الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحُدَيْبية سنة ست، أرسل إلى النجاشيّ سنة سبع في المحرّم عمرو بن أمية الضَمريّ، فأخذ كتاب النبيّ صلى الله عليه وسلم، فوضعه على عينيه، ونزل عن سريره، وجلس على الأرض تواضعًا، ثم أسلم، وكتب إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم بذلك، وأنه أسلم على يد جعفر بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه. ولم يهاجر إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكان ردءًا للمسلمين نافعًا. وقصته مشهورة في المغازي في إحسانه إلى المسلمين الذين هاجروا إليه في صدر الإِسلام.
وأخرج أصحاب الصحيح قصة صلاته صلى الله عليه وسلم، صلاةَ الغائب عليه من طرف منها: رواية عطاء عن جابر، لما مات النجاشيّ، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم:"قد مات اليوم عبد صالح يقال له أصحمه فقوموا فصلوا عليه .. " الخ قال الطبريّ: كان ذلك في رجب سنة تسع، وقال غيره: كان قبل الفتح، وروى ابن إسحاق عن عائشة: لما مات النجاشيّ كنا نتحدث أنه لا يزال على قبره نور.
وفي اسمه ستة ألفاظ: أَصْحَمَة بوزن أربعة، وحاؤه مهملة، وقيل معجمة، وقيل: إنه بموحدة بدل الميم، وقيل: صَحْمَة بغير ألف، وقيل كذلك لكن بتقديم الميم على الحاء، وقيل بزيادة ميم في أوله بدل الألف، والصحيح الأول.
والحديث أخرجه البخاري أيضًا في الجنائز، وأخرجه باقي الستة فيها أيضًا.
الحديث التاسع
حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ. وَإِنَّ عَيْنَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَتَذْرِفَانِ، ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مِنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ فَفُتِحَ لَهُ.
وورد في علامات النبوءة بلفظ "أن النبيّ صلى الله عليه وسلم نعى زيدًا، وجعفرًا
…
" الحديث قال: الزين بن المنير: وجه دخول قصة الأمراء في الترجمة، أن نعيهم كان لأقاربهم، وللمسلمين الذين هم أهلهم من جهة الدين. قوله: وإن عينيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لتذرِفان، أي بذال معجمة وراء مكسورة، أي تدفعان الدموع. وقوله: ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة ففتح له، وفي رواية المغازي "حتى أخذها سيفٌ من سيوف الله حتى فتح الله عليه"، وفي حديث أبي قتادة "ثم أخذ اللواء خالد بن الوليد، ولم يكن من الأمراء، وهو أمير نفسه، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنه سيف من سيوفك، فأنت تنصره، فمن يومئذ سمي سيف الله". وفي حديث عبد الله بن جعفر "ثم أخذها سيف من سيوف الله، خالد بن الوليد، ففتح الله عليهم".
والمراد بقوله: "من غير إمرة" نفي كونه كان منصوصًا عليه، وإلا فقد ثبت أنهم اتفقوا عليه،
وزاد فيه "وما يسرهم أنهم عندنا لما رأوا من فضل الشهادة". وزاد في حديث عبد الله بن جعفر "ثم أمهل آل جعفر ثلاثًا، ثم أتاهم، فقال: لا تبكوا على أخي بعد اليوم، ثم قال: ائتوني ببني أخي، فجيء بنا كأننا أفراخ، فدعا الحلّاق فحلق رؤوسنا، ثم قال: أما محمد فشبيه عمنا أبي طالب، وأما عبد الله فشبيه خَلقي وخُلقي، ثم دعا لهم.
وذكر موسى بن عقبة في المغازي أن يعلي بن أميمة قدم بخبر أهل مؤتة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن شئت أخبرني، وإن شئت أخبرك". قال: فأخبرني، فأخبره خبرهم، فقال: والذي بعثك بالحق ما تركت من حديثهم حرفًا لم تذكره. وعند الطبرانيّ عن أبي اليُسر الأنصاريّ أن أبا عامر الأشعري هو الذي أخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم بمصابهم. ويقال: إن السبب في غزوة الأمراء أن شرحبيل بن عمرو الغسانيّ، وهو من أمراء قيصر على الشام، قتل رسولًا أرسله النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى صاحب بُصرى، والرسول هو الحارث بن عمير، فجهز إليهم النبي صلى الله عليه وسلم، عسكرًا في ثلاثة آلاف.
وفي مغازي أبي الأسود عن عُروة: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الجيش إلى مؤتة في جمادى الأولى من سنة ثمان، لا يختلف أهل المغازي في ذلك، إلا ما ذكره خليفة في تاريخه أنها كانت سنة سبع، وفي السنن لسعيد بن منصور "فلما التقوا أخذ الراية زيد بن حارثة، فقاتل حتى قتل، ثم أخذها جعفر، فقاتل حتى قتل، ثم أخذها ابن رواحة فحاد حَيْدَةً فقال:
أقسمت بالله لتنزِلنَّه
…
كارهةً أو لتطاوِ عِنَّه
مالي أراك تكرهين الجنة
ثم نزل فقاتل حتى قتل، فأخذ خالد بن الوليد الراية، ورجع بالمسلمين على حمية، ورمى واقد بن عبد الله التيميّ المشركين حتى ردهم الله.
وفي آخره قال سعيد بن أبي هلال: وبلغني أنهم دفنوا يومئذٍ زيدًا وجعفرًا وابن رواحة في حفرة واحدة، وذكر ابن إسحاق بإسنادٍ حسن، وأخرجه أبو داود من طريقه عن رجل من بني مُرة قال: والله لكأني أنظر إلى جعفر بن أبي طالب حين اقتحم عن فرس له شقراء فعقرها، ثم تقدم فقاتل حتى قتل. قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن جعفر عن عُروة قال: ثم أخذ الراية عبد الله بن رُواحة، فالتوى بها بعض التواء، ثم تقدم على فرسه، ثم نزل فقاتل: حتى قتل، ثم أخذ الراية ثابت بن أقْرَم الأنصاريّ، فقال: أصطلحوا على رجُل، فقالوا: أنت لها، فقال. لا فاصطلحوا على خالد بن الوليد.
وروى الطبرانيّ في حديث أبي اليسر الأنصاري قال: أنا دفعت الراية إلى ثابت بن أقرم لما أصيب ابن رواحة، فدفعها إلى خالد بن الولد، وقال له: أنت أعلم بالقتال مني. وأخرج البخاريّ
في المغازي عن ابن عمر أنه قال: وقفت على جعفر يومئذ، وهو قتيل، فعددت به خمسين بين طعنة وضربة، ليس منها شيء في دُبُره، يعني في ظهره، وهذا بيان لفرط شجاعته وإقدامه.
وفي رواية عنه "ووجدنا ما في جسده بضعًا وتسعين من طعنة وضربة" وعند أبي نعيم عن أبي معشر "تسعين" وظاهرها التخالف، ويجمع بأن العدد لا يكون له مفهوم، أو بأن الزيادة باعتبار ما وجد فيه من رمي السهام، فإن ذلك لم يذكر في الرواية الأولى، أو الخمسين مقيدة بأنها ليس فيها شيء في دبره، أي في ظهره، فقد يكون الباقي في بقية جسده، ولا يلزم من ذلك أنه ولَّى دبره، فهو محمول على أن الرمي إنما جاء من جهة قفاه، أو جانبيه، فيدل ذلك على إحاطة العدو به، لكن يؤيد الأول أن في رواية العمريّ عن نافع "فوجدنا ذلك فيما أقبل من جسده" بعد أن ذكر أن العدد بضع وتسعون. وللبيهقيّ في "الدلائل" بضعًا وتسعين، أو بضعًا وسبعين. وأشار إلى أن بضعًا وتسعين أثبت.
وأخرجه الإِسماعيليّ عن البخاري بلفظ "بضعًا وتسعين أو بضعًا وسبعين بالشك" قال في "الفتح": لم أر ذلك في شيء من نسخ البخاريّ، وأخرج البخاري عن خالد بن الوليد أنه قال: لقد انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف، فما بقي في يدي إلا صحيفة يمانية.
وفي الحديث جاز تعليق الإِمارة بشرط، وتولية عدة أمراء بالترتيب، وقد اختلف هل تنعقد الولاية الثانية في الحال أو لا، والذي يظهر أنها تنعقد في الحال، بشرط الترتيب، وقيل: تنعقد لواحد لا بعينه، وتتعين لمن عيّنها الإِمام على الترتيب. وقيل: تنعقد للأول فقط، وأما الثاني فبطريق الاختيار، واختيار الإِمام مقدم على غيره؛ لأنه أعرف بالمصلحة العامة.
وفيه جاز التأمر في الحرب بغير تأمير، وقال الطحاويّ: هذا أصل يؤخذ منه أن على المسلمين أن يقدموا رجلًا إذا غاب الإِمام يقوم مقامه، إلى أن يحضر. وفيه جواز الاجتهاد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه علم ظاهر من أعلام النبوءة، وفضيلة ظاهرة لخالد بن الوليد ومن معه من الصحابة، واختلف أهل النقل في المراد بقوله:"حتى فتح الله عليه" هل كان هناك قتال فيه هزيمة للمشركين، أو المراد بالفتح انحيازه بالمسلمين حتى رجعوا سالمين؟.
وفي رواية ابن إسحاق عن عُروة: فحاشر خالدٌ الناس، ودافع، وانحاز وانحِيز عنه، ثم انصرف بالناس، وهذا يدل على الثاني، ويؤيده ما مرَّ في سنن سعيد بن منصور. وذكر ابن سعد عن أبي عارم أن المسلمين انهزموا لما قتل ابن رواحة، حتى لا أرى اثنين جميعًا، ثم اجتمعوا على خالد بن الوليد.
وعند الواقديّ عن الحارث بن فضيل قال: لما أصبح خالد بن الوليد جعل مقدمته ساقة،