الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الثاني: آلات الحصار
في المنجنيق: وأنذرتها المنجنيق ما بعدها، وحذرتها: إلا تتخلى وتلقي ما عندها؛ فلما أبت إلا امتناعا، وأن ترخي عقيلتها المخطوبة عليها من الستائر قناعا، تقدمت إليها المجانيق وقد شدت نطاقها، وشمرت للحرب ساقها، ورمت قبل القلعة قلب ساكنها بالوجل، ولطخت قبل الدماء بالشفق خدها بالخجل، واستأنت في قصدها وجاءت إليها على عجل؛ ورغت رعودها وتلك هدة واجب، وقامت في قتالها بالواجب، وأثرت في أبدان البدنات أمرا، وتقدمت فما خلت في طريقها حجرا؛ وجادلت السور فما أحسن الرد، ولعبت معه لعب النرد؛ فنشط اللاغب، وانبسط اللاعب، حتى (استردتا خيذتها) المغصوبة، وغلبت لما جارت عليها الفصوص والمناجيق منصوبة؛ فقلعت السور والباشورة، وقلبت المدينة من صورة إلى صورة، فما مضت إلا ساعة، وقد بقي صيتها إلى بقاء الساعة.
وفيه: ونصبنا عليها من المناجيق ما سامى قلاعها، وسام اقتلاعها؛ وهدم
سورها، وهتم ثغورها؛ وفجر حجارتها لا بالأنهار، وأضجر سيارتها وما غاب نهار؛ وأتت على البلد ومن فيه، وأتت على ما نطق به لسانها ملء فيه؛ وما هان أمرها وهو عنيد، ولا لان قلبها وهو حديد؛ ولا قصر باعها وهو طويل، ولا اختصر عنانها وهو مديد؛ من كل محكمة الترتيب، من كل محكمة الترتيب، محكمة التدريب، مبسوطة اليد تنادي السماء من مكان قريب؛ مفتولة الساعد، مقبولة المساعد؛ يتحرك لسانها كأنها تعاتب، ويتحرر سنانها كأنها قلم كاتب؛ لها فخذ كريم لا تلوي به على نسب، وحبل متين ولا يتمسك منه بسبب؛ قد أثبتت في مستنقع الموت رجلها، وأنبتت في غابات القنا أصلها؛ وأصبحت كالرجال، لا يعرف ما في صناديقها المقفلة، وكالأعمال لا تخف كفاتها المثقلة؛ لا تكاثر في مجال، ولا تكابر أنها تلقف ما صنعوا من عصي وحبال؛ قد استلت كأنها عقاب، وامتدت كأنها سحاب؛ وهدرت كأنها رعود، واستترت كأنها خود؛ واضطرمت كأنها حريق، واضطربت كأنها طليق؛ وأطلت كأنها أجل، وولت كأنها وجل، وطلت دماء دبت في صفحات البذيات كأنها خجل؛ وأنت وغيرها الثاكل، وسغبت وفي الثغور الممضغ منها فضلة الآكل؛ فناجت تلك الشرفات
بما محى محاسنها، وتتبع في المكان مكامنها؛ وأرعدت فرائص الحجارة، وأخلت السور من النظارة؛ وولجت المدينة وولعت بمبانيها الهائلة ففرقت شملها، وبعقودها الطائلة فحلت نظمها وعجلت حلها؛ وألقت عن المدينة نطاق السور، وفكت عن الجيد عقد جيبه المزرور؛ ودخلت العساكر المنصورة إلى داخل المدينة هجما من كل مكان، ووثبا على آثار الثور كأنه ما كان؛ وملك البلد بمجموعه ورفعت به الأعلام، وسمعت به دعوة الإسلام؛ وتسنمت ذروة الأبراج للأذان، وتسلمت ولصانع المنجنيق اليد وله الإحسان.
في الزيارات: وشد من الزيارات كل ذات معجزة خارقة، ورجل دائسة في
الأرض ولها يد لأعناق المعاقل خانقة؛ تهدر مثل الفنيق، إذا أزبد، وتباري المنجنيق فتقول: هذه صنعة ما لي فيها يد.
في الستائر: وتسترت تلك المحجبه، وتسورت بأسوار أخرى من الستائر غدت النواظر منها متعجبه، ثم طفقت لا تنظر إلى من وراء ستور تلك الستائر، ولا يعرف بها ما في داخلها إلا كما يعرف ما في السرائر؛ وقفت دريئة للسهام إلا أنها سهام المنجنيق، وصبابة لكل صب لا يرى منظرها الأنيق؛ وأقام من فيها خلفها يخاتل، وغايته أن يدافع عن نفسه وهو يوهم أنه يقاتل.
في السهام الخطائية: ومن السهام خطائية لا تخطي صوابها، ولا تخطي مهلك قرية مصائبها؛ قد حشيت صدورها غضبا، وكاثرت السهام بأجنحة النار غلبا، لا تنكب طرقها، ولا تفرق الأعداء ويحرقهم إلا رعدها المجلجل وبرقها.
في مكاحل البارود: ومن مكاحل كم أعمى عين بلد كحلها، وكم لقح بدنة مبدنة فحلها؛ وكم رمى فيها نطفة نار، واشتملت أحشاؤها منه على جنين كانت النار عليها به أهون من العار؛ لا تبالي بالأعداء إذا أخرجت لهم خفايا سرها،