الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السابع: في الأنواء
في الرياح: وصفقت قوادم الرياح، وخفت السفن بها للرواح؛ وخفيت على العيون فما تعرف إلا بخفقها، ولا تشكر صنائع السحب إلا إذا تغاضت لها عن حقها؛ فإنها هي التي تنشئها في السماء، وتنشرها فتبسط جناحها المبلول بالماء؛ لا يعرف مركزها فيتبع، ولا يعرف إلا أنها ما بين اثنين إلى أربع.
في ريح عاصف: ثم استحالت ريحا تدمر كل شيء أتت عليه، وتقتلع دون الجبل المطل كل ما لديه؛ رغت رعودها القواصف، وعنست زعازعها العواصف؛ فلم تدع طريقا ما أنكرت معارفه، ولا ذا رياش ما سلبت مطارفه؛ ولا بحرا لم يصعب جانبه، ويقطع المركب الذي يجر باللبان جاذبه؛ فجأر إلى ربه الربان، ولم يسطع على مجمر البرق العود ولا نفع اللبان.
في السحاب: وأما السحاب فقد تراكمت ضلله، وصبغت المفارق
حلله؛ قد طبق ما بين الشرق والغرب، وأذنت نباله الراشقة بالحرب؛ وكأن دون السماء سماء، وفوق الماء ماء؛ ولم يبق معهم إلى فريق مذهب، ولا لطريق مذهب؛ قد أخذ من كل جانب، وسال بالبحر لا بالمذانب.
في الرعد: وأما الرعد فقد صرخ، ونفخ في أذن السماء حتى انتفخ؛ ولم يظن سامعه إلا أن قد شققت، وأن السحاب قد مزقت؛ وأن الجبال قد دحيت، وأن صورة الوجود قد محيت؛ فترك القلوب واجفة، والأرض راجفة، والظنون لا تستبعد أن تتبعها الرادفة.
في البرق: والبرق قد نبض عرقه، ووضح بين جمة الليل السوداء فرقة؛ وعلقت منه سلاسل من ذهب، وأوقدت مجامر من لهب؛ ولم يظن إلا أن أشهب الصباح قد رقد في أدهم الليل، أو أن عمودا من فضة قد تحدر في صبب السيل.
في نزول المطر والبرد والثلج: وحجبت السماء السحب ثم أخذت في الانسكاب، وجاءت بأفواج المطر: بعضه قد جمد وبعضه قد ذاب؛ وأصبحت صبيحة ليلة والناس بين ماء وطين، وأنواع من ذائب طل ومفتر ثغور وسقيط ياسمين؛ وأصبحت الأرض كلها قارورة، وذيول الأنواء المرفوعة عليها مجرورة، والثلج قد زاد في برد رضابها، والبرق قد أرسل برد أنوائه إلى الآفاق بالرضى بها، والسحاب قد مد خيوطه، والمحل قد أماته الثلج وذر من الكافور حنوطه.
في الآل: قد عب عبابه، وغر سرابه؛ وطبق أطباق الغمام، وانتشر انتشار الظلام؛ وأفعم واديه بالخديعة، وعدم السياسة من ظن أنه الشريعة؛ ولم يطفح نهره إلا بالخراب، ولا أتت القرب لتملأ منه إلا راحت وهي فارغة الجراب.
قال المملي - أجزل الله له الثواب -: وهذا آخره وبتمامه ثم الكتاب؛ وليعذر من وقف عليه، فقد علم الله كيف كان يتلقف قلم الاستملاء، ويتخطفه مسارعة من لسان الإملاء، حتى كتب في غاية الاستعجال، وحسب عند حاضريه مما يجري مجرى الارتجال، لخمود خاطري، وجمود ماطري، وإعراضي عن هذه الصناعة، التي قلت منها البضاعة؛ وعلمت أن إنفاق رأس مالي من العمر فيها كان إضاعة؛ على أنه - وإن لم يكن فيه طائل، عند ذوي الفضائل، فقد لا يقع - لتوسعهم في العلم - موقع النقص لديهم، لعلمهم إذا كسد عندهم
أن قوما له ينفق عليهم.
والله يوفقنا لما هو أصلح، وبفتح علينا - فقد قرعنا بابه - والله يفتح.