الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السادس: في الأزمنة
في الصباح: وقد رقت تلك البكر، ووضحت تلك الغرر؛ وحسنت تلك الصبح المسفرة، وأصبحت بها الأيام ضاحكة مستبشرة؛ وقد أخذت مجامع الحسن تلك المبادي، وأولت بيض الأيادي؛ وجليت تلك السماء الفضية، وجليت تلك المرآة التي كانت من بقايا الليل صدية؛ ودبت حمرة الشفق في وجه النهار، وتوقدت جمرة الصباح إلا أنها من نور لا نار؛ وكان انفتاق الضوء في أخريات الليل مثل شجر ياسمين ينفض، وأقبل النهار في شبابه إلا أن شباب النهار أبيض؛ وباكر الصباح بالصبوح، ودفن الهموم والزق لديه مذبوح؛ وشرب على ماء ورد الشفق مثله من المدام، وجاهر النهار ولم يخش الملام.
في شدة الحر: وحمي وطيس الهجير، وقيد الراكب بحبل الشمس مثل الزنجير؛ وود الماشي على الأرض لو وقى قدمه بأم رأسه، والملتظي في ذلك الحر لو وصل الرياح بأنفاسه؛ كأن كل حصاة من جمره تتوقد، وكأن مدى ما بين كل خطوتين ما بين الأرض
والفرقد؛ شموسه السم المذاب، ونطفه العذاب العذاب؛ لا يتمسك له إلا بآل من آل، وذمته من شعلة رمل يشب لها ذبال؛ ألفح من نار العتاب، وأشد لظى في القلوب من فراق الأحباب.
في شدة البرد: واشتد البرد حتى أرق العظام ودقها، وفرق الأجسام وشقها؛
وعجل النافض لمن ود أن تعقبه الحمى، والرعدة حتى فصص الأجسام عظما عظما؛ وفعل في الأبدان ما يفعله الموت في الجمود، وفي المواقد ما يفعل طول المكث من الخمود؛ وترك الريق في الفم لا يذوب؛ والمدعي أنه يقدر أن ينطق لا يظن أنه كذوب.
في الغبوق: وآخر الغبوق حتى خفق جناح الشمس للغروب؛ وانحل مسك المساء حتى كاد في ما ورد الشفق يذوب؛ ثم عب في غبوقه، ووصله بالليل حتى ضرب الشجر ببوقه.
في العشايا: وزاد نحول الأصيل ورق مدامه فكاد وجنح العصر للطفل، واعتل نير النهار إلا أنه ما أفل؛ وقد كادت الشمس تتوارى، وتفتح في روض المغرب نوارا؛ إلا أن دينارها ما سقط؛ وغراب الليل لحب أشعتها ما لقط.
في شدة الظلماء: واشتد الظلام فلم يتوضح غلسه، ولا زنر بالنجوم أطلسه؛ كأنه استعار سواد قلب العاذل، وعرض الغني الممسك عن الباذل؛ قد آلى الصباح أنه فيه ما ينير، وحرن فخيم وقعد على أنه لا يسير.