الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
ثبت في نسخة الصغاني البسملة قبل "باب"، قال ابن رشيد: لم يقل في الترجمة: "وبيت المقدس" وإن كان مجموعًا إليهما في الحديث، لكونه أفرده بعد ذلك بترجمة "قال"، وترجم بفضل الصلاة، وليس في الحديث ذكر الصلاة، ليبين أن المراد بالرحلة إلى المساجد قصد الصلاة فيها، لأن لفظ المساجد مشعر بالصلاة، وظاهر إيراد المصنف لهذه الترجمة في أبواب التطوع، يشعر بأن المراد بالصلاة في الترجمة صلاة النافلة، ويحتمل أن يراد بها ما هو أعم من ذلك، فتدخل النافلة، وهذا أوجه، وبه قال الجمهور في حديث الباب، وذهب الطَّحَاويّ إلى أن التفضيل مختص بالفريضة كما سيأتي.
الحديث الرابع عشر
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ عَنْ قَزَعَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ رضي الله عنه أَرْبَعًا قَالَ: سَمِعْتُ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَكَانَ غَزَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً ح. وَحَدَّثَنِي عَلِيٌّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَاّ إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم وَمَسْجِدِ الأَقْصَى.
قوله: "عن قزعة" سيأتي بعد خمسة أبواب بهذا الإسناد، "سمعت قزعة مولى زياد"، وقوله:"سمعت أبا سعيد أربعًا" أي: يذكر أربعًا، أو سمعت منه أربعًا، أي: أربع كلمات. وقوله: "وكان غزا" القائل ذلك هو قزعة، والمقول عنه أبو سعيد الخدري، والأربع هي الآتية قريبًا في باب مسجد بيت المقدس، وهي:[لا تسافر المرأة يومين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم، ولا صوم في يومين الفطر والأضحى، ولا صلاة بعد صلاتين؛ بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وبعد العصر حتى تغرب. ولا تُشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد]. وقوله: "ثنتي عشرة غزوة" اقتصر المؤلف على هذا القدر، ولم يذكر من المتن شيئًا، وذكر بعده حديث أبي هريرة في شد الرحال، فظن الداوديّ أن البخاريّ ساق الإسنادين لهذا المتن، وفيه نظر؛ لأن حديث أبي سعيد مشتمل على أربعة أشياء كما ذكر المؤلف، وهي المذكورة الآن. وحديث أبي هريرة مقتصر على شد الرحال فقط، لكن لا يمنع الجمع بينهما في سياق واحد، بناء على قاعدة البخاريّ في إجازة اختصار الحديث.
وقال ابن رشيد: لما كان أحد الأربع هو قوله: "لا تشد الرحال" ذكر صدر الحديث إلى الموضع الذي يتلاقى فيه افتتاح أبي هُريرة لحديث أبي سعيد، فاقتطف الحديث، وكأنه قصد بذلك الإغماص لينبه غير الحافظ على فائدة الحفظ، على أنه ما أخلاه عن الإيضاح عن قرب، فإنه ساق بتمامه سادس ترجمة. وقوله:"وحدثنا عَلِيّ" عند البيهقي من وجه آخر "عن عليّ بن المَدِيْنىّ قال: حدّثنا به سفيان مُرة بهذا اللفظ"، وكان أكثر ما يحدث به "تشد الرحال" وقوله: لا تُشد الرحال، بضم أوله: بلفظ النفي، والمراد النهي عن السفر إلى غيرها، قال الطِّيبيّ: هو أبلغ من صريح النهي، كأنه قال: لا يستقيم أن يقصد بالرحيل إلاّ هذه البقاع، لاختصاصها بما اختصت به، والرحال، بالمهملة جمع رحل، وهو للبعير كالسرج للفرس، وكنى بشد الرحال عن السفر؛ لأنه لازمه، وخرج ذكرها مخرج الغالب في ركوب المسافر، وإلا فلا فرق بين ركوب الرواحل والخيل والبغال والحمير، والمشي في المعنى المذكور.
وقوله: "إلا إلى ثلاثة مساجد" المستشنى منه محذوف، فإما أن يقدر عامًّا، فيصير لا تشد الرحال إلى مكان في أي أمر كان إلا إلى الثلاثة، أو أخص من ذلك لا سبيل إلى الأول، ولإفضائه إلى سد باب السفر للتجارة المجمع على طلبه، وصلة الرحم المطلوبة شرعًا، وطلب العلم الذي هو سنة أو واجب، ولعرفة لقضاء النّسُك الواجب اجماعًا، وللجهاد والهجرة من دار الكفر إلى دار الإِسلام، وغير ذلك من الحوائج المتعلقة بالدنيا أو الآخرة، فتعين الثاني، والأوْلى أنه يعد ما هو أكثر مناسبة، وهو لا تشد الرحال إلى مسجد للصلاة فيه إلَاّ إلى الثلاثة، فيبطل بذلك قول:"منع الرحال" إلى زيارة القبر الشريف، وغيره من قبور الصالحين.
وقد حمله ابن تيمية على الوجه الأول من كون المقدر عامًّا، قاصدًا بذلك الاستدلال به على تحريم شد الرحال إلى زيارة قبر سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال في "الفتح": وهي من أبشع المسائل المنقولة عن ابن تيمية، وأَعمته محبة مذهَبه من بغض ما فيه تعظيم للنبي، صلى الله عليه وسلم، وتكفير المسلمين به عمّا يلزم على تفسيره من منع ما أباحته الشريعة، أو أوجبته مما مرّ، وعمن يأتي من الفساد في تقديره.
وقد حكت العلماء الإجماع على مطلوبيَّة شد الرحال إليه، عليه الصلاة والسلام، وقد قال تقي الدين السّبْكِيّ في الرد عليه: ليس في الأرض بقعة لها فضل لذاتها حتى تُشد الرحال إليها غير البلاد الثلاثة، ومرادي بالفضل ما شهد الشرع باعتباره، ورتب عليه حكمًا شرعيًا، وأما غيرها من البلاد فلا تشد إليها لذاتها، بل لزيارةٍ أو جهادٍ أو علمٍ أو نحو ذلك من المندوبات أو المباحات. قال: وقد التبس ذلك على بعضهم، فزَعم أن شد الرحال إلى الزيارة، لمن في غير الثلاثة، داخل في المنع، وهو خطأ؛ لأن الاستثناء إنما يكون من جنس المستثنى منه، فمعنى الحديث لا تُشد الرحال إلى مسجد من المساجد أو إلى مكان من الأمكنة لأجل ذلك المكان،
إلَاّ إلى الثلاثة المذكورة، وشد الرحال إلى زيارة أو طلب علم ليس إلى المكان، بل إلى مَنْ في المكان.
وقوله: لأن الاستثناء إنما يكون من جنس المستثنى منه، أي إلا بدليل؛ لأن ذلك هو الأصل في الاستثناء، وإخراج الكلام عن أصله لابد له من دليل، فإذا قلت مثلًا: ما رأيت إلا زيدًا فتقدير الكلام ما رأيت أحدًا أو رجلًا إلَاّ زيدًا، لا ما رأيت شيئًا أو حيوانًا إلَاّ زيدًا. وإذا كان الخروج عن الأصل لا يمكن إلا بدليل، فما بالك إذا كان الأصل معتضدًا بأقوى دليل؟ وهو ما رواه أحمد في مسنده عن أبي سعيد، مرفوعًا بإسناد حسن، وقد ذكرت عنده الصلاة في الطور، فقال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لا ينبغي للمَطِيّ أن تُشَدَّ رحالها إلى مسجد تبتغي فيه الصلاة غير المسجد الحرام أو المسجد الأقصى ومسجدي هذا" ففي هذا الحديث النصُّ على المستثنى منه المحذوف في غيره، وأنه مسجد، وفيه بيان أن الصحابيّ ذكره عندما ذكرت له الصلاة في الطور لا عند الإتيان للطور للتبرك بآثار الصالحين، فكان في غاية التفسير للمحذوف في غيره، وخير ما فسر به الوحي الوحي، فما بعد هذا الحديث مقال لملبس أومدلِّس.
وإذا قال مجيب عن ابن تيمية فيما أورد عليه على تقدير المستثنى منه عامَّاً، من تناوله للمسائل المذكورة، التي لا يتصور عند العوام منعها، فضلًا عن العلماء -إن ما أورد على تقدير المستثنى منه عامًّا خارجٌ عن العموم بأدلة خارجة نصت على إباحته أو طلبه- قيل له: إن زيارته عليه الصلاة والسلام خارجة منه، بدليل الكتاب والسنة والإجماع، لما أوضحناه في كتابنا "الفتوحات الربانية" فما قاله في غيرها فليقله فيها، وكذلك زيارة غيره، عليه الصلاة والسلام، من قبور الصالحين، خارجة بما ورد من الأحاديث المصرحة بالأمر بها مما جلبناه في الكتاب المذكور، ومما هو صريح في إبطال ما قال من منع شد الرحال إليه عليه الصلاة والسلام، هو أن هذه المساجد الثلاثة معلوم عند جميع المسلمين ما حصل به الشرف لكل واحد منها، فالمسجد الحرام حصل له الشرف بكونه قبلة المسلمين إليه حجهم، والمسجد الأقصى شرف بكونه كان قبلة الأمم السالفة، ومسجده عليه الصلاة والسلام شرف بتأسيسه على التقوى، ومعلوم أن محله كان مقبرة للمشركين، فاشتراه، عليه الصلاة والسلام، ونبش عظامهم من ذلك، وبنى فيه المسجد، فما حصل له شرف إلا منه صلى الله عليه وسلم، وهذا يعلمه من هو أقل علمًا من ابن تيمية، فكيف يقول عالم بهذا: إن الرحال تُشد إلى محل شُرِّف بغيره، ولا تُشد إلى من شرف به ذلك المحل؟ فهذا لا يمكن صدوره إلا من ناقص العقل مع الدين، فلو قدرنا تقديرًا فاسدًا؛ أن المستثنى منه عامّ، كان شد الرحال لزيارته عليه الصلاة والسلام مفهومًا من شدها إلى الثلاثة بالأَوْلى، للإجماع القائم على فضله صلى الله عليه وسلم على سائر المخلوقات، وفضل البقعة الضّامّة لأعضائه الشريفة على سائر البقاع، كما يأتي في الحديث الذي بعد هذا.
قال في "الفتح": من جملة ما استدل به ابن تيمية على دفع ما ادّعاه غيرُه من الإجماع على مشروعية زيارة قبره صلى الله عليه وسلم، ما نُقِل عن مالك أن كره أن يقول: زرت قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم، وقد أجاب عنه المحققون من أصحابه بأنه كره اللفظ، أدبًا، لا أصل الزيارة، فإنها من أفضل الأعمال، وأجل القُرُبات الموصّلة إلى ذي الجلال، وإن مشروعيَّتها محل إجماع بلا نزاع. وقيل: كره هذا اللفظ لأن الزيارة مَنْ شاء فعلها ومَنْ شاء تركها، وهي كالواجب عنده، وقيل: إنما كره إضافة الزيارة للقبر، فلو قال: زرنا النبي عليه الصلاة والسلام لم يكره عنده، وهذا مردود بما نقله ابن رُشْد وغيره: أنه كره هذا أيضًا، وقيل: كرهه لأنّ المضيّ إلى قبره صلى الله عليه وسلم ليس ليصله بذلك، وينفعه به، وإنما هو رغبة في الثواب. قال السّبْكي: وهذا هو المختار في تأويل كلام مالك، ومع ذلك لا نُسَلِّم أنَّ "زرنا النبي صلى الله عليه وسلم" يُوهم ذلك؛ لأن كل مسلم يعلم جلالته صلى الله عليه وسلم، وأن كل أحد من أمته، وإن جلت مرتبته، مفتقر إلى التبرك به، والمثول بين يديه عليه الصلاة والسلام، لكن لكون مذهب مالك، رضي الله تعالى عنه، مبنيًا على سد الذرائع، لا يمنع عنده العلم بهذا من جملة الناس، كراهيةَ إطلاق اللفظ لهذا المعنى، لكثرة الجهل وفُشُوّه. وقيل غير هذا. وعلى كل حال. ما قاله مالك لا تشم منه رائحة منع الزيارة حتى يستدل به ابن تيمية على مقالته الشنيعة، ومناظرة الإِمام مالك لأبي جعفر المنصور كافية في مطلوبيّة الزيارة عنده، وتأتي زيادة في حديث مسجد قباء.
وقوله: "المسجد الحرام" أي: المحرم، وهو كقولهم الكتاب بمعنى المكتوب، والمسجدِ، بالخفض على البدلية، ويجوز الرفع على الاستئناف، والمراد جميع الحرم. وقيل: يختص بالموضع الذي يصلى فيه، دون البيوت وغيرها من أجزاء الحرم. قال الطبريّ: ويتأيّد بقوله: "مسجدي هذا" لأن الإشارة فيه إلى مسجد الجماعة، فينبغي أن يكون المستثنى معه كذلك. وقيل: المراد به الكعبة، حكاه المُحِبُّ الطبريّ، وذكر أنه يتأيّد بما رواه النَّسَائيّ بلفظ:"إلَاّ الكعبة" وفيه نظر؛ لأن الذي عند النَّسائيّ: "إلا مسجد الكعبة"، حتى لو سقطت لفظة مسجد، لكانت مرادة، ويؤيد الأول ما رواه الطيالسيّ عن عطاء أنه قيل له:"هذا الفضل في المسجد وحده أو في الحرم؟ قال: بل في الحرم؛ لأنه كله مسجد".
وقوله: "ومسجد الرسول" أي: محمد صلى الله عليه وسلم، وفي العدول عن مسجدي إشارة إلى التعظيم، ويحتمل أن يكون ذلك من تصرف الرواة، ويؤيده قوله في حديث أبي سعيد الاتي قريبًا "ومسجدي" وروى أحمد بإسنادٍ رواتُهُ رواةُ الصحيح عن أنس مرفوعًا "مَنْ صلى في مسجدي أربعين صلاة لا تفوته صلاة، كتبت له براءة من النار، وبراءة من العذاب، وبراءة من النفاق".
وقوله: "ومسجد الأقصى" بيت المقدس، وهو من إضافة الموصوف إلى الصفة عند الكوفيين، والبصريون يؤوِّلونه بإضمار، أيْ: ومسجد المكان الأقصى. وسمي الأقصى لبعده عن المسجد الحرام في المسافة، وقيل في الزمان، وفيه نظر؛ لأنه ثبت في الصحيح أن بينهما أربعين سنة، وقد استشكل من حيث إن بين آدم وداود عليهما الصلاة والسلام أضعاف ذلك من الزمن، وأُجيبَ
بأنَّ الملائكة وضعتهما أولًا، بينهما في الوضع أربعون سنة، وأن داود وسليمان عليهما الصلاة والسلام جَددوا بنيان المسجد الأقصى، كما جدد إبراهيم عليه الصلاة والسلام بناء البيت الحرام. ويأتي في ترجمة إبراهيم الخليل من أحاديث الأنبياء استيفاء الكلام على هذا.
وقال الزمخشريّ: المسجد الأقصى بيت المقدس؛ لأنه لم يكن حينئذ وراءه مسجد، وقيل: لبعده عن الخبث والأقذار، وقيل: هو قَصِيّ بالنسبة إلى مسجد المدينة؛ لأنه بعيد من مكة، وبيت المقدس أبعد منه. وقيل: لأنه أقصى موضع من الأرض ارتفاعاً وقربًا إلى السماء.
ولبيت المقدس عدة أسماء تَقْرُب من العشرين، منها إيلياء بالمد والقصر، وبحذف الياء الأولى، وعن ابن عباس إدخال الألف واللام على هذا الثالث، وبيت المقدس، بسكون القاف، وبفتحها مع التشديد، والقُدس بغير ميم مع ضم القاف وسكون الدال، وبضمها أيضًا، وشَلّم بالمعجمة وتشديد اللام، وبالمهملة، وشلام بمعجمة، وسَلِم بفتح المهملة وكسر اللام الخفيفة، وأَوْرِي سلم بسكون الواو وكسر الراء بعدها تحتانية ساكنة. قال الأعشى:
وطُفْتُ للمال آفاقه
…
دمشق فحمص فأوري سَلِم
ومن أسمائه كَوْرَه، وبيت إيل، وصَهْيون، ومَصْروُث آخره مثلثة، وكورشيلا، وبابوش بموحدتين ومعجمة.
وفي هذا الحديث فضيلة هذه المساجد، ومزيتها على غيرها، لكونها مساجد الأنبياء، ولأن الأوَّل قبلة الناس، وإليه حجهم إلى آخر ما مرّ. واختلف في شد الرحال إلى غيرها، كالذهاب إلى زيارة الصالحين أحياءاً وأمواتًا، وإلى المواضع الفاضلة لقصد التبرك بها والصلاة فيها، فقال أبو محمد الجُوَيْنِيّ: يحرم شد الرحال إلى غيرها عملًا بظاهر هذا الحديث، وأشار القاضي حسين إلى اختياره، ويه قال عِياضُ وطائفة. ويدل عليه ما رواه أصحاب السنن من إنكار نَضْرَة الغِفارِيّ على أبي هريرة خروجه إلى الطُّور، وقال له: لو أدركت قبل أن تخرج ما خرجت، واستدل بهذا الحديث، فدل على أنه يرى حمل الحديث على عمومه، ووافقه أبو هريرة، والصحيح عند إمام الحرمين وغيره من الشافعية أنه لا يحرم، وأجابوا عن الحديث بأجوبة منها أن المراد أن الفضيلة التَّامة إنما هي في شد الرحال إلى هذه المساجد، بخلاف غيرها، فإنه جائز. وفي رواية أحمد الماضية "لا ينبغي للمصلي أن يشد رحاله إلى مسجد إلخ" وهذا لفظ ظاهر في غير التحريم.
ومنها أن النهي مخصوص بمن نذر على نفسه الصلاة في مسجد من سائر المساجد غير الثلاثة، فإنه لا يجب الوفاء به، قاله ابن بَطّال. وقال الخطابيّ: اللفظ لفظ الخبر، ومعناه الإيجاب فيما ينذره الإنسان من الصلاة في البقاع التي يتبرك بها، أي لا يلزم الوفاء بشيء من ذلك غير هذه المساجد الثلاثة. ومنها أن المراد حكم المساجد فقط، وأنه لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد للصلاة فيه غير هذه الثلاثة، وأما قصد غير المساجد لزيارة صالح أو قريب أو صاحب،