الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الباب الرابع: في المناور والمحرقات
أما المناور: فهي مواضع رفع النار في الليل، والدخان في النهار، للأعلام بحركات التتار إذا قصدوا البلاد للدخول لحرب أو لإغارة.
ولما يرفع من هذه النيران، أو يدخن من هذا الدخان، أدلة يعرف بها اختلاف حالات رؤية العدو والمخبر به باختلاف حالاتها، تارة في العدد، وتارة في غير ذلك. وقد أرصد من كل منور الديادب والنظارة: لرؤية ما وراءهم وإيراء ما أمامهم، ولهم على ذلك جوامك مقررة لا تزال دارة. فمنذ اصلح الله بين الفئتين، وأمن جانب الجهتين، قد قل بذلك الاحتفال،
وصرف عن البال.
والمناور المذكورة تارة تكون على رؤوس الجبال، وتارة تكون في أبنية عالية، ومواضعها تعرف بها أكثر السفارة؛ وهي من أقصى ثغور الإسلام كالبيرة والرحبة إلى حضرة السلطان بقلعة الجبل؛ حتى إن المتجدد بكرة بالفرات كان يعلم بها عشاء، والمتجدد عشاء كان يعلم بها بكرة.
فأما طريق الرحبة: فكان بنور بمدينة (عانا) قوم من النصاح (بحجة أمر سوى التنوير، ويستر عليهم أهل البلد حبا لملوكنا) فترى ناره أو دخانه (بخربة الروم) وبالجرف أيضا؛ ويرفع فيهما أو في إحداهما فيرى من كل منهما بوادي الهيكل؛ ويرفع فيه فيرى بالقناطر؛ ويرفع بالقناطر فيرى بالرحبة - وقاها - الله - ويرفع فيها فيرى في كواثل؛ ويرفع فيها فيرى في منظرة قباقب؛ ويرفع فيها فيرى بحفير أسد الدين؛ ويرفع فيها فيرى بالسخنة؛ ويرفع فيها فيرى بمنظرة أرك؛ ويرفع فيها فيرفع فيها فيرى بالبويب (وهو قنطرة بين أرك وتدمر) ويرفع فيها فيرى بمنظرة تدمر؛ ويرفع فيها فيرى بمنظرة البيضاء؛ ويرفع فيها فيرى بالحير؛ ويرفع فيها فيرى بجليجل؛ ويرفع فيها فيرى بالقريتين؛ ويرفع فيها فيرى بالعطنة؛ ويرفع فيها فيرى بثنية العقاب، ويرفع فيها فيرى بمئذنة العروس؛ ويرفع فيها لما حولها إنذارا للرعايا وضما للأطراف؛ ويرفع حول دمشق بالحبل المطل على برزة فيرى بالمانع، ويرفع به فيرى بتل قرية الكتيبة؛ ثم يرفع فيها فيرى بالطرة؛ ويرفع فيها فيرى بجبل أربد وبجبل عجلون، ثم يرفع بها فينور بجبل طيبة، ثم يرفع بها فيرى بالمنور المعمول إزاء البئر الذي برأس الجبل المنحدر إلى بيسان ويعرف بعقبة البريد (وقد عدل الآن بطريق البريد عنه) ويرى منه أطراف أعمال نابلس - نحو جبال أبزيق وما حولها - ويرفع من هذا المنور الذي برأس عقبة البريد فيرى بالجبل المعروف بقرية جينين؛ ثم يرفع منه فيرى بجبل فخمة؛ ثم يرفع منه فيرى بشرفة قاقون؛ ثم يرفع منه فيرى بأطراف أعمال نابلس، ويرى على قصد الطريق بذروة الجبل المصاقب لمجدل يابا؛ ثم يرفع منه فيرى بمركز ياسور (وقد عدل البريد الآن عنه)؛ ثم يرفع منه فيرى بالجبال المطلة على غزة؛ وترفع بغزة على
أعالي الحدب المعروف بحدب غزة. ثم لا منور ولا إخبار بلسان النار إلا على الجناح والبريد.
ثم اعلم أن من جميع ما ذكرناه مناور تتشعب إلى ما خرج عن جادة الطريق إلى البلاد الآخذة على جنب جنوبا وشمالا وشرقا وغربا. فأما هذه المناور الآن فرسوم قد عفت، وجسوم أكلت شعل النار أرواحها فانطفت؛ والحمد لله على أمن إطفاء نارها؛ وإخفاء منارها.
وأما المحرقات: فقد كان الاهتمام بها أول شيء؛ وهي مواضع مما يلي بلادنا من حد الشرق داخلة في تلك المملكة، كان يجهز رجال لتحرق زرعها ونباتها؛ وهي أراض مخصبة كانت تقوم بكفاية خيل القوم مرعى إذا قصدوا البلاد، فكانت تحرق إضعافا لهم وإقعادا لحركاتهم، إذ كانوا من عادتهم لا يتكلفون علوفة لخيلهم، بل يكلونها إلى ما تنبت الأرض: فإذا كانت أرضا مخصبة سلكوها، وإذا كانت مجد تجنبوها. وكانوا لا يفطنون لقصد حريقها، ثم فطنهم أهل المداجاة، فصاروا يربطون عليها الطريق؛ ويمسكون منها بالأطراف، وقتل عديد بسببها، وأحرقوا بأشد من نارها. ولكن ينفق في هذه المحرقات في كل سنة من الخزانة بدمشق جمل من الأموال، ويجهز فيها أجلاد الرجال. وكان شأنهم في الإحراق استصحاب الثعالب الوحشية والكلاب المنفرة، ثم يكمن المجهزون لذلك عند أمناء النصاح وفي كهوف الجبال وبطون الأودية؛ وتمضي الأيام حتى يكون يوم ريحه عاصف وهواؤه زعزع، تعلق النار موثوقة في أذناب الثعالب والكلاب، ثم تطلق الثعالب، والكلاب في أثرها وقد جوعت، فتجد الثعالب في الهرب، والكلاب في الطلب، فتحرق ما مرت به من الزرع والنبات، وتعلق الريح النار منه فيما جاوره، هذا إلى ما كانت تلقيه الرجال بأيديها في الليالي المظلمة، وعشايا الأيام المعتمة. وكان أصحابنا يجدون في هذا رفقا ودفعا عن مباغتة الأطراف ومهاجمة الثغور.
وهذه مواضع المحرقات وهي: ببلاد البقعة أرض البقعة، والثرثار، والقنية، وباشنزة، والهتاخ، ومشهد ابن عمرو، والمويلح، وبلاد نينوى وهي من الموصل الآن. ونينوى كانت ذات الذكر القديم، ويقال إنها البلد المرسل إليه يونس عليه السلام. والمحرقات بها: ببرطلة والقنيطرة؛ وقد كان علي باشا ابن حجك حين دانت له الدولة قد عزم على أن يبتني بها مدينة جليلة تكون مقرا للسلطان، إيثارا لعدم مفارقة الأوطان، فعاجله ما حم له من حمامه، وفراغ الدنيا من أيامه.
وتمام المحرقات: الوادي، والميدان، والباب (وأظنه يعرف بعرب طي)، والصويمعة، والمرج المعروف ببني زيد، والمرج المحترق، ومنازل الأويراتية (وهي أطراف هذه المواضع إلى جبل الأكراد. وكل هذه الأرض مجال خيلهم وقرارة سيلهم) وبلاد سنجار - المنطق، والمنظرة، والمزيدة، وتحت الجبال عند التليلات.
فأما أرض الجبال فإنها كانت لا تحرق، وأبوابها بغير طارق خير لا تطرق، إذ هي بلد البقية القادرية من ولد شيخ الإسلام عبد القادر الجيلي المعروف عند العامة بالكيلاني - نفع الله به وببقية الصالحة -؛ وهذه الذرية معظمة في الجهتين، ولهم عند ملوكنا المكانة العالية، لقديم سلفهم، وصميم شرفهم، ولما للإسلام وأهله من إسعافهم بما تصل إليه القدرة ويبلغه الإمكان.
ومن تمام المحرقات: البازار، وأعالي جبل سنجار، وكل ما يقدر عليه في تلك الديار. فهذا جملة ما على الخاطر، وغاية ما يستحضره على طول المدة الذاكر؛ وإنما هو مثال، وما تضرب به الأمثال.