الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: في الحيوان وأنواعه
النوع الأول: في الحيوان المذلل المعد للركوب
في الخيل: اعلم أن صفات الخيل المستحسنة كثيرة امتلأت بها الكتب، وكثرت بها المعرفة حتى بقيت لا تكاد تجهل؛ وجماعها في الفرس أن يكون من عظم خلقه كالبنيان، وفي سرعة انعطافه مثل العنان، وفي اشتداد جريه مثل الطيران؛ ويكون رقيق لحم الخدين، واسع الشدقين، جاحظ العينين، حديد الحدقتين، مؤلل الأذنين، عريض الجنبين، ناتئ الصدر، قصير الوظيف، طويل النسا، قصير المطا، واسع الخطى، عريض الكفل، سائل الذيل، قصير عجم الذنب، صلب الحافر مقبقبه كأنه قعب الحالب، لين الجلد، ناعم البشرة، كأن دهنا سكب عليه.
وأزينها الشهب، وأصبرها الكمت، وأسبقها الشقر، وأحدها الدهم. وما
سلم فيها من الوضح كان أشد - والغرة والحجول من الوضح -.
وهي نوعان: عراب وهماليج.
ويقال فيها: وقد أتحفناه من الخيل بكل سابق تقصر عنه الرياح، ويقص الطير وراءه الجناح؛ تظن السحب عن مباراته مشغولة، والبروق عند مجاراته مشكولة؛ لا يسمع للرعد وراءه إلا الأنين، ولا يرى النهار في ليل عجاجه إلا حمل أو جنين.
فمن أشهب جواد بما في يده، سابق يعد يومه الأبيض لغده، كأنما قمصه النهار بردائه، أو سمح له البدر التمام بروائه؛ قد صيغ من لجين، وصين نور البصر منه بسواد العين. - ومعه شهباء من جنسه لا تحدث عن غيرها محاسن الأنباء، ولا تعرف لحلب زبدة إلا لكونها حكتها وتسمت بالشهباء.
ومن أخضر لم يبعد عليه أرب، أخضر الجلد من بيت العرب؛ يطلع في أكمام اللبس نوارا، ويقدح من الشجر الأخضر نارا؛ إذا أم نازحا اقترب؛ وإذا بلله الركض جر ذيله على المجرة وملأ الدلو إلى عقد الكرب. - تتلوه خضراء عجلت بالشراء، وأقاما عذر بني أمية
في حب الخضراء.
ومن أدهم كم دهم الأعداء رعب غرته المطلة، ودهى الأنواء بما أبكى سحبها المستهلة، وسلب الظلماء حلتها ثم دار على هلالها ومعه تتمة أربعة أهلة؛ أو عن
لعنترة خياله لم يذكر لبان أدهمه، أو رأى البدر غرته لزرر في الليل جيبه على درهمه؛ إذا بلغ قبل ارتداد الطرف مداه كان قد اقتصر، وإذا قصر به أمد السرور زيد فيه سواد القلب والبصر.
ومن كميت، كم حي على تمني مثله كميت؛ وقد أسجف سواد الليل ذيل شفقه، وذر فتيت المسك على ورد ألقه؛ وخرط كالعقيقه، ورخص بملأ العليقه، وأشبه الروض فإن لم يكنه كان شقيقه.
ومن أشقر أغر كأنه قبس يتلهب؛ وقد قيد بحجولة لئلا يذهب؛ كأنما سلب البرق رداءه الموشع، ووقفت له الشمس كما وقفت ليوشع؛ وقر له كل سابق بأنه مسبوق، وأذعن له في الميدان لما جاء وعليه أثر الخلوق؛ - يجنب إلى جانبه شقراء طارت من زندة شراره، وأتت ما بين شقيقه وبهاره؛ لا يدانيها جواد ليس معها يدان، ولا يباريها إذا قيل له: هذه الشقراء وهذه الميدان.
ومن أصفر حبشي كأنما علق سبج بديناره، أو امتد خيط من الليف في أصيل نهاره؛ لا يفوته ما أراد من التحصيل، ولا ينكر له إذا كان كريما وهو أصيل.
ويدانيه صفراء فاقع لونها تسر الناظرين، وتسوء المناظرين؛ كأنها سبيكة ذهب أفرغت، أو في ورش المغرب قد صبغت؛ لا تزال تتجمل بها الكتائب المنصورة، وتتقدم الجنائب منها صفراء كأنها راية السلطان المنشورة.
- ومن ذي بلق كأنما هو لابس بردين، أو جامع لضدين؛ إلا أنه قد ضم بردا وأرخى بردان وامتد فيه جنح الليل والنهار قد تبدى. - ويليه بلقاء تسوي مبلغ خراجهان وتدل على تمام الحسن باعتدال مزاجها؛ قد جاءت وفق ما أراد، وازداد حسنها بما جمعت من البياض والسواد.
- ومن الأكاديش الرهاوين كل سابق يبلغ الأمد القصي، ويخدم ركابه منه الخادم الخصي؛ يتمشى مشية المتمايل، ويظهر على بقية الخيل وهو المتخايل؛ أهون ما تمر به الوحول، وأسهل عليه قنن الجبال التي لا تتقحم مشاقها الوعول؛ قد أعرق في بني الأصفر فجاء كأنه
دينار، وأقام في الروم سناقبس فتلهب كأنه نار؛ وتكفل براحة راكبه فكأن صهوته أوطأ المهود، وأخف ظهرا من الجياد العربية في قطع العقبة الكؤود؛ كم حام في قلة شاهق من النسور، ونزل إلى قرارة واد لا يطن مستوطنه منه النشور؛ يتحدر تحدر الماء، ويصعد صعود الدعاء المتقبل فلا يزال حتى تفتح له أبواب السماء.
في البغال: وأكرم بها بغلة لا تغلو بقيمة، ولا تفخر إلا بنفسها لا بالأصول القديمة؛ يعتبر في الحسن جميع أحوالها، ويعتذر لها إذا قصرت العمومة بما طال من شرف أخوالها؛ ذروة أعدت لعالم، وصهوة لخليفة أو وزير أو حاكم؛ تتدفق كالسيل،
وتترفق ولا يعجزها مطلع سهيل؛ لا يلحقها ما يلحق الخيل من الزهو، ولا ترتاد إلا للجد لا للهو؛ ذلت سكينة كأنما سمعت إنذارا، أو قدمت أعذارا، وأناة كأنما تراقب في دوس الأرض حذارا، وتبلغ الأقصى ولا يبل لها الركض سالفا ولا عذرا.
في الحمر: وبعث إليه بحمار صعيدي، لا ينسب راكبه إلى كبرن ولا ينقص عما يتعالى إليه جياد الخيل إلا قدر شبر؛ ولم يزل على راكبه السكينة، وهو أحد الثلاثة التي نوه الله بذكرها في قوله:{والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة} ؛ يبلغ عليه المدى البعيد، وييمم به الساري حيث شاء لأنه من الصعيد؛ مئونته خفيفة، ومقتنيه يسرجه ولا يجد عليه خيفة؛ وقد ركبت مثله الأنبياء، ولم يقتن غيره الأولياء؛ يؤمن منه النفار، وتقنعه النغبة من الجفار؛ لا يخشى راكبه بعد المهوى إذا سقط، ولا يعدم من محاسن البغال إلا عين الحاسد فقط؛ يحصل به ما يراد من الفرس في طول الأسفار، ويطمئن مودعه به إذا كان هو المثل فيما يحمل من الأسفار.
في الإبل: وهي نوعان: عجم وعراب؛ ثم العراب رواحل وجمال أثقال.
وقد أعددنا لبلوغ الغاية من الإبل ما اقتدنا به كل صعب، وحملنا عليه معنا كل صحب؛ وقدمنا منها سفائر ليل، وسفائن آل هي أقدر على قطع تياره من سوانح الخيل؛ واخترنا منها رواحل تطوي بها المراحل، وتساق سحبها التي هي كالإبل إلى البلد الماحل؛ وارتدنا منها كل طائر في الزمام، ضامر كالقسي يرمي بقتبه
كالسهام؛ في هيئة جبال وهي جمال، وتمايل دوحة فرعاء وهي في سرعة التنقل ظلال؛ لا تباري الرياح خفافها، ولا تمكن على الأرض من حافر الحر أخفافها؛ قد طويت طي الأنابيب، ووسمت الأرض ببدور حولها من
حوافر الخيل محاريب؛ ومعها برسم حمل الأثقال كل عبادي لو رآه عبدة ابن الطبيب لقصر عليه القول، أو الراعي لما انصرف بعده إلى الشول؛ أو زين به فناء ابن زبانة لم تلقه في النعم الغارب، أو حميت به رواحل امرئ القيس لما سمع قول العائب؛ يحمل الجمل منها ما لو حمل الجبل بعضه لتصدع، ويكابد جهد السرى لا يشكو ولا يتوجع؛ قد ألف بادية الأعراب فلا ينفك بين حل ومرتحل، ولا يبالي حيث شد راكبه وحل؛ قد طوى على الظماء أحشاءه، وذلل وما كان يعجزه عز الآباء لو شاءه؛ ومعه من العجم البخاتي ما يقطع الأرض بسار يساريك نزل معه النجم في أفقه، ويدك الصخرة في طرقه؛ ويغنى بحلي أوبار عما يضاهي به من الحلل، وتباهي به ذوات القباب الخشب ربات الكلل؛ عزت نفوسا، وطلعت من المشرق شموسا؛ وقصرت أيديها واشتدت زنودها، كأنما تهم بمواثبة عدو يكيدها؛ تنصب في أقطار الأرض كأنها الغيوم السواجم، وتقلد من أوبارها بأطواق زين البراجم؛ لا تمتد معها سوائم العرب، ولا تسري معها إذا مد السحاب رواق أنوائه وضرب؛ ولا يستطيع