الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع: في المياه ولوازمها
في البحر: والبحر سماء يمشي في مناكبها، ويمتطي كواهل كواكبها؛ أفلاكها الدائرة، فلكها السائرة؛ وملائكتها المسبحة بأسمائها، حيتانها السابحة في مائها؛ تنشأ منه السحائب، ويخرج الدر منه بين الصلب والترائب؛ تجري فيه السفن في موج كالجبال آياته لا
تحتجب، وكله عجب حتى ليس فيه عجب.
في تنكر البحر: وتنكر البحر بعد أصحابه، ونكر معروفه لأصحابه؛ وأقبل عليهم بوجه مكفهر قد قطبه، وخرق في جنب السفينة قد قطبه؛ والريح قد شرد باللجج شردها، والأمواج قد أحكم في التقدير سردها؛ وقد تزاحمت الأفواج، وتلاحمت الأمواج، وتلاطمت الحيتان بعضها ببعض، وقد كشفت الريح البحر حتى كادت تبين قرارة الأرض؛ والخوف متوقع، والموت منتظر ولكن أين حدث في البلقع.
في إصحاب البحر: وقد أصحب البحر بعد امتناع جانبه، وتلوي مجانبه، وتلوي مجانبه؛ وأصحب وكف؛ وغدت السفن كأنها سرر مرفوعة، والقلاع منشورة كأنما السماء بها مرقوعة؛ وقد لان من الرياح ما اخشوشن، وبان البحر لتكسر موجه كأنه لابس جوشن؛ وصفت سريرة مائه وكانت قد تكدرت تكدر الخب، وتسهلت عريكة ريحه، وكانت قد تعسرت عسر الحب. وهو الآن طيع العنان، حسن العيان، كيفما أخذت به أصحب، وانقاد بعدما كان قد استصعب.
في نهر جار: فطنب بجانب نهر يتلوى أرقمه، ويمر النسيم على ديباجه الساذج فيرقمه؛ يروع حصاه حالية العذارى؛ ويظهر صفاء باطنه لظاهره اعتذارا؛ كأنما ذاب فرند في مائه، أو تفرى ليل عن سمائه؛ فجاء بدمع العين، وغسل حتى صدأ البين.
في غدر: وفي تلك الفيح غدران كأنها عشور في مصاحف، ووجوه حسان في بيض ملاحف؛ كل غدير منها كأنه درهم، وكل أتي كأنه يجمع أرقم؛ قد امتدت في ذلك الفضاء، وسالت في إنائها المصوغ من الذهب الأحمر بالفضة البيضاء؛ وقد صقلت عليها الرياح سوالفها، وتذكرت حولها فتية الحي مآلفها؛ وأرخت عليها الرياض خضر برودها، وحامت النفوس الظماء منها على ورودها.
في منهل مورود: ووردنا منه نطفة زرقاء تروي الصدي، وتروي بأقرب سند حديث السحاب من طريق الندي؛ يرشف من حبابها مثل الثغور، ومن رضابها ما تقل به الخمور؛ قد نشرت منه شققا بيضاء وقصرتها الشمس، وحمتها مسافتها البعيدة من اللمس؛ تحدرت من غر طوال الذوائب، ونزلت على صفاء الأرض من صفو السحائب؛ وتولت الريح نفي قذاتها، ونفع شاربيها بدفع أذاتها؛ فكانت مثل صفاء الدمعة، ورقة الشمعة، وثياب أهل
الإيمان البيض يوم الجمعة.
في ماء آجن: ولم تجد الإبل على تحرق أكبادها، وتخرق أكتادها، وامتداد لياليها وأيامها بأوامها، وذهاب مددها، بعطش كبدها، إلا ماء سار من حمأة
كدر، وعلا رأسه المشيب مما بلغ من كبر؛ كأنما صب الزيت على مائه، أو غشي صباح غديره بظلمائه؛ وقد أصبح كأنه نقيع حناء، وبقية ما عل أرقمه من زمان حواء؛ لا تقربه الدواب ولا كثير من الناس، ولا تهون المصيبة به إلا إذا وجد بعد الإياس.
في السفن: وأطار من السفن كل خفيفة الجناح، خفية الجماح؛ تمد من القلوع أجنحة، وتعد من المجاذيف أسلحة؛ تجل أن تقاس بدهم الخيل، أو تشبه نجب قلوعها المنشرة بنهار أو ليل؛ قد اتخذت سماء البحر ميدانا، وحطت على موجة البحر غربانا؛ وشالت انفها تتنسم الأرواح، ومدت كفها وكتب على الماء ما خطت في الألواح؛ فكأن كل واحدة منها على البحر ثوب فيه قصر، وكأن الماء عين محدقة وهو فيها سواد البصر.
في السمك: وثم من عجائب المخلوقات ما يتجاوز طور العقل، ويتجوز فيه أهل النقل؛ ومنها نوع السمك الذي تنوعت مخلوقاته، واجتمعت في البحر متفرقاته؛ وحسن في ذلك المهرق منه تعريف كل نون، واجتلاء كل حسناء كأنها بيض مكنون؛ وتنوع ما يخرج من البحر من ذلك اللحم الطري، وطلوع كل حوت ما يعوزه إلا المشتري؛ وبيان كل بنية كأنما يقشر منها سبيكة فضة، أو تخرج منها جمارة
غضة على انبعاثها في صفحة الماء، وانبثاثها كالنجوم في السماء، وتلببها بأمثال الجواشن، وإطلالها في مثل الخود من تلك الرواشن؛ وتلك الظهور الجؤجؤية، والقمص الؤلؤية؛ والبطون التي كأن لمسها من حرير، والأذناب التي لو سحبت في خطة الأخطل لجرى وراءها جرير.