الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول القرآن الكريم والكتب السماوية السابقة
أولا- تعريف القرآن والفرق بينه وبين الحديث:
1 -
هذه الكلمة «قرآن» لغة على وزن فعلان: لفظ مشتق من القرء، بمعنى الجمع؛ يقال: قرأ الشيء قرءا وقرآنا: جمعه وضم بعضه على بعض، ومنه قرأت الماء في الحوض: جمعته. قالوا: وسمي القرآن الكريم قرآنا لأنه جمع القصص والأمر والنهي، والوعد والوعيد، أو لأنه جمع الآيات والسور.
وقيل: إن هذا اللفظ- قرآن- مشتق من القرائن التي يصدّق بعضها بعضا، أو يشابه بعضها بعضا. وقالوا: وكذلك حال الآيات والسور في القرآن الكريم.
وقال اللحياني وجماعة من أهل اللغة: قرآن: مصدر كغفران، سمي به «المقروء» أي المتلوّ؛ تسمية للمفعول بالمصدر. ومنه قوله تعالى: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18)[سورة القيامة: 17 - 18] أي قراءته، والمراد:
جبريل عليه السلام. ومنه كذلك قول حسّان بن ثابت يرثي عثمان بن عفان- رضي الله عنهما:
ضحّوا بأشمط عنوان السجود به
…
يقطّع الليل تسبيحا وقرآنا
أي: قراءة. ويقال: قرأ الرجل، إذا تلا، يقرأ قرآنا وقراءة.
وبغض النظر عن أصل اشتقاق هذا اللفظ، على دقة ما ذهب إليه اللحياني
وترجيحنا له؛ فإن «القرآن» بهذا اللفظ المعرّف صار علما شخصيا على «الكتاب» المعجز الموحى به من الله سبحانه، والمنزل على سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم عبد الله ورسوله الخاتم؛ سمي به هذا الكتاب كما سميت «التوراة» التي نزلت على موسى، و «الإنجيل» الذي نزل على عيسى عليهما الصلاة والسلام. قال تعالى:
إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [سورة الإسراء، الآية 9].
حتى قيل إن بعض العلماء، منهم الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، عدّ هذا اللفظ المعرّف كما قلنا- القرآن- اسم علم غير مشتق، خاص بكلام الله تعالى المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم.
2 -
أما ما ذكره العلماء من تعريف «القرآن» - اصطلاحا- بالأجناس والفصول، لتمييزه عما عداه مما قد يشاركه في الاسم- ولو توهما- ذلك أن سائر كتب الله تعالى، والأحاديث القدسية، وبعض الأحاديث النبوية، تشارك القرآن في كونها وحيا إلهيا، فربما ظن أنها تشاركه في اسم القرآن أيضا، فأرادوا بيان اختصاص الاسم به، ببيان صفاته التي امتاز بها عن تلك الأنواع؛ فقال أكثرهم في تعريفه:
وأوجزه بعضهم بقوله: القرآن هو كلام الله تعالى، المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، المتعبد بتلاوته».
وقد قيل في تحليل هذا التعريف الأخير: إن «الكلام» جنس شامل لكل كلام، وإضافته إلى «الله تعالى» تميزه من كلام من سواه، سواء أكان من الإنس أم غيرهم.
«المنزّل» : مخرج للكلام الإلهي الذي استأثر به في نفسه، أو ألقاه إلى
ملائكته ليعملوا به لا لينزلوه على أحد من البشر؛ إذ ليس كل كلامه تعالى منزلا، بل الذي أنزل منه قليل من كثير، قال الله تعالى: قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَداً (109)[سورة الكهف، الآية 109].
وقال تعالى: وَلَوْ أَنَّما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ ما نَفِدَتْ كَلِماتُ اللَّهِ [سورة لقمان، الآية 27].
وتقييد المنزّل بكونه على «محمد صلى الله عليه وسلم» لإخراج ما أنزل على الأنبياء من قبله، كالتوراة المنزلة على موسى، والإنجيل المنزل على عيسى، والزبور المنزل على داود، والصحف المنزلة على إبراهيم، عليهم السلام.
أما قيد «المتعبّد بتلاوته» - أي المأمور بقراءته في الصلاة وغيرها على وجه العبادة- فلإخراج ما لم نؤمر بتلاوته من ذلك، كالقراءات المنقولة إلينا بطريق الآحاد، وكالأحاديث القدسية، وهي المسندة إلى الله عز وجل (1)، إن قلنا إنها منزلة من عند الله بألفاظها.
3 -
أما الأحاديث النبوية فإنها بحسب ما حوته من المعاني تقسم إلى قسمين:
قسم توفيقي، استنبطه النبيّ بفهمه ونظره في كلام الله تعالى، أو بتأمله في حقائق الكون. وهذا القسم ليس من كلام الله تعالى.
وقسم توقيفي، تلقى الرسول مضمونه من الوحي فبيّنه للناس بكلامه، وهذا القسم وإن كان ما فيه من العلوم منسوبا إلى معلمه وملهمه سبحانه، لكنه- من حيث هو كلام- حريّ بأن ينسب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن الكلام إنما ينسب إلى
(1) الحديث القدسي هو الذي يرويه النبيّ صلى الله عليه وسلم على أنه من كلام الله. «قال رسول الله: قال الله تعالى، أو قال رسول الله فيما يرويه عن ربه» ، وقد نقلت إلينا الأحاديث القدسية على النحو الذي تم فيه نقل الأحاديث النبوية.
واضعه وقائله الذي ألّفه على نحو خاص، ولو كان ما فيه من المعنى قد تواردت عليه الخواطر وتلقاه الآخر عن الأول.
فالحديث النبوي إذا خارج بقسميه من القيد الأول «وهو كون الكلام كلام الله» في هذا التعريف (1).
وكذلك الحديث القدسي إن قلنا إنه منزل بمعناه فقط. وهذا هو أظهر القولين فيه. لأنه لو كان منزّلا بلفظه لكان له من الحرمة والقدسية في نظر الشرع ما للنظم القرآني؛ إذ لا وجه للتفرقة بين لفظين منزلين من عند الله تعالى، فكان من لوازم ذلك المحافظة على نصوصه، وإجزاء قراءته في الصلاة، وعدم جواز روايته بالمعنى إجماعا، وعدم جواز مسّه للمحدث. ولا قائل بذلك كله.
وأيضا فإن القرآن لما كان مقصودا منه مع العمل بمضمونه شيء آخر وهو التحدي بأسلوبه والتعبد بتلاوته، احتيج لإنزال لفظه- ولهذا فإن ترجمته لا تعتبر قرآنا- والحديث القدسي لم ينزل للتحدي ولا للتعبد، بل لمجرد العمل بما فيه، وهذه الفائدة تحصل بإنزال معناه، فالقول بإنزال لفظه قول بشيء لا داعي في النظر إليه، ولا دليل في الشرع عليه، اللهم إلا ما قد يلوح من إسناد الحديث القدسي إلى الله بصيغة «يقول الله تبارك وتعالى كذا» (2).
لكن القرائن التي ذكرناها آنفا كافية في فسح المجال لتأويله بأن المقصود نسبة مضمونه لا نسبة ألفاظه، وهذا تأويل شائع في العربية فإنك تقول حينما تنثر بيتا من الشعر «يقول الشاعر كذا» وتقول حينما تفسر آية من كتاب الله بكلام من عندك:«يقول الله تعالى كذا» وعلى هذه القاعدة حكى الله تعالى عن موسى
(1) النبأ العظيم ص 10 - 11، للأستاذ المحقق الدكتور محمد عبد الله دراز رحمه الله. وانظر فيه تفصيلات أخرى في تحديد معنى القرآن.
(2)
المصدر السابق ص 11.
وفرعون وغيرهم مضمون كلامهم بألفاظ غير ألفاظهم وأسلوب غير أسلوبهم، ونسب ذلك إليهم (1). والله تعالى أعلم.
4 -
ملاحظة هامة حول هذه الفروق: وتذكّرنا هذه الفروق بين القرآن الكريم وأنواع الحديث النبوي، بضرورة القول إن لدينا اليوم، وبعد هذه القرون التي مرت على بعثة النبيّ صلى الله عليه وسلم ونزول القرآن، المصادر التالية المستقلة، أو المفصول بعضها عن بعض، وإن هذا الفصل والتمييز يعد من أبرز خصائص الأمة الإسلامية. ومن أهم مزايا الإسلام ومصادر الثقافة الإسلامية:
(أ) لدينا أولا: القرآن الكريم، بوصفه كلام الله تعالى المنزل أو الموحى به بلفظه ومعناه، أو بوصفه النص الإلهي المبرّأ من التحريف والتبديل.
(ب) ولدينا إلى جانبه: كلام النبيّ صلى الله عليه وسلم، أو أقواله وأحاديثه الشريفة، التي لم تختلط بحرف واحد منها بالقرآن الكريم. سواء أكانت أحاديث قدسية أم عادية- مع التنويه بهذه الدقة في التمييز بين هذين النوعين- علما بأن نسبة الأحاديث القدسية ضئيلة إذا ما قيست بسائر أحاديث النبيّ الكريم- صلوات الله وسلامه عليه-. وبغض النظر عن طبيعة موضوعاتها، ودرجة توثيقها عند المحدّثين.
(ج) وعندنا كذلك: الصورة الكاملة لأعمال النبيّ صلى الله عليه وسلم وحياته اليومية، الخاصة والعامة في السلم والحرب. وقد تضمّنتها كتب (السيرة النبوية) التي يمكن وصفها باختصار بأنها: تاريخ حياة النبيّ عليه الصلاة والسلام.
(د) ويوجد إلى جانب هذه المصادر الثلاثة: القرآن والحديث والسيرة، مصادر خاصة بحياة الصحابة- رضوان الله عليهم-، وبطبقاتهم كذلك.
(هـ) ولدينا أخيرا كتب التاريخ العام: أو كتب التاريخ .. على اختلاف طرائقها في التأليف.
(1) النبأ العظيم ص 11 مطبعة السعادة، مصر 1389 هـ- 1969.