الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مرضوضة، وصحائف الأيام عما يسر به الزمان فيه مفضوضة، وجفون عداه ولو اتصلت بمقل النجوم مغضوضة، وطوارق الأعداء التي تجنهم منه بسيوفه معضوضة.
الخادم يخدم أرضه المقدسة بترامي قبله، وتقليب وجهه إلى قبله، ويتطوف بذلك الحرم، ويتطول من فواضل ذلك الكرم، ويتطوق بقلائد تلك المنن، وفرائد تلك المواهب التي إن لم تكن له وإلا فمن؛ فإنه - والله يشهد له - لا يعتقد بعد ولاء سيدنا ومولانا أمير المؤمنين، والقيم بأمور الدنيا والدين عليه الصلاة والسلام إلا ولاءها ولا يؤمل بعد تلك الآلاء إلا آلاءها، ولا يرجو من غير هذه الشجرة المباركة لأمله إثماراً، ولا لليله إقماراً، ولا لأيامه حافظاً، ولا لحال إقدامه في قدم صدق ولائه لافظاً؛ قائماً في خدم هذه الدولة القاهرة يجهد في منافعها، ويجد في كبت مدافعها، ويدخر شفاعتها العظمى إذا جاءت كل أمة بشافعها.
إمام الزيدية باليمن
وهو من بقايا الحسنيين القائمين بآمل الشط، من بلاد طبرستان، وقد كان سلفهم جاذب الدولة العباسية حتى كاد يطيح رداءها، ويشمت بها أعدائها؛ وهذه البقية الآن بصنعاء وبلاد حضرموت وما والاهما من بلاد اليمن؛ وأمراء مكة تسر طاعته، ولا تفارق جماعته؛
والإمامة الآن فيهم من بني المطهر؛ واسم الإمام القائم في وقتنا: حمزة، ويكون بينه وبين الملك الرسولي باليمن مهادنات ومفاسخات
تارة وتارة؛ وهذا الإمام وكل من كان قبله على طريقة ما غيروها وهي إمارة أعرابية لا كبر في صدورها ولا شمم في عرانينها؛ وهم على مسكة من التقوى وترد بشعار الزهد؛ يجلس في ندي قومه كواحد منهم، ويتحدث فيهم ويحكم بينهم، سواء عنده المشروف والشريف، والقوي والضعيف؛ وربما اشترى سلعته بيده، ومشى في أسواق بلده لا يغلظ الحجاب، ولا يكل الأمور إلى الوزراء والحجاب، يأخذ من بيت المال قدر بلغته من غير توسع، ولا تكثر غير مشبع، هكذا هو وكل من سلف قبله من عدل شامل وفضل كامل.
ورسم المكاتبة إليه: أدام الله جلال الجانب الكريم، العالي، السيدي، الإمامي، الشريفي، النسيبي، الحسيبي، العلامي، سليل الأطهار، جلال الإسلام، شرف الأنام، بقية البيت النبوي، فخر النسب العلوي، مؤيد أمور الدين، خليفة الأئمة، رأس العلياء، صالح الأولياء، علم الهداة، زعيم المؤمنين، ذخر المسلمين، منجد الملوك والسلاطين؛ ولا زال زمانه مربعاً، وغيله مسبعاً، وقراه مشبعاً، وكرمه بفيض نداه منبعاً، وهداه حيث أم بالصفوف متبعاً، وملكه المجتمع باليمن، لو أدركه سيف بن ذي يزن، لم يكن إلا لديه منتضى وتبع لم يكن له إلا تبعاً؛ ولا فتئت معاقل شرفه بالجوزاء، وعقائد حبه تعد لحسن الجزاء، ومعاهد وطنه آهلة بكثرة الأعزاء، وياسم أهل ولائه تعز إليه بالاعتزاء، ومباسم ثغور أودائه
ضاحكة السيوف في وجوه الأرزاء. هذه النجوى إلى روضة الممرع وإلا فما تزم الركائب، وإلى حوضه المترع وإلا فما الحاجة إلى السحائب، وإلا حماه المخصب، وإلا فمما يسري الرائد، وإلى مرماه المطنب فوق السماء وإلا إلى أين يريد الصاعد، تسري ولها من هادي وجهه دليل، وفي نادي كرمه مقيل، وإلى بادي حرمه وما فيه للعاكف، وإلى عالي ضرمه ما لا ينكره العارف، وفي آثار قدمه ما يحكم به كل عائف، وفي بدار خدمه ما يذر عداه كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، مبدية وأول ما تبدأ بسلام تقدمه على قول كيت وكيت، وثناء ولا مثل قوله:{إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت} .
صدر آخر: ولا عطل محراب هو إمامه، ولا بطل عمل هو تمامه، ولا جف ثرا نبات هو غمامه، ولا خف وقار امرئ بيده المصرفة زمامه، ولا ارتد مضرب سيف رؤوس أعاديه
كمامه، ولا ارتأى في حصول الخيرة له من كان إلى كنفه انضمامه؛ وأطال الله باع عليائه، وأطاب بأنبائه سماع أوليائه؛ وأدام إجماع السرور عليه، ومصافاته لأصفيائه وتراميه إليه؛ صدرت بها الركائب إليه مخفه، وسرت بها لتقف عليه والقلوب بها محفه؛ وأهوت لديه تشمخ بها لوصولها إليه الكبر، وطوت إليه البيد طي الشقة تقيسها المطايا بالأذرع والثريا بالشبر؛ تأتي بالعجب إذ تجلب إليه المسك الأذفر، وتجلو له الصباح وما لاح والليل وما أسفر؛ وتحل في مقر إمامته، وتحلي العاطل بما نثره من الطل صوب غمامته؛ موصلة لعلمه ما لا يقطع، ومضوعة عنده من عنبر الشحر ما يستبضع ومعلمة له كيت وكيت.
وقد وصل إلينا بمصر في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون سقى الله
عهدها رسول من هذا الإمام ابن مطهر إمام الزيدية من صنعاء، بكتاب منه يقتضي الاستدعاء، أطال فيه الشكوى من صاحب اليمن وعدد قبائحه، ونشر على عيون الناس فضايحه، واستنصر بمدد يأتي تحت الأعلام المنصورة لإجلائه عن دياره، وإجرائه مجرى الذين ظلموا في تعجيل دماره؛ وقال: إنه إذا حضرت الجيوش المؤيدة قام معها، وقاد إليها الأشراف والعرب أجمعها، ثم إذا استنقذ منه ما بيده أنعم به عليه ببعضه، وأعطي منه ما هو إلى جانب أرضه، فكتبت إليه مؤذنا بالإجابة، مؤيدا إليه ما يقتضي إعجابه؛ وضمن الجواب أنه لا رغبة لنا في السلب، فإن النصرة تكون لله خالصة وله كل البلاد لا قدر ما طلب؛ وهذا نسخة ما كتبت به إليه:
ضاعف الله جلال الجانب (بالألقاب والنعوت) واعتز جانبه عزاً تعقد فواضله بنواصي الخيل، وصياصي المعاقل التي لم يطلع على مثلها سهيل، وأقاس الشرف الذي طلع منه في الطوق وتمسك سواه بالذيل؛ وقدمه للمتقين إماماً، وجعله للمستقين غماما، وشرفه على المرتقين في علا النسب العلوي ونوره وصوره تماماً؛ ومن على اليمن بيمنه، وأعلم بصنعاء حسن صنيعه وبحضرموت حضور موت أعدائه، وبعدن أنها مقدمة لجنات عدنه؛ ولا زالت الأفاق تأمل في فيضه سحابا دانيا، وتتهلل إذا شامت له برقا يمانيا، وتتنقل في رتب محامده ولا تبلغ من المجد ما كان بانياً.
هذه النجوى وكفى بها فيما يقدم بين يديها، ويقوم ولا يقوم من كل غالي الثمن ما عليها، تطوي المراحل، وتجوب البر والبلد الماحل، وتثب إليه البحار وتقذف منها العنبر إلى
الساحل؛ وترسي بها سفنها، ى وتحط إليه بل تخط لديه مدنها؛ وتؤذن علمه - سره الله - بما لم يحل إليه من نظرن ولم يخل منه من سبب ألف به النوم أو نفر، وورود وارد رسوله فقال: يا بشراي ولم يقل هذا غلام، ووصوله بالسلامة
والسلام، وما تضمنه ما استصحب منه من صحيفة كلها كرم، وأخبار صحيحة كلها مما لو قذف به الماء لاضطرم، ذكر فيها أمر المتغلب العادي، والصاحب الذي يفعل فعل الأعادي، والجار الذي جار والظالم البادي، وما مد الأيدي إليه من النهاب، وما اختطف به القلوب من الإرهاب، وحدث عن أخباره وعندنا علمه، وأخبر عن أفعاله مما له أجر الصبر عليه وعليه ظلمه، وقص رسوله القصص، وزاد الشجى وضيق مجال الغصص، وأطار من وكر هذا العدوان طائرا كأنما كان في صدره، وحرك منه لأمرٍ كان يتجرع له كأس صبره؛ وقد أسمع الداعي، وأسرع الساعي، وبلغ الأمانة حاملها، وأوصل الكلمة قائلها؛ ومرحباً مرحباً بداعي القيام من قبله؛ وأهلاً أهلاً بما بلغ عن ألسنه رسله، وهلُم هلم إلى قلع هذه الشجرة التي لم يخب إلا ظن غارسها، وقطع هذه الصخرة التي لم تنصب إلا مزلقة لدائسها، والتعاضد التعاضد لما هتف به هاتفه الصارخ، وسمعه حتى الرمح الأصم والسيف المتصاوخ؛ فليأخذ لهذا الأمر الأهبة، وليشد عليه فقد آنت الوثبة، فقد سطرت وقد نهض إلى الخيل ملجمها، وبادر وضع السهام في الكائن مزحمها؛ وكأنه بأول الأعنة، وآذان الجياد تفرق بين شطري وجهها الأسنة، وكأنه برسول القائد وفي أعقابه الجيش المطل، والألوية وكل بطل باسل يبتدر الوغى ولا يستذل؛ ولا أرب لنا في استزادة بلاد وسع الله لنا نطاقها، وكثر بنا مدد أموالها وقد على أيدينا إنفاقها؛ وإنما القصد كله والأرب جميعه كشف تلك الكرب، وتدارك ذلك الذماء الذي