الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأكراد
وهم خلائق لا تحصى وأمم لا تحصر؛ ولولا أن سيف الفتنة بينهم يستحصد قائمهم، وينبه نائمهم، لفاضوا على البلاد، واستضافوا إليهم الطارف والتلاد؛ ولكنهم رموا بشتات الرأي وتفرق الكلمة، لا يزال بينهم سيف مسلول، ودم مطلول، وعقد نظام محلول، وطرف باكية بالدماء مبلول؛ ولهم رأسان كل منهما جليل، ولكل منهما عدد غير قليل؛ وهما صاحب جولمرك، وصاحب عقرشوش.
والكبير منهما الذي تتفق طوائف الأكراد - مع اختلافها - على تعظيمه والإشارة بأنه فيهم الملك المطاع والقائد المتبع، هو صاحب جولمرك؛ وهو صاحب مملكة متسعة ومدن وقلاع وحصون، وله قبائل وعشائر وأنفار. وهو ينسبون إلى عتبة بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف؛ وكانت قد انتهت الإمرة فيهم إلى الملك أسد الدين موسى بن مجلي بن موسى بن منكلان. وكان رجلا عظيما نهابا وهابا، تجله ملوك المماليك الجليلة وتعظمه حكام الأردو وصاحب مصر. وإشارته مقبولة عند الجميع. وإذا اقتتلت طائفتان من الأكراد فتقدم إليهما بالكف كفوا، وسمعوا له سمع مراعي لا سمع مطيع. والقائم الآن من بنيه الملك عماد الدين مجلي؛ وهو رجل يحب أهل العلم والفضل، ويحل منهم عنده من أتاه أعظم محل. كتب لي قاضيه إن أخوته من ظهر أبيه هم: عز الدين؛ وزيد الدين؛ وأعمامه: عز الدين شير، وشمس الدين شيخ أمير، والأمير داوود، وحسام الدين. وما منهم إلا وله حكم وتصرف؛ ومرجعهم كلهم إلى الملك عماد الدين صاحب جولمرك.
وأما الثاني فهو صاحب عقرقوش؛ وملوكها الآن من أولاد المبارزكك؛ وكان مبارز الدين كك رجلا شجاعا كريما تغلب عليه غرائب من الهوس فيدعي أنه ولي من
الأولياء يقبل النذر؛ وكانت تنذر له النذور تقربا إليه بما تنفق عليه لا اعتقادا فيه فيسر بذلك؛ فإذا أتاه النذر أضاف إليه مثله من ماله وتصدق بهما جميعا. وأهل هذا البيت يدعون عراقة الأصل في الإمرة، وقدم السؤدد في الحشمة، ويقولون إنهم عقدت إليهم ألوية الغمارة وتسلموا أزمة هذه البلاد، وتسنموا صهوات هذه الصياصي بمناشير الخلفاء، وأنهم كانوا لهم أهل وفاء؛ ولهم وفي هذا حكايات كثيرة، وأخبار مأثورة؛ وهم أهل تنعم ورفاهية ونعمة ظاهرة، وبزة فاخرة، وآدر مزخرفة، ورياض مفوقة، وخيول مسومة، وجوارح معلمة، وخدم وغلمان، وجوار حسان، ومعازف وقيان، وسماط ممدود وخوان، وأهل عشرة وأخوان. وموقع بلادهم من أطراف بلادنا قريب والمدعو منهم من الرحبة وما جاورها يكاد يجيب. وملوكنا تشكر لهم إخلاص نصيحة، وصفاء سريرة صحيحة. والقائم فيهم الآن شجاع الدين ابن الأمير نجم الدين خضر ابن المبارز كك؛ ولم يبلغ الآن مبلغ أبيه، ولا أظنه يقاربه ولا يدانيه؛ على أنه قد ملك ملكه، ونظم سلكه.
ورسم المكاتبة إلى كل منهما: أدام الله نعمة المجلس العالي، الأميري، (والألقاب التامة الكاملة).
وأما بقية أمرائهم فجلتهم الأكابر: صدرت هذه المكاتبة إلى المجلس السامي الأميري بالياء. والألقاب من الطبقة الثانية، وما دونها لمن دونهم.
ومما ينبه عليه أن في طرق المارين ومسالك المسافرين من بلادنا إلى خراسان، ومنها إلينا، ينجم في بعض الأحيان أهل فساد يعمدون إلى عميد يقدمونه عليهم فيقطعون السبل ويخيفون الطرق؛ وتطير سمعة عميدهم، وتنتشر في قريبهم وبعيدهم، فيكاتب ذلك العميد من أبواب الملوك، ويضطر إليه لفتح الطريق للسلوك؛ ويكون من غير بيت الإمرة، ولا أهل القديم. وربما هوى نجمه، فانقطع