الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثا- خصائص النص الفكرية:
1 -
تبدو في النص وحدة موضوعية واضحة تدور حول فكرة المسئولية.
2 -
ولذلك كان بين أجزاء النص ارتباط وتسلسل، فمن مشهد الغزو، إلى تحليل العوامل النفسية الدافعة، إلى النهاية والمصير، فالحساب والمسئولية.
3 -
ويعتمد النص على العنصر النفسي سواء في تحليل نفسية الإنسان أو في تسجيل الأعمال وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ واعتبار النيات في تحديد المسئولية.
رابعا- فن العرض أو الطريقة الأدبية:
إذا كانت الفكرة الأساسية هي أن الإنسان مسئول بعد هذه الحياة عن أعماله ودوافعه، فكيف عرضت هذه الفكرة، وهل كان في طريقة عرضها فنّ خاص؟
1 -
لقد وضعنا النص رأسا أمام مشهد واقعي حيّ من مشاهد الحياة ينبض بالحركة والحياة، إذ تعدو أمام بصرنا كوكبة من الفرسان، نحس بحرارة أنفاس خيلها، ونسمع حفيفها، ونبصر الشرر المتطاير من حوافرها، وما تثيره من الغبار حولها، حتى تصل في وقت الصبح إلى الجماعة التي تريد مباغتتها!!
لقد اعتمد النص في هذا القسم الأول على الوصف الذي يكاد يكون على إيجازه قصة أو مشهدا من قصة، وقد تضمن هذا الوصف عناصره الأساسية من تصوير الحركة (العاديات، المغيرات، أثرن، وسطن) إلى تصوير الأشكال والألوان (الموريات قدحا، النقع، توسط الجمع) إلى سماع الأصوات (ضبحا) هذا مع انتقاء النقط البارزة والخطوط المشخصة للمشهد (العدو، الشرر، الغبار) وتحديد الزمان (الصبح).
لقد كان افتتاح السورة بهذا المشهد مفاجأة مثيرة للخيال، ولا سيما بالنسبة للعرب الذين تثيرهم صورة الغزو، بل خبره وحكايته، وكان عرض هذا المشهد
نقطة انطلاق للتأمل والتفكير، وكان في الوقت نفسه صورة رمزية تدل على اعتداء الإنسان، أورد مورد القسم، وكثيرا ما يأتي القسم في القرآن للإيقاظ والتنبيه وإثارة النفس وإعدادها لما يأتي من المعاني.
2 -
أما طريقة القسم الثاني من النص فقد كانت التحليل النفسي، فقد انتقلنا من مشهد واقعي من مشاهد الحياة إلى التأمل في نفسية الإنسان، ومن الصور الحية النابضة المجردة النفسية، وكان عرض الأفكار في هذا القسم عرضا مباشرا مجردا خاليا من التصوير أو الوصف المادي.
3 -
وقد عاد النص في القسم الثالث إلى طريقة الوصف والتصوير، فإذا بنا ننتقل من ذلك التأمل النفسي، ومن مشاهد الحياة اليومية إلى نهاية الحياة وإلى ما بعد الموت في صورة حسية قوية تبعث الروع؛ في أشد إيجاز وأقوى تعبير أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ تقترن بها صورة رمزية ترمز إلى جمع الأعمال وتشير إلى اعتبار النية فيها وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ. فكأن هذا القسم في طريقته حاكى القسم الأول في آيته الأولى، والثاني في آيته الثانية، فجمع بين التصوير الحسي الرائع والتحليل النفسي العميق في آيتين تصفان حادثة واحدة.
4 -
أما الخاتمة فقد جاءت على طريقة الأحكام المجردة بعد أن هيئت النفس بتلك الصورة الحسية المثيرة للخيال، والصورة النفسية الباعثة على التأمل لتلقي هذا الحكم خالصا مجردا.
وهكذا جمعت هذه السورة بين طريقة التصوير والوصف، وطريقة التحليل والعرض المباشر للأفكار، مع إيجاز وسرعة انتقال، هذا عدا ما في القسم الأول من فن عجيب في قطع سلسلة المشهد ليتمّها القارئ بخياله، إذ تقف قصة الغارة عند التقاء الجمعين. ولك أن تتصور أيها القارئ ما تتصور من جرائم النهب والسلب والقتل والاعتداء، تلك الأعمال التي تستدعي الحكم الوارد في القسم الثاني على الإنسان الكفور الجاحد!