الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"ليلًا يستغفر، فيسب نفسه وهو لا يشعر ويجيء من الاحتمال ما تقدم في حديث الباب، وفيه الحث على الاقتصاد في العبادة، والنهي عن التعمق فيها، والأمر بالإقبال عليه ابن شاط، وفيه إزالة المنكر باليد واللسان، وجواز تنفل النساء في المسجد، واستدل به على كراهة التعلق بالحبل في الصلاة.
رجاله أربعة:
قد مرّوا، وفيه ذكر زينب، مرّ أبو معمر وعبد الوارث في السابع عشر من العلم، ومرّ عبد العزيز بن صُهَيب في الثامن من الإيمان، وأنس في السادس منه.
وزينب المراد بها أُم المؤمنين زينب بنت جحش بن رَباب بن يَعْمُر بن صُبَيرة بن مُرة بن كَبير بن غَنْم بن دَرْوان بن أَسَد بن خُزيمة، أمها أُميمَة بنت عبد المطلب، عمة النبي عليه الصلاة والسلام، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، سنة ثلاث، وقيل سنة خمس، ونزلت بسببها آية الحجاب، وكانت قبله عند مولاه زيد بن حارثة، وفيها نزل:{فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} وكان زيد يدعى ابن محمد، فلما تزوجها تكلم المنافقون في ذلك، فأنزل الله تعالى:{مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} وقوله تعالى: {ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} فعندما تزوج النبيّ صلى الله عليه وسلم امرأته بعده، انتفى ما كان الجاهلية يعتقدونه، مِنْ أَنَّ مَنْ تبنى غيره يصير ابنه، بحيث يتوارثان إلى غير ذلك.
وكانت اسمها بُرْة، ولما دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، سماها زينب، وأخرج ابن سعد بسند مرسل: فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحدث عن عائشة، إذ أخذته غَشْية فَسُرِّيَ عنه، وهو يبتسم ويقول: مَنْ يذهب إلى زينب يبشرها؟ وتلا: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} الآية. قالت عائشة: فأخذني ما قرب وما بعد، لما يبلغني من جمالها، وأخرى هي أعظم وأشرف، ما صنع لها زوجها الله في السماء، وقلت: هي تفخر علينا بهذا.
وعن ابن عباس، لما أُخبرت زينب بتزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم لها، سجدت. وأخرج ابن عبد البَرّ بسنده، عن أنس بن مالك، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لزيد بن حارثة:"اذكرها" قال زيد: فذهبتُ فقلتُ: يا زينب، أبشري، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل بذكرك، فقالت: ما أنا بصانعة شيئًا حتى أقضي أوامر ربه. فقامت إلى مسجدها، ونزل القرآن، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخل عليها بغير إذن. وأخرج ابن عبد البر، أنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم، قال لعمر بن الخطاب:"إن زينب بنت جحش أَوّاهة"، قال رجل: يا رسول الله، ما الأوّاهة؟ قال:"الخاشع المتضرع، إن إبراهيم لأوّاهٌ حليم".
وقد وصفت عائشة زينب بالوصف الجميل في قصة الإفك، فقالت: إن الله عصمها بالورع، وهي التي كانت تسأمني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وكاتت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بأنها بنت عمته، وبأن الله زوجها له، وهن زوجهن أولياؤهن. ومن طريق عبد الواحد بن أبي عوف، قالت: يا رسول الله، إني والله ما أنا كإحدى، ليست امرأةٌ إلَاّ زوجها أبوها أو أخوها أو وليها غيري، زوجنيك الله من
السماء. وأخرج ابن عبد البر بسنده عن عائشة، أنها ذكرت زينب بنت جحش، فقالت: ولم تكن امرأة خيرًا منها في الدارين، وأتقى لله، وأصدق حديثًا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد تبذيلًا لنفسها في العمل الذي يتصدق به، ويتقرب به إلى الله عز وجل.
ومن حديث أُم سلمة عند الواقديّ بسند موصول، قالت أُم سلمة: كانت زينب لرسول الله صلى الله عليه وسلم مصحبة، وكان يستكثر منها، وكانت صالحة قوّامة صوّامة صَناعًا، تَتَصدَّق بذلك كله على المساكين، وكانت أول نساء النبي، صلى الله عليه وسلم، ماتت بعده. ففي الصحيحين، واللفظ لمسلم عن عائشة، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أسرعكن لحاقاً بي أطولكن يدًا" فكن يتطاولن أيتهن أطول يدًا، قالت: وكانت زينب أطولنا يدًا؛ لأنها كانت تعمل بيدها وتتصدق. وروى عنها من نحو المرفوع قالت: كنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا، بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، نمد أيدينا في الجدار، نتطاول، فلم نزل نفعل ذلك، حتى توفيت زينب بنت جحش، وكانت امرأة قصيرة، ولم تكن بأطولنا، فعرفنا حينئذٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد طول اليد بالصدقة، وكانت زينب امرأة صَناعَ اليدين، فكانت تدبغ وتخرز، وتتصدق به في سبيل الله.
وأخرج ابن سَعْد عن محمد بن كَعب قال: كان عطاءُ زينبَ بنت جحش إثني عشر ألفًا، لم تأخذه إلا عاماً واحدًا، فجعلت تقول: اللهم لا يدركني هذا المال من قابل، فإنه فتنة، ثم قسمته في أهل رحمها، وفي أهل الحاجة، فبلغ عمر فقال: هذه امرأة يراد بها خير، فوقف عليها، وأرسل بالسلام، وقال: بلغني ما فرقتِ، فأرسل بألف درهم تستبقينها، فسلكت بها ذلك المسلك، وفي رواية بُرّة بنت رافع زيادة أنها لما أُدخل عليها العطاء، قالت: غفر الله لعمر، غيري من أخواني كان أقوى على قسم هذا مني، قالوا: هذا كله لك، قالت: سبحان الله، واستترت منه بثوب، وقالت: ضعوه واطرحوا عليه ثوبًا، ثم قالت لي: أدخلي يدك فاقبضي منه قبضة، فاذهبي بها إلى بني فلان، وبني فلان من أهل رحمها وأيتامها، حتى بقيت منه بقية تحت الثوب، فقالت بُرّة: غفر الله لك يا أُم المؤمنين، والله لقد كان لنا في هذا حق، قالت: فلكم ما تحت الثوب، قالت: فوجدنا ما تحته خمسة وثمانين درهمًا. ثم رفعت يدها إلى السماء، وقالت: اللهم لا يدركني عطاء عمر بعد عامي هذا، فماتت.
وأخرج ابن سعد عن القاسم بن محمد قال: قالت زينب حين حضرتها الوفاة: إني قد أعددت كفني، وإنّ عمر سيبعث إليّ بكفن، فتصدقوا بأحدهما، وإن استطعتم أن تتصدقوا بحَفْويَّ فافعلوا. ومن وجه آخر عن عَمْرة، قالت: عمر بخمسة أثواب بخّرها ثوبًا ثوبًا من الحَرّاني، فكفنت منها، وتصدقت عنها أختها بكفنها الذي كانت أعدته، قالت عمرة: فسمعت عائشة تقول: لقد ذهبت حَميدة متعبدة، مفزع اليتامى والأرامل.
لها أحد عشر حديثًا، اتفقا على حديثين، روى عنها ابن أخيها محمد بن عبد الله، وزينب بنت أبي سلمة، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي بنت خمس وثلاثين سنة، وماتت سنة عشرين، وهي بنت