى لهذا الحديث من سَهل وقيس، لأن الرواية الأولى ليس فيها بيان ذلك، وهذا التعليق وصله أبو نعيم في المستخرج، ولفظه نحو حديث شُعبة، إلا أنه قال في روايته "فمرت عليهما جنازة فقاما" ولم يقل فيه بالقادسية.
ورجاله ستة:
قد مرّوا، مرَّ أبو حمزة محمد بن ميمون في الثامن والعشرين من الغُسل، ومرَّ الأعمش في الخامس والعشرين من الإِيمان، ومرت الأربعة الباقية في الذي قبله.
ثم قال: وقال زكرياء عن الشعبي عن ابن أبي ليلى: كان أبو مسعود وقيس يقومان للجنازة. ويجمع بين ما وقع فيه من الاختلاف بأن عبد الرحمن بن أبي ليلى ذكر قيسًا وسهلًا مفردين، لكونهما رفعا له الحديث، وذكر مرة أخرى عَن قيس وأبي مسعود لم يرفعه.
وهذا التعليق وصله سعيد بن منصور.
رجاله خمسة:
قد مرّوا، مرّ زكرياء بن أبي زائدة في الخامس والأربعين، وأبو مسعود في الثامن والأربعين، ومرّ الشعبيّ في الثالث منه، ومرّ ابن أبي ليلى وقيس بن سعد في الذي قبله، ثم قال المصنف: