الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ونزل القرآن كذلك على أساليب العرب في كلامها، ففيه الحقيقة وفيه المجاز، وفيه الصريح والكناية، وفيه المتشابه والمجمل
…
إلخ، على نمط العرب في حقيقتهم ومجازهم وسائر ضروب كلامهم.
قال ابن خلدون: «اعلم أن القرآن نزل بلغة العرب، وعلى أساليب بلاغتهم، فكانوا كلهم يفهمونه ويعلمون معانيه في مفرداته وتراكيبه
…
» (1).
أولا- بين التفسير والتأويل:
وقبل أن نوجز تاريخ التفسير بأقل قدر ممكن من «الكلمات» نوضح الفرق بين «التفسير» و «التأويل» :
1 -
التفسير في اللغة: الاستبانة والكشف، وفسّر الشيء يفسّره وفسّره:
أبانه، قال تعالى: وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً (33)[سورة الفرقان، الآية 33] أي بيانا، ولم ترد لفظة «تفسير» في القرآن في غير هذا الموضع، وانظر الآيات السابقة.
ولم يختلف المفسرون في أن المراد من «تفسير القرآن» - على تعدد تعريفاتهم للتفسير اصطلاحا (2) - بيان معانيه على أي وجه من وجوه البيان؛ قال
(1) المقدمة ص 1130 بتحقيق الدكتور علي عبد الواحد وافي. وصفحة 403 طبعة دار الشعب بالقاهرة.
(2)
يعرف أكثرهم التفسير بأنه «علم يبحث فيه عن القرآن الكريم من حيث دلالته على مراد الله تعالى بقدر الطاقة البشرية» يشيرون بذلك إلى إخراج الدراسات المتعلقة بالقرآن من جهة غير جهة دلالته السابقة
…
من نطاق التفسير، كبعض علوم القرآن
…
علم القراءة، مسألة الرسم العثماني
…
إلخ- وقيد «الطاقة البشرية» لبيان أن عدم العلم بالمتشابه أو بفواتح السور- على ما ذهب إليه بعضهم- لا يقدح في التفسير.
وفي الوقت الذي تعتبر فيه علوم القرآن- في الواقع- مدخلا إلى تفسير القرآن وطريقا إليه، إلا أن قسما كبيرا منها، حتى بعد أن اتخذ هذا المصطلح شكله النهائي فيما بعد، يدخل في نطاق التفسير. هذا الشطر الكبير جدير بأن يسمى:«علوم التفسير» .
بعضهم: «والتفسير هو علم بمعاني القرآن، وناسخه ومنسوخه، ومجمله ومبينه، ومتشابهه ومحكمه» .
2 -
التأويل في اللغة: مصدر أوّل يؤوّل تأويلا، وهو من آل الشيء إلى كذا أي رجع إليه، قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: «التأويل: التفسير والمرجع والمصير وقال أبو جعفر الطبري: «وأما معنى التأويل في كلام العرب فإنه التفسير والمرجع والمصير
…
وقد قيل: إن قوله تعالى: وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا* أي جزاء، وذلك أن الجزاء هو الذي آل إليه أمر القوم وصار إليه» (1).
فالتأويل في اللغة يراد به- إذن- «التفسير» كما يراد به «المرجع والمصير» لأن أحدهما مغاير للآخر- وإن كان اشتقاق الكلمة يرجح أن يراد من التفسير ما يحتاج منه إلى النظر والفكر ليصح معنى الرجوع؛ ولهذا ورد لفظ التأويل في القرآن الكريم في مواطن دقيقة يحتاج فيها المعنى إلى مثل ذلك، كما في آية المتشابه- الآية 7 من سورة آل عمران (2) - وكما في الآيات 6، 21، 101 - وكقوله تعالى في سورة يوسف على لسان الملأ: يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ [سورة يوسف، الآية 44].
وكقوله حاكيا عن يوسف- عليه السلام: يا أَبَتِ هذا تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ [سورة يوسف، الآية 100].
وكقوله في سورة الكهف: سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ ما لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً (78)[الآية 78] سواء في ذلك استعملت في تأويل الكلام والمعنى كما في آية المتشابه؛ أم في تأويل الرؤى والأحلام كما في قصة يوسف- عليه السلام، أو تأويل الأعمال كما في قصة موسى- عليه السلام مع الرجل الصالح.
(1) انظر كتابنا: الحاكم الجشمي ص 223، طبع مؤسسة الرسالة.
(2)
راجع بحث المحكم والمتشابه من كتابنا: علوم القرآن. طبع المكتب الإسلامي.
هذا وقد جرى استعمال الطبري وأكثر المتقدمين «للتأويل» على أنه مرادف للتفسير، وقد جرت عادة الطبري في تفسيره باستعمال عبارة: (القول في تأويل قوله تعالى
كذا
…
) وعبارة: (واختلف أهل التأويل في هذه الآية) وإنما يعني بذلك التفسير كما هو معلوم.
أما التأويل في الاصطلاح فهو: «إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية إلى الدلالة المجازية من غير أن يخل ذلك بعادة لسان العرب من التجوز، من تسمية الشيء بشبيهه أو بسببه أو لاحقه أو مقاربه
…
أو غير ذلك من الأشياء التي تعورفت في أصناف الكلام المجازي» (1) ويقرب من هذا التعريف الذي ذكره ابن رشد ما عقّب به الغزالي على تعريفه هو للتأويل حين قال: «ويشبه أن يكون كل تأويل صرفا للّفظ عن الحقيقة إلى المجاز» .
وكأن الحاجة إلى التأويل تظهر بعد «تفسير» الألفاظ الواردة من النص لمعرفة ما يدل عليه ظاهره، فيحمل دليل ما- عقلي أو نقلي أو عرفي- على أن المراد بالكلام غير ظاهره» وأنه يجب حمله على المجاز فيؤول؛ أي فيحمل على المجاز دون الحقيقة.
وبذلك يكون التأويل خطوة تالية لخطوة التفسير، كما عبر بعض الباحثين.
أما الراغب الأصبهاني فقد جعل التفسير أعم من التأويل لأن أكثر ما يستعمل التفسير في الألفاظ، والتأويل في المعاني، قال في شرح قوله تعالى: إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ (14)[سورة الفجر، الآية 14] تفسيره: إنه من الرصد، يقال: رصدته:
رقبته، والمرصاد مفعال منه. وتأويله: التحذير من التهاون بأمر الله والغفلة عن الأهبة والاستعداد للعرض عليه، سبحانه وتعالى (2).
(1) فصل المقال لابن رشد ص 14 وقارنه بتعريف الإمام الغزالي رحمه الله في المستصفى 1/ 157.
(2)
انظر مقدمة الراغب ص 403، المطبعة الجمالية بمصر.