الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول: في الآلات
وهي أنواع
النوع الأول: السلاح
في السيف: وسل منه سيفا يمضي حكمه على الرقاب، ويقضي على المرء بما تبقي بقاياه للأعقاب؛ يجد به اللاعب، ويتلقى بصدره المتاعب؛ ويدنو من العدو اقتباسه، ويعز عليه إذا تألى في الحرب فما يقسم به إلا رأسه؛ لا يمنع دونه زرد موضون، ولا بيض مكنون؛ قد توقد شعلا، وسفل الفرند في تياره وعلا؛ وكاد لولا السل يأكل غمده، ويقطع حتى بنده؛ وقد تردى حامله منه بابن صاعقه، وأرى الآجال منه كل بارقه؛ وقد قذف في اللج سعيره، وقبل في إبلاغ الآجال سفيره؛ كأن على متنه سلخ أيم، أو كأنه متلفع بقطع من غيم؛ قد أسبل الضارب منه ذيل ذبابه، وراع الأعداء فما خافوا من أسده المزمجر إلا سقوط ذبابه؛ فأدنى به لأجله كل محضر، وجنى منه ثمر الوقائع يانعا من ورق الحديد الأخضر.
- فيه: وسل سيفا سال المنون من لعابه، وسار الموت في إهابه؛ وتناوم عذاره ملء جفونه فما هجع، وتناوب للوثوب للمهح فما رجع، وتباكى على من قتل
فجرت دموعه دماء،
وتحرق على من سلم فتوقدت ضلوعه نارا وترقرقت مآقيه ماء.
في الرمح: وأعد له كل معتدل الكعوب، يجد به اللاعب وهو ملعوب؛ يضرس الحرب بأنيابه، ويتمسك الموت المطنب بأسبابه؛ يجري الدماء بالأنابيب، ويأخذ الفارس بالتلابيب؛ تحرز به المكاسب، ويلقط ببنانه من الأرواح ما لا يحصيه الحاسب؛ يود البرق المعترض في السماء لو أنه في هيئته تصور، ويتمنى نطاق البروج في السماء لو أنه بشرفاته تسور، ويتيمن الأولياء بثغره الضاحك ويتشاءم الأعداء بكعبه المدور؛ يري له كل طعنة نجلاء تفجر عينها الأنهار، ونطفة زرقاء يقدح شجرها الأخضر النار؛ يعد الموت لأسله كل سليل، ولا يوجد فيها مطعن وللطاعن فيها كل سبيل.
في الطبرزين وهو الطبر: وما منهم إلا من مشى أمام ركابنا بطبرزينه وهو الطبر، وأري من عيانه ما لا يبلغه الخبر؛ تقر له السيوف على نفوسها، ويمضي حكمه على الدبابيس فتحمله إلى رؤوسها؛ متى جرد من غلافه قيل: هذا معين قد نضخ؛ ومتى فتك به حامله إن شاء قتل فأجرى الدماء وإن شاء رضخ.
في السكين: وقد شرعت السكينة تنضنض لسانها، وتعطي على خشونة الحد ليانها؛ وقد كتب الفرند عليها سطورا، وضرب الشنبر عليها سورا؛ وأطلع ليل الغلف صبيحتها الغراء، وطبع حديدها الأزرق من الجوهر ما يصير بالدماء، ياقوتة حمراء، واتخذ منها الصاحب في وقت المضيق، ومثل الأخ حين وضعها في نحور الأعداء ولكنه شقيق.
في القوس: وتنكب قوسا موعد الأجيال إهلال هلالها، وتفيو الأبطال بظلالها، يشق غدران الزرد منها نون، ويرسل على عذرات الأعداء منها منون؛ تئن ولا يعرف علاج أمراضها، ويبعد على السيوف ما تقدر عليه من بلوغ أغراضها؛ قد أفاضت من السهام الراشقة سجلها، وأثبتت في مستنقع الموت رجلها؛ واستوت في قبضة الرامي، وباشرت القتل وناب غيرها الدامي؛ كم أماتت نفوس الأعداء بكمدها، وتقيأت دما من مهجهم بما رمت من كبدها، فأصمت الرمايا وما فارقت ظل الإبهام، وتقاسمت النصر هي والسيف ولكن كان لها دونه أوفر السهام.
- وفيها: وأخرج قوسه الأرواح في قبضتها، والبرق في خاطف ومضتها؛ والسهام قد أرخت ذوائب نصالها، والأوتار لا تروع بفصالها؛ كأنها نصف دائرة المنجنون، أو تعريقة
نون؛ ويشبع سغبها، ولا يدفع شغبها؛ معطية منوع، واهبة تروع؛ صابرة لا تعرف ندم، سائرة لها رجل إلا أنها لا تمشي بالقدوم؛ طائرة وما لها جناح، غائرة وما طلع على كوكبها الصباح؛ هلال لا يعوز رائيه بصير، ضاق فتر بمراميه عن مسير.
في السهام والكنائن: وقد اعتد معه من الكنائن كل ديمة، ذات وبل مستديمة؛
لما يصب منها من صوائب نبل قد بريت فيها السهام بري القداح، وريشت لصيد ما لا تصيده ذوات الجناح؛ ووصلت من النصول بكل مشتد العقب، قوي العصب؛ مرهف الصقال، مخوف الصيال؛ تقع حيث وقع، وإذا فاضت السيوف غدرانا بلت منه نقع؛ يصل إلى ما لو تطاول إليه الرمح للبب به معتقله، أو جال في خاطر السيف لضرب به ضاربه وقيد به صيقله؛ لا يتكشف ضلله إذا تجلى القتام، ولا تعيا حيله إذا أدرعت الفوارس لرد السهام؛ بلاء منزل، وقضاء مرسل؛ وحتف عاجل لا يلقاه إلا حائن، وضر بين ولهذا لا تزال تتشكى الكنائن.
في قوس البندق ويسمى الجلاهق: وبرز إلى مصارع الطير ومعه من قسي البندق كل صائلة بالحين، صائبة بالعين؛ قد تلفعت بالحرير، وتوشعت بالحبير؛ ولبست مثل حلل الربيع، وسلبت من ريش الطير المختلف الألوان ما ظهر عليها حسنه البديع؛ وقد تعقفت رؤوسها كأنها جيمات الأصداغ، وتدبجت قموصها فكأنها تعلمت من السماء حسن الأصباغ؛ وأوترت من الأوتار بما طلبت مثله من الطيور، وأسبلت عليها أزر مكداناتها لأن الحسناء لا يحسن بها السفور، قد أصمت ببندقها، ورمت الطيور من أفقها؛ وأصبح في يد قبضتها كل محلق بجناحه، ومخلق بدمه وجه مسائه أو صباحه، تمد من مقره بندقها في الوتر شبكا، وتزمجر ولا ترثي لمن شكا؛ ترمي الطير منها أمثال الأبابيل، ويمسك بوعدها في أخذ كل ما سنح في الجو لا كما يمسك الماء الغرابيل.
في الجراوة والبندق: ومعه جراوة كأنها أفق أنجم، أو كنانة أسهم؛ لا يزال الطير الآمن بطوالعها ينكب، وفي مطالعها يظل دمه إذا غاب كوكب منها بدا كوكب؛ قد بعدت بالبندق مراميها فما شاء راميها اغتصب، وصال به لا بها وبالقوس مما ليس في قوة جلد ولا عصب.
في العامود وهو الدبوس: ثم ضاق به المجال، وسئم سيفه من قطع الآجال؛ فاخترط من تحت فخذه عامودا تهد به الأبنية المشيدة، وتتساقط به الفوارس كأنها خشب في عمد ممددة؛
قد كمم بالحديد، وارتج موقعه فلما قيل إنه شاش عمم به رأس الصنديد؛ يموت به قتيله ولا يتنصف، ويفزع وجيبه وما هو إلا أصلاب رجال تقصف؛ يأمن به الضارب ما يخاف بالسيف في الضراب، ويقدمه قدامه لا تحميه عنه الحميلة ولا يبعد قربه القراب؛ لا ترى بشقشقته الأبطال إلا خمودا، ولجج السيوف إلا جمودا، ورأس القتيل إذا أهوى إليه إلا كان عليه من فلق الصباح عمودا؛ لا يحصن منه خوذة ولا سربال، ولا يهاب إبراق سيوف ولا نبال؛ تتكسر الأصلاب الصلاب به تكسر الزجاج، وتفلق به بيض الخوذ مثل بيض الدجاج.
في العصا: وقد خف عليه محملها فهو لا يضعها عن عاتقه، ولا يعد سواها لإزالة عائقه؛ قد اتخذ منها آية موسوية أصبحت بها يده بيضاء، وتصرف بها كيف شاء؛ وكان يعتمد عليها إذا وقف، ويجمع عليها فريقه إذا اختلف؛ وطالما قرع بها كاهل المنازع، وكان له في قمع الأعداء بها غير هذا من المنافع: يلين قسوتهم إذا امتنعوا، ويلقف بالادراء بها ما صنعوا.
في البيضة: وقد لبس منها بيضة زانها بياض مفرقه، وطلع فيها طلوع البدر في أفقه؛ وأتى فيها كأنه قد تلبس شعلة لهب، وعكس بها شعاع الشمس كأنها فضة قد مسها الذهب؛ لا يجد له السيف فيها مضربا، ولا يمد له العجاج عليها مضربا؛ لم يزل يوصف صبرها المذكور، ويلبس الكوافي منها من لا يطمع بما تحت ذيله الذكور؛ قد جعلت نفسها دون رأس لابسها فداء، وآلت أن لا تزال تدفع عنه أعداء.
في الدرع: وأقبل في سابغة ضاقت عيونها فلمحت المنون ازورارا، واطردت متونها تشب الوقائع نارا؛ تكحل بالغبار خزر حدقها، وتطرق أبواب الشجاعة بحلقها؛ ترد على الشمس شعاعها، وتبدي على اللمس مناعها؛ لام ليست للتعريف، وموج غني عن التصريف؛ بأسها شديد، وبصرها حديد، وبحرها بعائمه لا يميد؛ تلافيها السيوف فتقف عند حدها، وتخاطبها ألسنة الرماح فتحسن في ردها؛ تفيض على النصال فتخمد لها برقا، وتحشر مجرمي الذوابل زرقا؛ تسمع حديثا للقتال منقولا، ونرد الطاعن فيها مغلولا.
في الترس: وحمل بيده ترسا لا يزال به السيف ينكص على عقبه، ويرد وما زاد على أن حصل منه على عجبه؛ كأنما صنع لمدافعة الأجل، أو صنع ليحمل عن الضارب فضيحة
ما يلقاه من الخجل؛ كأنما شب فيه الموت والتهب، وطلعت من مشرقه الشمس فقيل إنها ترس من الذهب.